قراءة علمية في كتاب "النزعة الإنسانية وإرث الأنوار" لمصطفى حنفي
فئة: أنشطة سابقة
نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث قراءة في كتاب "النزعة الإنسانية وإرث الأنوار" للدكتور مصطفى حنفي، في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، يوم الخميس 24 مارس 2016، ابتداء من الساعة العاشرة صباحا.
شارك في هذه الندوة السادة الأساتذة، عبد الحي أزرقان من جامعة محمد الخامس بالرباط، ومحمد الأندلسي من جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، بالإضافة إلى مؤلف الكتاب مصطفى حنفي من جامعة عبد المالك السعدي، هذا وقد سير الندوة الأستاذ عبد النبي الحري من جامعة شعيب الدكالي.
استهلت هذه الندوة بجلسة افتتاحية، تناول فيها الكلمة كل من الدكتور مصطفى الغاشي، نائب عميد كلية الآداب بتطوان المكلف بالبحث العلمي، والدكتور مولاي أحمد صابر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، حيث تم الإعلان عن عقد شراكة علمية بين المؤسستين المذكورتين.
بعد ذلك، انطلقت أشغال الورشة العلمية، حيث بيّن المتدخل الأول الدكتور عبد الحي أزرقان أن قراءته تهدف إلى تقديم أهم الأفكار التي يدافع عنها مصطفى حنفي في مؤلفه الحامل لعنوان النزعة الإنسانية وإرث الأنوار. محترما الترتيب ذاته الذي اتبعه الكاتب في تطوير موضوعه، والذي يبدأ فيه بطرح الجانب اللغوي المحض المستند أساسا إلى المعاجم لتحديد أهم المعاني التي أعطيت وتعطى للكلمة /المفهوم الإنسانية.
يأتي بعد التحديد اللغوي المعنى الفلسفي الذي أخذه المفهوم في ما يمكن تسميته بمرحلة النشأة المقرونة على العموم بعصر النهضة؛ إذ يكاد يجمع المؤرخون على أن النهضة تعني إنتاج مجموعة من المفكرين غيروا المرجعية في ممارستهم للنشاط العقلي والإنتاج الفكري، حيث اتخذوا من النصوص الكلاسيكية، اليونانية منها والرومانية، حقل تكوينهم ومصدر إلهامهم في ما يخص المواضيع التي على الإنسان الانشغال بها والمناهج المعتمدة في تطوير تلك المواضيع، آملين من وراء هذا التوجه الإعلاء من قدرات الإنسان على الإبداع في مختلف المجالات المرتبطة بالفكر: الشعر والفن والدين والفلسفة والأخلاق والسياسة...
بعد النهضة، تأتي مرحلة الأنوار التي يعتبرها الكاتب، حسب عبد الحي أزرقان، مرحلة النزعة الإنسانية بامتياز؛ ذلك لأن النزعة هنا ستأخذ معانٍ متعددة. سيتعلق الأمر أولا بالنزعة الإنسانية؛ لأن مفكري المرحلة بمختلف انتماءاتهم الفكرية والجغرافية سيعمقون البعد الإنساني داخل المرجعية التي دشنها النهضويون، حيث يطهرونها من كل ما هو غير إنساني، ليصبح الإنسان هو المنطلق والغاية في التفكير في آن واحد. ولا شك أن الكاتب تجاوز ما يسمى بالفلاسفة المدشنين للحداثة حتى يركز على من يصنفون في عصر الأنوار، لأنه راعى الفرق بين القرن السابع عشر والثامن عشر. لقد التزم مفكرو الفترة الأولى بموضوع الإنسان على المستوى الأنطولوجي، في حين أضاف مفكرو المرحلة الثانية الجانب الأكسيولوجي بمجاليه الأخلاقي والسياسي، حتى تأخذ النزعة الإنسانية معنى أشمل يضم الاهتمام بالإنسان من حيث هو مصدر الإبداع الفكري، ومن حيث كونه في الآن ذاته غاية هذا الإبداع، باعتباره كائنا ذا قيمة ما بعدها قيمة.
وحتى يؤكد الكاتب، والقول دائما لأزرقان، بشكل أقوى على أهمية الأنوار وتقديره لها؛ فإنه ينفتح على الفلسفة ليرصد تسلل فكر أهم ممثل للأنوار، الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانط في أهم النظريات الفكرية الأخلاقية والسياسية. والأكثر من هذا، فإنه يعمد إلى الدفاع عن هذه الفكرة لدى فلاسفة لا يتم الجمع بينهم إلا للتأكيد على اختلافاتهم وخلافاتهم في التنظير للفعل الإنساني، وبالخصوص لما نسميه على العموم بمجال القيم. هكذا نجد الأستاذ مصطفى حنفي يحاول إظهار حضور فكر الأنوار بفضل نزعته الإنسانية لدى بعض ممثلي مدرسة فرانكفورت بأوروبا ولدى أحد كبار الفلاسفة الأمريكيين جون رولس.
لقد اشار أزرقان إلى أن تطوير المؤلف لأهم المبادئ التي قامت عليها النزعة الإنسانية في الفلسفة الغربية بكثير من التفصيل مع نوع من الحماس في الدفاع عن منطلقات وغايات هذا التوجه الفلسفي، كانت من ورائه رغبة المؤلف في المساهمة في تمرير مثل هذا التوجه الفكري داخل اهتمامات المثقف العربي.
أما المتدخل الثاني الدكتور محمد الأندلسي، فقد أكد في بداية كلمته أن مقاربته للكتاب تروم إبراز وتحليل العناصر التالية:
1- إبراز الطابع الراهني لإشكالية الكتاب من خلال تحليل الدعوة التي يقوم عليها، والتي تربط بين "الحاجة إلى الأنوار ومطلب الحاجة إلى النقد"، حيث تتم إماطة اللثام عن التماثل المضمر الذي يبطنه الكتاب بين الوضع الإنساني في سياق أنوار القرن 18، والوضع الإنساني والمجتمعي القائم في حاضر المجتمعات العربية والإسلامية، والذي يعاني من التبعية والوصاية وهيمنة النزعة الوثوقية، ممّا يجعل من مطلب النقد حاجة ماسّة وضرورية.
2- إبراز الكيفية المنهجية والتصورية التي قارب بها الكتاب مفهوم "النزعة الإنسانية"، وذلك من خلال استعراض مختلف السياقات الفكرية والثقافية التي تبلور فيها المفهوم والمعاني التي اكتساها، ابتداء من عصر النهضة، ومرورا بعصر الأنوار، وانتهاء بالفلسفة المعاصرة ونظرية العدالة لدى "جان راولز" على الخصوص.
3- إماطة اللثام وإجلاء الذكاء الفلسفي الذي ينطوي عليه الكتاب بتركيزه على المضمون الأخلاقي والسياسي للنزعة الإنسانية، وتجاهله القصدي لبعده النظري الفلسفي هذا من جهة؛ وتركيزه على الموقف الفلسفي التأصيلي من النزعة الإنسانية وإهماله للموقف المضاد للنزعة الإنسانية من جهة أخرى.
4- إظهار الروح الفلسفية النقدية التي تسري بداخل الكتاب والمرتبطة بقناعة الباحث الراسخة ووعيه الحاد بأنّ درس الأنوار في أوثق صوره مرتبط أساسا بأصول النزعة الإنسانية وبالعقلانية الأخلاقية المعاصرة والتي تجد في نظرية العدالة لدى "راولز" نموذجها الأوضح.