محاضرة عزيز العظمة، انطلاقا من كتابه (The Emergence of Islam in Late Antiquity: Allah and His People)
فئة: أنشطة سابقة
احتضن مقر مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعية الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، يوم السبت 13 أبريل، المحاضرة التي قدّمها الأستاذ عزيز العظمة، انطلاقا من كتابه (The Emergence of Islam in Late Antiquity: Allah and His People)، وأدار اللّقاء الأستاذ نادر الحمامي.
وافتتح العظمة محاضرته بالإشارة إلى ضرورة إعمال العقل التّاريخي في دراسة مسألة نشوء الأديان، وتحديداً نشوء الدّين الإسلامي معتبراً أنّ كلّ عمل تاريخي يجب أن يقوم بمحاولة أوّليّة للتّحقيب، "حتّى لا يُصار إلى افتراض استمراريّات لا وجود لها"، واقترح عبارة (paleo islam) "أوائل الإسلام" مبّيناً أنّ الغرض من هذا المفهوم هو النّظر إلى فترة من التّاريخ دون اعتبار عمليّة القولبة اللاّحقة عنها، ما يستوجب النّظر إلى القرآن أوّلاً؛ أي بمعانيه التي كانت ممكنة في لحظة تاريخيّة معيّنة، دون التّفاسير والتّأويلات اللاّحقة عنه.
وقد ضمّن المحاضرة جملة مقاصد أساسيّة، عبّر عنها تباعاً بمنطق الضّرورات الملحّة؛ وهي:
- أوّلاً: وجوب تغليب الحساسيّة الأنثروبولوجيّة على الحساسيّة العقيديّة؛ أي النّظر إلى نشوء الدّين الإسلامي، باعتباره عمليّة اجتماعيّة قبل اعتباره عقيدة معيّنة.
- ثانياً: وجوب عدم الافتراض أنّ الإسلام كان سيبقى لولا نشوء الإمبراطوريّة الأمويّة، وقد رجّح أنّه كان سينكفئ على الجزيرة العربيّة ولن يخرج منها.
- ثالثاً: وجوب عدم تنزيه النّبي محمّد، وقد قال في بيان ذلك: "كان النّبي محمّد إنساناً بشراً كالغير، وبالتّالي فقد أخطأ وتطوّر وتحوّل في حياته وفي آرائه الدّينية".
- رابعاً: وجوب الإحجام عن قبول الرّواية التوحيديّة لنشوء الأديان وتطوّرها، وقد أشار إلى أنّ الرّواية التّوحيدية تقوم على عنصرين أساسيّين: أوّلاً أنّ التّوحيد هو الدّين الأصلي للبشريّة، وثانياً أنّ كلّ توحيد هو بمثابة التّطوّر الطّبيعي الذي ليس بحاجة إلى تفسير. واعتبر انطلاقاً من ذلك أنّ "نشوء الله التّوحيدي للإسلام" بحاجة إلى تفسير، وأنّه لم يكن من باب التّطوّر الطّبيعي للأديان.
واهتم عزيز العظمة بعرض بعض الجوانب التّاريخية المتعلّقة بالإمبراطوريّة الأمويّة، وكيف قامت "بتوحيد الدّنيا" والاستئناس بالنّظم الامبرياليّة السّابقة عنها، وحقّقت استقلالاً نقديّاً، وصنعت مساحة تجاريّة ممتدّة جغرافيّاً، واستعرض بعض المسكوكات والنّقوش والجداريّات والخرائط، التي تعود إلى الحقبة الأمويّة، خاصّة مع عهد عبد الملك بن مروان، ليخلص إلى القول بأهمّية الأسس المادّية لتطوّر الامبراطوريات العالميّة حضاريّاً وثقافيّاً ودينيّاً.
وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عمّا تزخر به الخارطة الجغرافيّة لمنطقة الجزيرة العربيّة والتّخوم المحيطة بها من دلائل أركيولوجيّة يمكن الاستفادة منها في إعادة تشكيل الحقب التّاريخيّة، وبالتّالي إعادة إنتاج التّاريخ الإسلامي بناءً على توظيف الاكتشافات الأثريّة الجديدة، وإعادة إنتاج السّياقات التّاريخيّة.
كما أشار إلى أهمّية العناية بالجوانب الأنثروبولوجيّة المساعدة على تمثّل الحياة والعلاقات البشريّة والثقافية في تلك الحقب التّاريخية المتباينة، والبحث في أشكال الكتابة والرّموز وأشكال اللّباس، وبيّن انطلاقاً من ذلك استقلال اللّغة العربيّة بأبجديّتها بعد أن كانت سابقاً تكتب بأبجديّات مختلفة، ومنها اليونانيّة، وأشار إلى أنّ ذلك كان بداية من القرن السّادس الميلادي، وفق ما تثبته النّقوش المكتشفة في الجزيرة العربيّة، وقال إنّ الأحرف العربيّة نتجت عن الكتابة النّبطيّة، وأكّد على أنّ الوعي الذّاتي باللّغة يعدّ عاملاً أساسيّاً في تكوّن الجماعات الواعية لنفسها، باعتبارها فواعل تاريخيّة.