محاضرة د. حاتم عبيد بعنوان: "مدخل إلى تحليل الخطاب"
فئة: أنشطة سابقة
انتظم بمقرّ مؤسسة مؤمنون بلا حدود وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، يوم الخميس 25 أبريل، لقاء فكري تضمّن محاضرة قدّمها الأستاذ حاتم عبيد بعنوان: "مدخل إلى تحليل الخطاب"، وأدار اللّقاء الأستاذ نادر الحمّامي.
واهتمّت المحاضرة بمسألة تحليل الخطاب، باعتبارها تخصّصا قائم الذّات نظريّا، وثمرة ما شهدته دراسات الخطاب من تراكم، عبّر عنه حاتم عبيد بالقول إنّه "أفضى إلى درجة عالية من النّضج" عرف معها مصطلح الخطاب طريقه من حيث الاستعمال إلى مجالات كثيرة، وتحوّلت بالتّالي مقاربة تحليل الخطاب إلى مقاربة منتجة تحظى باحترام الدّارسين في تخصّصات متنوّعة؛ ما جعل تحليل الخطاب يمثّل بوتقة تجتمع في إطارها جلّ المباحث المدروسة في شتّى المجالات والتّخصّصات المنتجة للمعرفة، وأرجع عبيد ذلك إلى طبيعة الخطاب ذاته القائمة على التّعدّد. وقد عرّف تحليل الخطاب من هذا المنطلق، باعتباره منهجاً في دراسة اللّغة وتحليلها، يستقلّ بذاته عن مناهج أخرى تناولت اللّغة، ومن بينها الدّرس النّحوي والدّرس الفلسفي وغيرهما.
وفي عرضه لأمثلة عن ذلك التعدّد، أشار المحاضر إلى أنّ مقاربات تحليل الخطاب قد تتدخّل في بعض المجالات دون إدراك أصحابها لمبادئ تحليل الخطاب، ومن بينها مجال الدّراسات الدّينية، قائلاً: "إنّنا لا نجد في مجال الدّراسات الدّينيّة ما يوظّف أصحابها مقاربات تحليل الخطاب توظيف العارف بها والمتمكّن من تقنياتها"، وبيّن أنّ ما يغلب عليها - على ما حقّقته من أشواط متقدّمة – هو الميل إلى ما هو نظري وتاريخي، فثمّة تماسّ كبير بين الدّراسات الدّينية والسّرد التّاريخي، اعتبر حاتم عبيد أنّه لا ينفع ولا يضيف شيئاً على الموجود، وإنّما يفضي إلى التّكرار ومحاولة تبرير بعض الأفكار السّائدة ودحض بعضها الآخر، من منطلق ما تثيره النّصوص من أسئلة وما تحييه من هواجس، وأكّد في المقابل على ضرورة أن تفضي تلك الأسئلة إلى مقاربات أخرى جديدة، قد تنتهي إلى نتائج مختلفة.
وفي هذا السّياق، اعتبر حاتم عبيد أنّ الحديث عن مقاربة واحدة متّفق عليها بين أهل الاختصاص في دراسات تحليل الخطاب أمر غير ممكن، وأكّد على وجود عشرات المقاربات المختلفة، ذات الأبعاد والمنطلقات الخاصّة بها، وأنّها تشترك في جملة من المبادئ العامّة؛ وعرض من بينها المقاربة اللّسانيّة، باعتبارها تعيد اكتشاف الكلّيات التي تشترك فيها اللّغات الطّبيعيّة على اختلافها، وركّز تحليله لهذه المقاربة على البعد التّطوّري الماثل في تغيّر الأسئلة المطروحة وتنوّع الاهتمامات الحادثة، ما يجعل دراسة الاستعمالات اللّغويّة تتّجه إلى محاولة فهم المجتمع والبحث عن بعض الحلول للمشاكل التي تواجهه؛ قائلاً إنّ ذلك يضعنا أمام صنف جديد من الدّرس اللّغوي، كأنّه يحقق الدّعوة إلى تحويل الدّرس اللّساني إلى "لسانيّات هادفة". وبيّن عبيد من ثمّ أنّ وظيفة اللّغة تتجاوز حدود الوصف والإخبار إلى محاولة الفعل وإيقاع الأعمال، وأنّ اللّغة يمكن أن تنشئ العالم وتبني الوقائع وتصنع الحقائق.
واستناداً إلى ذلك، ميّز حاتم عبيد في دراسات الخطاب بين نوعين؛ نوع أوّل يميل أصحابه إلى المعالجة النّصيّة المبنيّة على التّماسك والانسجام، من منطلق المحافظة على عناصر الخطاب المنجزة والاكتفاء بفهمها وتبريرها، ونوع ثانٍ يميل أصحابه إلى المعالجة الاجتماعيّة للنّصوص، من منطلق اعتبار الدّور الوظيفي الذي يقوم به الخطاب في البناء الاجتماعي للواقع، والنّظر إلى النّصوص، باعتبارها وحدات اجتماعيّة مضمّنة في الخطاب. وحلّل من ثمّ كِلا النّوعين مبيّناً أنّ الخطاب يشكّل العالم والعالم يشكّل الخطاب، وأنّ تفصيل النّظر في ذلك ينتهي إلى اعتبار أنّ الطّرق التي نعتمدها في إنشاء أقوالنا تنهض بدور كبير في بناء تصوّراتنا حول العالم المحيط بنا، وحول الأفراد القريبين منّا والبعيدين عنّا، وحول أنفسنا.