ندوة " الفكر الديني وسؤال الإصلاح"
فئة: أنشطة سابقة
محمد الحداد: الإصلاح الديني يفرض العودة إلى القرن التاسع عشر
طالب الدكتور محمد الحداد بحتمية فتح ورش "الإصلاح الديني" في الفكر العربي المعاصر، وأكد على حتمية العودة إلى القرن التاسع عشر، وإعادة قراءة الفكر الشائع حينها للتصدي لشروط "الإصلاح الديني"، كما انتقد الطريقة المفروضة علينا في تناول فكر تلك الحقبة، لأنها قراءة إقصائية تفصله بين تيارين تيار إسلامي "أصيل"، وآخر علماني "دخيل" وتنتصر للأول على حساب الثاني.
وأوضح المفكر التونسي، في محاضرة جاءت تحت عنوان: "الفكر الديني وسؤال الإصلاح" ألقاها في "صالون جدل الثقافي" بمقر مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بالرباط يوم السبت 6 ديسمبر (كانون الأول) 2014، أن مفهومه "للإصلاح الديني" يعني العودة إلى الأصل لإعادة صياغته مسجلاً اختلافه مع مفهوم الإصلاح عند الأصولية الإسلامية التي تقصره على العودة إلى الأصل والثبات فيه.
في الحاجة إلى فكر ديني
وتطرق الحداد في سياق الدفاع عن أطروحته إلى تفكيك منظومة الفكر الإسلامي إلى ثلاثة أركان هي: علم الكلام والفقه ثم التفسير؛ معتبراً أن العصر الحديث شهد سقوط الركن الأول؛ أي علم الكلام أو "اللاهوت" ولم يبق سوى الفقه والتفسير، وأوضح أن سقوط علم الكلام ارتبط بسقوط الأشعرية التي لم تعوض بلاهوت جديد، وهو ما يخالف التجربة المسيحية، حيث استطاعت بفعل اجتهادات معتنقيها بعث لاهوت بديل حداثي.
فسؤال الإصلاح، يضيف الحداد، بقي وسيبقى "مهمشا" ما دمنا نفتقد لفكر ديني، إذ لا يوجد اليوم من يعتمد المرجعية الأشعرية كما لا يوجد من يدعي القول بوجود مرجعية بديلة، وتوقف هنا عند دعوة المفكر اللبناني رضوان السيد حول رد الاعتبار للمؤسسة التقليدية وبعث الأشعرية مرجحاً أن تكون صادرة في سياق ملابسات الصراع السني الشيعي.
وبالعودة إلى القرن التاسع عشر، الذي اعتبره منطلق مرجعي لكل عملية إصلاح داخل الثقافة الإسلامية، شدّد المحاضر على أهمية الفكر الإصلاحي لكل من محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، فهما، رغم انتمائهما للمرجعية الأشعرية مارسا نقداً لها من الداخل، مستشهداً بنص لمحمد عبده، تبدو فيه ملامح أفكار جمال الدين الأفغاني واضحة، يعالج فيه مفهوم "الفرقة الناجية" بأفق نقدي لا يحصرها في حدود أتباع الأشاعرة كما كانت تفعل الكتابات الأشعرية التقليدية، كما استعرض نقطة أخرى توحي بالحس التجديدي لهؤلاء، حين أشار محمد عبده، خلال مناظرته المعروفة مع فرح أنطون، إلى مسالة الفصل بين الدين والدولة بقوله: "أن المسلم يجب أن يجد مستنداً للفصل في تراثه"، حتى يعطي الشرعية الدينية للتميز بين الدين والدولة في مقابل مقولة: "اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" المسيحية، مما يوضح أن سؤال الإصلاح شكل هاجسا لدى محمد عبده وأبناء جيله، غير أن هذا التفكير التنويري قد تعرض للقطيعة بسبب انشغالات هؤلاء الرواد بالسياسة.
تحدي الإيديولوجيا
واعتبر المحاضر "الأدلجة"، التي انبثقت مع جماعة الإخوان المسلمين، سبباً في تغييب هذا النقاش وطريقة طرح علاقة الدين بالدولة، كما أن التيار الإخواني اختزل الحركة الإصلاحية للقرن التاسع عشر في حركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومن صار على نهجهما مقابل إقصاء الحركة العلمانية التي يمثلها الطرف الآخر؛ بل جعل من الأوائل آباءه المؤسسين، رغم اختلافه عنهم، إذ كانوا يسعون إلى إطلاق حركة إصلاحية في الاسلام مماثلة لحركة مارثن لوثر في المسيحية، وكانوا على قناعة بأن الوضع الإسلامي يحتاج فضلا عن الإصلاح الديني إلى إصلاح سياسي كما حدث في الغرب مع الثورة الفرنسية.
انتقد صاحب "ديانة الضمير الفردي"، القراءات الإيديولوجية لفكر محمد عبده من جانب رموز فكرية محسوبة على التيار الإسلامي ممثلاً بمحمد عمارة.
كما انتقد صاحب "ديانة الضمير الفردي"، القراءات الإيديولوجية لفكر محمد عبده من جانب رموز فكرية محسوبة على التيار الإسلامي ممثلاً بمحمد عمارة الذي كان يجد في محمد عبده مفكراً ماركسياً فصار، بعد طلاقه للماركسية واعتناقه للمرجعية الاسلامية، يقرأ فيه ملامح المفكر الإسلامي.
حول الحلقات المفقودة
وتطرق الحداد إلى ما سماه بـ"الحلقات المفقودة" في الفكر العربي المعاصر كغياب الربط، عند دراسة مفكرينا، بين الجدل الداخلي لفكرهم والإطار التاريخي لواقعهم، ثم النظر إلى الغرب نظرة أحادية تجعله مناصراً بشكل كلي للفصل بين الدين والدولة، وهذا غير صحيح حسب المحاضر، كما انتقد الاعتقادات السائدة لدينا بأننا وحدنا نفكر في الدين في حين أن الغربيين طرحوا العديد من المسائل التي نطرحها نحن اليوم، مثل ميشيل فوكو وبول ريكور الذي يعد مفكراً دينياً فضلاً عن كونه فيلسوفاً.
وفي هذا السياق، تحدث المفكر التونسي عن إصلاح ديني كوني، باعتباره ضرورة من أجل "الأفق الإصلاحي المشترك"، لأن الديانات الإبراهيمية الثلاث كانت تطرح في العصر الوسيط نفس الأسئلة، مثل الجبر والتخيير عند الإنسان ومسألة التوحيد والعلاقة بين الايمان والعمل، كما أنها ارتكزت على الفلسفة اللاتينية في استلهام آليات تأسيس لاهوتها، لافتاً إلى أهمية النظر في وحدة المستقبل بين هذه الأديان أيضاً، لأنها تواجه نفس المشكل الذي هو مشكل الحداثة؛ فمسألة الإصلاح، يضيف المحاضر، لم تعد تقتصر على حركة لوثر، بل تعاين إصلاحاً كاثوليكياً، مقابل إصلاح يهودي وإصلاح بوذي.. لأن الإصلاح حتمية تفرضها نشأت عصر جديد.
كما تحدث الحداد عن ضرورة "إعادة كتابة تاريخ الأديان"، لأن القراءة المتداولة حاليا إقصائية تجعل من كل واحد يعتقد أن دينه هو الصحيح والأفضل، وأن غيره على خطأ، مشيراً إلى أن الأديان شكلت أثناء ظهورها لحظة إصلاح للوضع الديني الموجود حينها وأنها لم تنشأ من أجل العنف ومحاربة الآخر، مضيفاً أن الأديان التي أدانها الإسلام، سواء المسيحية أو اليهودية، ليست هي نفسها اليوم بل تطورت وتغيرت، لولا أننا في العالم الإسلامي، يقول الحداد، لازلنا ندرس تاريخ الأديان من خلال كتاب الملل والنحل للشهرستاني.
في "الحداثة النقدية" وخطر "الفهلوة"
وفي الأخير أشاد المحاضر بما سماه "الحداثة النقدية"، إذ هناك حداثة إقصائية نخبوية تقوم على الإيديولوجيات وهناك الحداثة النقدية التي تخوض معركة "الإصلاح الديني" بنفس نقدي مستمر لا ينقطع ولا يتوقف عند نقطة معينة، خلافاً للحداثة التقليديّة "التي انطلقت من نظريات الأدوار التاريخية واعتبار أن دور الدين انقضى، من خلال المراحل الثلاثة لأوغست كونت: اللاهوت/ الميتافيزيقيا/ العلم.
غير أنه أبدى تخوفه من عدم القدرة على تجاوز الإكراهات الجديدة بعد التخلص من زمن الإيديولوجيات، حيث إن زمن العولمة طرح مشكل "الفهلوة"، وهو مصطلح استعاره من الدكتور مصطفى حجازي في كتابه "سيكولوجية الإنسان المقهور"، لأننا في وضع الإنسان المقهور الذي لا ينتج إلا الحلول السريعة التي لا تسمح بعقلنة الأمور، فتحول الفكر "إلى مجرّد بضاعة استهلاكية تستمد قيمتها من القدرة على تلبية الحاجيات الآنية"، وهذا هو التحدي العسير الذي بدأ مع هذه السنوات الأخيرة، يقول المفكر التونسي في ختام مداخلته.