محاضرة: "التعدّدية الثقافية " للدكتور عبد الله إبراهيم
فئة: أنشطة سابقة
نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود محاضرة علمية حول موضوع:" التعدّدية الثقافية " ألقاها الدكتور عبدالله إبراهيم من العراق؛ بصالون جدل بالرباط بتاريخ 14 أكتوبر 2017 ، وقد تضمنت المحاضرة النقاط التالية:
تعريف التعددية الثقافية:
التعددية الثقافية فلسفة سياسية أو اجتماعية تعمل على تطوير التنوع الثقافي في مجتمعات تنتمي إلى خلفيات عرقية أو دينية أو ثقافية متعددة، وغايتها تطوير التفاهم المشترك بين المكونات الاجتماعية بما يحقق المساوة فيما بينها في الحقوق والواجبات. وتسعى التعددية الثقافية إلى تنظيم أحوال الجماعات متنوعة الثقافات، ومنحها شعورًا بالقيمة، والمكانة، والتقدير، وقدّمت سياسات التعددية الثقافية نفسها، باعتبارها بديلا لنظرية (البوتقة التقليدية) للصهر، تلك النظرية القائمة على مفهوم الاستيعاب الكامل لمجموع مكونات المجتمع في إطار ثقافي أو عرقي واحد، حيث يجري التشديد على اندماج كل الجماعات في أمة واحدة.
بعض ركائز تحقيق التعددية الثقافية:
1. التأكيد الدستوري على التعددية الثقافية والحقوق المدنية.
- تبنّي التعددية في التعليم، والإعلام، والتشريع القانوني، والعمل الوظيفي.
3 . تمثيل الأقليات العرقية والدينية في إطار وظائف وسائل الإعلام العامة.
4. مراعاة أعراف الأقليات، واحترام التقاليد الخاصة بها.
5. اتخاذ إجراءات قانونية إيجابية لمصلحة الجماعات الصغيرة، أو الجماعات المحرومة، مثل صياغة قوانين رادعة للنزعات العنصرية دينية كانت أو عرقية، وسنّ قوانين تحقيق المساواة في الأدوار الاجتماعية، والوظائف الرسمية.
بعض فوائد التعددية الثقافية:
1. التعرّف على ثقافات المجتمع بكاملها، كالعادات، والتقاليد، والقيم.
- الاعتراف بشرعيّة الثقافات الأخرى في المجتمع، وبأنها مركّب مهم وجزء لا يتجزأ من المجتمع نفسه.
- تحقيق المساواة بين الثقافات المختلفة في المجتمع، فلا يوجد مركز وهامش في المجتمع.
- إعطاء فرصة لتحقّق الحريات العامة، وتأسيس قاعدة متينة للمساواة بين الثقافات المختلفة في المجتمع، مثل سن القوانين وإصدار التشريعات.
محاذير العددية الثقافية:
1. يمكن أن يؤدّي الأخذ بالتعددية إلى تفكيك المجتمع، وتخريب النسيج الاجتماعي العام، لأن لكل ثقافة عاداتها، وتقاليدها، ونمط حياتها.
2. يمكن أن يؤدي الأخذ بالتعددية إلى حال من عدم الاستقرار، والفوضى الاجتماعية،
3. يمكن أن يؤدي الأخذ بالتعددية الثقافية إلى اندثار فكرة "المجتمع" وظهور فكرة" "الجماعات"؛ فالمجتمع هو نتاج صهر للجماعات يراعى فيه الخصوصيات الثقافية مع التركيز على المشترك الثقافي الأكبر الذي يحقق مبدأ "الهوية". أما فكرة" الجماعات"، فهي تشكيل غامض من جماعات غير منسجمة، لها تطلعات مختلفة أو ربما متعارضة، وهذا التشكيل لا يقوم على قاعدة الانتماء، وإنما على قاعدة المصالح.
4. قد يؤدي الأخذ بالتعددية الثقافية إلى بذر صراعات مسلحة بين الجماعات حول الحقوق، والسلطات، والثروات، والغالب أن تنتهي تلك الصراعات بحرب أهلية، مما يؤدي إلى تفكك الدول، والانقسام المجتمعي إلى جماعات تطالب كل منها بدولة خاصة بها.
نماذج لتطبيق سياسات التعدّدية الثقافية في العالم:
1. النماذج الناجحة: الهند، كندا
2, النماذج الفاشلة: العراق، دول البلقان
خاتمة وتركيب:
أفرز التنوع الثقافي في العصر الحديث حالا من التعدّد على الأصعدة الاجتماعية، والثقافية، والدينية، وأفرز معه أيضا أيديولوجيات مغلقة أو شبه مغلقة لا تؤمن بالتنوع، ولا تقرّ بالتعدد، وإنما تؤمن بنوع عنيف من الصهر بين المكونات الاجتماعية، وأدى ذلك إلى شعور كثير من الجماعات بالغبن، والحرمان، وعدم المساواة في الحقوق، ولهذا فسياسات التعدّدية الثقافية تحل جانبا كبيرا من هذه المشكلة، إذا ما أُحسنت إدارتها، حيث تمتص الاحتقانات الاجتماعية والدينية والمذهبية والقبلية، فيشعر الجميع أنهم في حماية من الاستبعاد أو الاستعباد، وفي هذه الحال، ينبغي تصميم نموذج مرن من التعددية الكافلة للحقوق دونما تفريط بحق على حساب آخر.
وبالإجمال، ما من مجتمع إلا وبحاجة إلى تعددية ثقافية تراعي حاجة الجماعات وحقوقها، ولكن الأخذ بالتعددية في مجتمعات لم تتمرّس بالشراكة، والمسؤولية، وتفتقر للهوية الجامعة، وفيها درجة مروعة من الاستئثار والتهميش، سوف يؤدّي إلى مخاطر حقيقية، ليس أهونها الانقسام المجتمعي، والنزاعات المسلحة، فمن الضروري الأخذ بمبدأ التعددية الثقافية بوعي وتدرج بما لايفضي إلى الصدام، وإنما الشراكة بين مكونات المجتمع.