لقاء حواري حول كتاب: "أنوار الشرق، حقوق المرأة العربيّة على هامش الأنوار الأوروبية" لمنّوبيّة بن غذاهم
فئة: أنشطة سابقة
احتضن مقر مؤسسة مؤمنون بلاحدود للدّراسات والأبحاث وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، يوم السّبت 23 مارس الجاري، اللّقاء الحواري حول كتاب: "أنوار الشرق، حقوق المرأة العربيّة على هامش الأنوار الأوروبية" (Les Lumières d’orient, Les droits des femmes arabes à l’ombre des Lumières) للأستاذة منّوبيّة بن غذاهم، بحضورها، مع قراءة في الكتاب قدّمتها الأستاذة هاجر خنفير، وأدار اللّقاء الأستاذ فيصل شلّوف.
وقد قسمت الأستاذة هاجر خنفير محاور اهتمامها بهذا الكتاب إلى ثلاثة محاور؛ طرحت في المحور الأول مسائل متعلّقة بمنهج الكتاب وتناول مسألة الأنوار، في حين اهتمّت في المحور الثّاني بالأنوار الأوروبيّة وأثرها في أنوار الشّرق، وبحثت في المحور الثّالث من قراءتها للكتاب في الآفاق التي بشّرت بها "أنوار الشّرق" في إطار فكر النّهضة العربيّة.
وبدأت قراءتها بالإشارة إلى ما تحمله عتبات الكتاب من مضمون، فحلّلت العنوان وعلاقته بعصر النّهضة والفكر الإصلاحي عموماً، وأثره في الوقت الرّاهن، وتساءلت من وراء تركيبه حول إمكانيّات القول بوجود تنوير عربي بمعنى الخروج عن حالة القصور الحضاري، كما استقرأت في العنوان دلالة ما يحمله نموذج التّنوير الغربي من وصاية فكريّة وثقافيّة، وأشارت إلى ما يفيد به هذا الكتاب في سياق حقوق المرأة في ظل الارتداد والنّكوص المستمر، ومحاولة العودة بالمجتمعات العربيّة إلى ما قبل الأنوار الغربيّة وما قبل عصر النّهضة العربيّة، وتساءلت المتدخّلة حول دوافع اعتماد الكاتبة للفظ حقوق النّساء عوضاً عن لفظ حقوق المرأة، واعتبرت أن ذلك يظهر محكوما بخلفية نسويّة للباحثة، وأنّه يحمل موقفاً ضدّ بنية النّظام الاجتماعي الثّنائي، وبيّنت أنّ من بين الدّوافع أيضاً تبنّي الكاتبة للدّعوة إلى إعادة كتابة تاريخ النّساء، وذلك بدراسة إحدى الفترات الانتقاليّة في تاريخ المجتمعات العربيّة، والكشف عمّا يخفيه التّاريخ الرّسمي حول النّساء. وتساءلت عن الدّافع وراء التّبسيط المعرفي في الكتاب، ورأت أنّه بذلك يحمل هدفا تعليميّا بما أنّه يسعى إلى تنشيط ذاكرة الأجيال النّاشئة، وفسّرت انطلاقا من ذلك الاقتصار على تجربتي تونس ومصر فحسب، ومحاولة تكثيف فترة التّنوير تاريخيّاً وتحديد موقع حقوق النّساء مشرقاً ومغرباً، كما فسّرت بذلك معيار اعتماد بنية ثلاثيّة بما يستتبعها من نماذج بعينها.
وأشارت لاحقاً إلى ما تحمله مقدّمات الكتاب من إطلالة على أفكار الأنوار والمحمول الفكري الذي سبقها ورافقها، لتبرز فكر التّمييز ضدّ المرأة حتى في فكر التّنوير الغربي، وكيف دافع فلاسفة الأنوار عن المساواة، باعتبارها حقّاً بشريّاً دون إجراء المفهوم على تمثّلهم السّائد للمرأة، ممّا جعل أفكارهم حول المرأة تعاني دائماً من الدّونيّة في مقابل مرتبة الشّرف التي يحظى بها الرّجل. واعتبرت أنّ الأفكار التي دافعت عن المرأة في خضمّ هذا التّوجّه التّنويري العام مثّلت استثناءات، ولكنّها واجهت التّهميش ولم تلق التّقبّل. وتساءلت حول تمسّك أعلام التّنوير الأوروبي بمسألة التّمييز الجنسي والحال أنّهم هم من ابتكروا لفظ "التنوير" المتّصل بالعقل ومنه يكون الإيمان بحقوق الإنسان، وفسّرت ذلك بأنّ تمثّلهم لحقوق الإنسان قائم على تصوّر أنّها حقوق الرّجل، وردّته إلى ازدواجيّة المثقّف. وطرحت من ثمّ ما يوفّره فكر الأنوار من مجال لانطلاق أنوار الشّرق منذ حملة بونابرت على مصر. وأشارت إلى أنّ المصلحين المسلمين الذين حملوا ألوية أنوار الشّرق تأثّروا بالأنوار الأوروبيّة، وكانت ردّة فعلهم تجاهها قائمة على الإعجاب بعلامات القوة الماديّة والخوف من خرق النموذج السلفي؛ ممّا أنتج نوعاً من الميل إلى التّوفيق بين أفكار التّنوير وما توافق عليه الشّريعة الإسلاميّة، وخلصت إلى اعتبار أن ذلك ما عمّق سلطة المثقف الرجل في مقابل تغييب صورة المرأة المثقفة، والّسكوت عن المحاولات النّسويّة في اتّجاه الوعي بحقوقهنّ.
وعقّبت الأستاذة منوبية على ما تقدّم، وأشارت إلى الدّوافع التي جعلتها تقدم على تأليف كتاب حول حقوق المرأة العربيّة من خلال فكر النهضة، معتبرة أنّ الظّرفيّة الرّاهنة منذ سنة 2011، وما شهدته من تكثّف للأسئلة حول الذّات والآخر والتّراث والحاضر في المجالين السّياسي والحقوقي، وأساساً ما أثارته من أسئلة حول حقوق المرأة، شكّل حافزاً على التّفكير في تنشيط الذّاكرة، واعتبرت أنّ التّوقّف عند حقوق المرأة في الوقت الرّاهن، وإعادة الأسئلة القديمة التي تجاوزتها المنظومة القانونيّة الحديثة، يعود إلى تعقّد البنية الذّهنيّة للنّاس في علاقتهم بمسائل الحدود والدّين والمقدّس والواقع، الأمر الذي يدفع جانباً من النّساء إلى الوقوف في وجه حقوق النّساء، متسائلة كيف يقبل إنسان بالعودة إلى العبوديّة بعد أن اكتشف النّور، وعرّجت بن غذاهم على المفارقة التي تضمّنها فكر الإصلاح، الذي سعى إلى تحقيق تطوّر في الأفكار السياسية والتنظيمات الحديثة، وأغفل في المقابل كل ما يهم وضعيّة المرأة، وفسّرت ذلك بأنّ النّساء لم يكن لهنّ صوت يسمع. وأشارت إلى ما أحدثته حملة بونابارت من تحريك للبنى الذهنيّة بخصوص المرأة. وأشارت الأستاذة منوبيّة في تعقيبها إلى اهتمام الكتاب ببعض النماذج النسويّة ممن طالبن بحقوقهنّ وكان لهن وعي بذلك، وحاولن أن يظهرن مواقفهن في ظل هيمنة السلطة الذكوريّة على المجتمعات العربيّة. وأشارت إلى أنها اعتمدت نصوصا مكتوبة للتذكير بمكتسبات موجودة، وأن تلك النصوص ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع الاجتماعي وتحاول أن تعبّر عن قضاياه وإشكالياته. وعرجت على المفارقة الكبرى في فكر رموز الإصلاح بين تطوّر وعيهم السّياسي والتّنظيمي في مقابل ضعف ذلك الوعي في تمثّل حقوق المرأة والاعتراف لها بمكانة اجتماعية توفّر لها التمتّع بأبسط الحقوق التي يتمتّع بها الرّجل.