قراءة في كتاب" صورة النبي في الفكر الإسباني المعاصر، تزكية الذات وتجريح الغير" لمحمد بلال الأشمل
فئة: أنشطة سابقة
عرف صالون جدل الثقافي، الكائن بمقر مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" بالرباط، يوم السبت 5 مارس قراءة علمية في كتاب "صورة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الفكر الإسباني المعاصر، تزكية الذات وتجريح الغير ، " لكاتبه الدكتور محمد بلال الأشمل، بمشاركة الدكتور محمد رضى بودشار، والدكتور محمد العمارتي، وبحضور مؤلف الكتاب.
سعى الدكتور محمد رضى بودشار إلى تقديم قراءة في الشق المتعلق بصورة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفكر الإسباني خلال العصر الوسيط، باعتباره مرحلة تأسيسية ومرجعية لتلك الصورة في الفكر الإسباني عامة، والاستشراق الإسباني خاصة، وأكثر من ذلك في التمثلات الثقافية للآخر في "إسبانيا" تجاه المسلمين في سياق الصراع ضد الوجود الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية.
هكذا لاحظ بودشار أن المؤلف، محمد بلال الأشمل، قد تجرَّد من تفاهة لغة التهجم والسب، واستخدم لغة أكاديمية؛ تميزت بكتابة واعية بالموضوع والمنهج، كتابة تتجاوز سذاجة المنهج الوصفي وبساطته، إلى العمل على الحفر في البنية الثقافية الإسبانية وتفكيك أطاريحها، انطلاقا من وضعها في سياقها العام الذي هو "المعرفة الغربية بالإسلام"، من أجل إلحاقه بكل ما يتناقض نظريا مع المسيحية من وثنية وشبقية مادية وعنف، في ظل الحضور الإسلامي في الأندلس مع كل من رمون مارتي ورمون لول، ومواجهة الامتداد العثماني بعد سقوط القسطنطينية مع خوان الطوركيمادي.
على أن هذه الصور النمطية التي ألحقت بالإسلام وبنبيه، عليه السلام، والتي لخصها الدكتور محمد بلال أشمل في تجريح الغير من أجل تزكية الذات، تجد تفسيرها في نظر بود شار في عجز المنظومة القانونية والثقافية المسيحية عن إيجاد وضع للإسلام والمسلمين، والحقد على ذلك التوسع المجالي في حوض المتوسط هذا العالم الذي اقتسمته ثلاثة كوائن ثقافية حسب بروديل : الأرثوذوكسية والإسلام والكاثوليكية، فكان لا بد من إيلاف تفسير لذلك التقدم بـ"النزعات المادية والشبقية للإسلام"، وتوجيه نبيه لأتباعه إلى الغزو والقتل لسبي النساء في الدنيا (وتعدد الزيجات) أو نيل الحور العين في الجنة، إلى جانب التفوق الثقافي والحضاري للإسلام وفي حوض المتوسط، والذي ترتب عنه نشوء ردود فعل قوية أبرزها حركة الاستشهاديين المسيحيين بقرطبة التي اشرأبت إلى إبراز الكينونة المسيحية ضدا على الإسلام، في غياب أي مؤشر يدل على اضطهاد المسيحيين في ظل حكم عبد الرحمان الثاني، بالتوجه إلى النيل من نبي الإسلام وسبه في الأماكن العامة، فكان لابد من التنظير لبدعية/هرطقة هذا النبي، وهو الأمر الذي قام به الراهب أوخيليو، فتشكلت بذلك أولى التصورات الفكرية عن نبي الإسلام. إلا أنه يبدو، من خلال سفريات الرجل، أن هناك خيطا فكريا يربطه بالمؤثرات الفكرية البيزنطية التي نسجها في الشرق الراهب يوحنا الدمشقي، والذي جعل من الإسلام بدعة مسيحية، ورسم جزءا كبيرا من ملامح المسلم التي انتقلت إلى العالم الغربي الأوربي، فتم توظيفها في سياقات خاصة مرتبطة بالحملات الصليبية، وما عرف بـ"حروب الاسترداد" ومحاولة تنصير المسلمين.
لقد عمل الخطاب المسيحي الإسباني في العصر الوسيط على إنتاج خطاب عن الإسلام، من خلال صورة نبيه، لا من خلال صورة إلهه؛ خطاب يقوم على إبراز التناقض والتنافي مع المسيحية، بقصد إبراز انحراف هذا الدين عن الرسالة الإلهية الصحيحة المعبر عنها في المبادئ والسلوكيات المسيحية، وصياغة صورة عن دين جديد، باعتباره لا يتعدى أن يكون مجرد هرطقة، وانحرافا عن المسيحية الدين الحق، واعتماده على اللذات الحسية مكافأة للتوسع، في الدنيا والآخرة، وعلى العنف باعتباره عنصرا أساسيا وفعالا في انتشاره، الشيء الذي شكل مبررا لاستعمال العنف ضد الدين "العنيف".
ومن جهته، قدم الدكتور محمد العمارتي، الباحث أكاديمي في مجال الآداب والدراسات الأندلسية وحوار الأديان والحضارات، قراءة للكتاب المذكور، رامت ملامسة جملة من القضايا التي يعرضها المؤلف في كتابه، حول تصورات الفكر الإسباني المعاصر عن الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتجليات أعمال المفكرين الواردين في الكتاب، وذلك بالوقوف عند تطور هذا الخطاب في بداية العصر المعاصر كمرحلة أولى في هذه القراءة ثم الانتقال إلى مجالات الكتاب ومحتوياته من خلال قراءة متأنية واصفة للقسم المتعلق بالفكر الإسباني المعاصر؛ وذلك ابتداء من الفصل الثاني من الكتاب .
وقد حدد الدكتور العمارتي مجال قراءة للكتاب في الفصول الثلاثة الأخيرة ، ابتداء من الفصل الثاني المعنون ب( بنية الخطاب حول الرسول في الفكر الإسباني المعاصر: رفع الذات ، ووضع الغير ) ، والفصل الثالث : ( صورة الرسول في الخطاب الإسباني المعاصر بين " التعصب " و" الإرهاب " ، والفصل الرابع الموسوم ب ( دلالات الخطاب حول الرسول في الفكر الإسباني المعاصر ) للكشف في سياق ذلك عن مختلف الأبعاد والمواقف والرؤى والتصورات الفكرية والعقدية الدينية التي يحملها هؤلاء المفكرون الإسبان إزاء الرسول صلى الله عليه وسلم من جهة ، وهم على التوالي : دونوسو كورتيس / أنخيل غانيفيت / رامون كامبوامور / منيندث بيلايو / ميغيل آسين بلاثيوس / خوستافو بوينو / أوخينيو ترياس / ثيسار فيدال ، وبالتالي وقف محمد العمارتي عند أهم عناصر الائتلاف والاختلاف في أبنية هذا الفكر ومواقفه إزاء الرسول محمد ( صلعم) ، مع السعي إلى الإلمام بمنهجية تفكيك هذا الخطاب عند مؤلف الكتاب ، لمعرفة هل توصل إلى بناء معرفة بهذا الخطاب وآليات اشتغاله أم كان ينهج مقاربة تاريخية تستعرض الخطاب في مراحل تطوره فقط . ولهذا حاول العمارتي المزاوجة في هذه القراءة بين الوصف والتحليل للقضايا المعروضة في الكتاب ، مما فسح له المجال لتقديم في النهاية ملاحظات جزئية وعامة متصلة بعموم الاستشراق الإسباني المعاصر ومواقفه إزاء الدين الإسلامي عموما والرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم) على وجه الخصوص.