مسامرة حول كتاب "طريقي إلى الحريّة" لحمّادي صمّود
فئة: أنشطة سابقة
احتضن مقر مؤمنون بلا حدود وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، الأربعاء 14 يونيو الجاري، مسامرة رمضانيّة احتفاءً بكتاب ''طريقي إلى الحرية'' لحمّادي صمود، شارك في تأثيثها كل من جليلة طريطر أستاذة الأدب بالجامعة التونسية، ومحمد صلاح الدين الشريف أستاذ اللغة، ووحيد السعفي أستاذ الحضارة، بحضور المؤلّف وجانب ثلة من كبار الجامعيين التونسيين والمثقفين، وأدار اللقاء الأستاذ نادر الحمّامي.
أشارت الأستاذة جليلة طريطر في كلمتها، إلى أن هذا الكتاب يمثل في مسيرة الأستاذ صمود نقلة نوعية من مجال النقد الأدبي والأكاديمي إلى مجال ذاتي وإبداعي، يختزن أصداء مهمة من الحضور التاريخي والمعايشة لأحداث قريبة وبعيدة على اختلافها، وقالت إن هذا المؤلّف يثير التفاعل من الداخل؛ أي إنه يتموقع في حيز المشترك ويواكب جيلا بكامله بوضعياته الاجتماعية والأسرية والتعليمية والحياتية... وأشارت إلى مسألة تجنيس هذا النص بناءً على ما رأته من ضرورة تبويبه وفق آليات القراءة النقدية السيرذاتية بما احتوته من منظومات فكرية ومنهجيات في التعامل مع طبيعة تلك النصوص، وقالت إن ذلك يتنزّل في البحث عن آليات القراءة التي يتطلّبها ''طريقي إلى الحرية''، خاصة وأن الأستاذ صمود لم يجزم في نسبة ما كتب إلى جنس إبداعي بعينه، وإنما تعمّد ترك الباب مفتوحا لإمكانيات انتساب النص إلى اتجاهات أجناسية غير محدّدة، ومنها السيرة الذاتية والمذكّرات والشهادة... وانتقلت من ذلك إلى الحديث عما يفتحه النص من أبواب على كشف الجانب الحميمي من حياة الإنسان، وما يؤثّثه من علاقات جزئية وخاصة، بما لها من تأثيرات نفسية وسلوكية تساهم بأشكال مختلفة في رسم مسارات الذات وتحوّلاتها في المجتمع، وصولا إلى بناء معالم التجربة الشخصية المتميزة.
ورأى الأستاذ محمد صلاح الدين الشريف، أن الكتاب قريب منه قرب صاحبه، وقال إنه يختزن الكثير من النوادر والذكريات الشيّقة والممتعة، والتي رسمت معالم حياة تختلف كثيرا عن المعتاد من صور الحياة في المدينة، وقال إنه عايش هذا النص منذ مراحله الأولى، منذ كان فكرة، وهو لذلك متعلّق به، وقال إن الكتاب يختزن الكثير من شخصية حمادي والكثير أيضا من نفسه هو، وأنه يعبّر عنه كما يعبّر عن صاحبه، بالنظر إلى التشابه الكبير بين تجربة كليهما، وأنهما قد عاشا ذات مسالك الحياة، واعتبر بناءً على ذلك أن النظرة التي يقدّمها هو عن النص تخالف النظرة التي يمكن أن يقدّمها أي قارئ آخر، ولذلك قال إن قضية الانتماء الأجناسي لنص حمادي صمود لا تهمّه أبدا، كما لا تهم حمّادي في رأيه، لأن النص الإبداعي لا يخضع للتنميط بطبيعته، وإنما مهمّة تنميطه تعود إلى الباحثين والمهتمين بالنقد والنظريات النصّية أو البلاغية، وعن الجانب المضموني، تساءل الشريف عن أبعاد مسألة الحرية قائلا: ''لقد كنت حرّا وأنت طفل وكنت حرا وأنت إنسان وأستاذ تفعل ما تشاء، فعن أية حرّية تبحث؟'' واعتبر من ثمة أن القضية ليست أن يكون الإنسان قادرا على أن يفعل ما يشاء، وإنّما الحرية كما رآها هو القارئ في النّص بعيدة والنص ذاته يرسم الطريق إليها، والطريق إليها هو ما يمكن أن يهتدي إليه القارئ بغض النظر عن الحرية المتحققة للكاتب، وقال: ''إن الحرية في هذا الكتاب هي ما يريد حمّادي أن يكون وليس ما كان له فعلا''، وبذلك لم يعد الطريق طريق الكاتب، وإنما أصبح طريق القارئ، وعليه أن يتلمّس ملامحه.
واهتم الأستاذ وحيد السعفي بالنص في أعمق جوانبه ذاتية والتصاقا بشخص الكاتب، واعتبر أن صورة الأم هي المؤثرة في هذا الكتاب، وقد استحوذت على الحيّز الكبير منه ومن الحكي، وكانت حاضرة بجميع ملامحها في شخصية حمادي الطفل الصغير وحمادي الشاب وحمادي الأستاذ والكاتب والباحث عن ذاته في المكان والزمان، كما كانت حاضرة في المكان، وانطلق السعفي في تحليل الإطار العام للحكي، واعتبر أن النص ينفتح على المرأة ويغيب منه الرجل، فالبحارة أخذهم البحر وماتوا ولم يبق إلا النساء، والعنصر الآخر المهم في النص هو البحر، وقال: ''إن البحر عند حمادي صمود، رغم أنه يقتل، فإنه يبدو وديعا هادئا جميلا صافيا''، واستخلص السعفي أن النص ينطق عن علاقة ود بين حمادي صمود والبحر.
وعقّب الأستاذ حمادي صمود على ما تقدّم من مداخلات الأساتذة، مشيرا إلى دواعي تأليف الكتاب، واعتبر أن ما عايشه من أحداث منذ طفولته، رسم ملامح شخصيته، ووجه مخيّلته، واعتبر أن البحر كان المؤثر الأوّل في نفسه، قائلا: ''لا شك في أن كل ما يجري في شراييني هو من ملح البحر''، واهتم في كلمته بالدور الذي لعبته المرأة في حياته، ولم يقتصر في ذلك على دور أمّه، فقد اعتبر أن كافة النساء اللاتي أحطن به في محيطه الطفولي كان لهن تأثير في ذاته وشخصيته وأفكاره... واعتبر أن الكتابة هي أكثر الوسائل التي يمكن أن تتصدّى للمحو وللنسيان وللموت، وأنها أشدّ الوسائل وقوفا في وجه الاندثار والاضمحلال والتراجع، في مستويات عدّة، وقال إن نصّه فيه من السيرة الذاتية، لأنه يحفظ جزءا كبيرا من ذاكرته الخاصة ومن حياته وعلاقاته وظروف عيشه وأهوائه... ولكنه يمثّل في ذات الآن شهادة على فترة مهمة من فترات مسيرة الدولة الوطنية؛ ففيه معايشة لأكبر المراحل التاريخية منذ الاستقلال ولمسالك الحداثة التي اندرجت فيها وواكبها هو من الداخل في إطار السلّم التعليمي الذي تابعه.
واختتمت السهرة الاحتفائية بمداخلات بعض الحضور ممن عايشوا الكاتب وعرفوا مسيرته، وقد ثمنوا هذا المؤلف، واعتبروا أنه يختزن أبعادا عظيمة لا تهم الكاتب فحسب، وإنّما تنسحب على جيل بأكمله، وتختزن أحداثا عاشوها ومواقف كان لها تأثيرها الفارق في شكل انتمائهم إلى المكان وإلى الزمان، واعتبروا أن ''طريقي إلى الحرية'' يثير الاهتمام والمتابعة، لأنه ينفض الغبار عن حيّز مهم من حياة جيل ما بعد الاستقلال، ويرسم الطريق نحو فهم مسار بأكمله سارت فيه دولة الحداثة كما يكشف عن جدوى الاختيارات التحديثية وانعكاساتها الخاصة والعامة، وما يمكن أن يتأسس عليها من رؤى تفتح طريقا آخر نحو الحرية.