ندوة: "التعليم الديني: الواقع والآفاق"
فئة: أنشطة سابقة
نظمت مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث وجمعية الدراسات الفكرية والاجتماعية السبت 04 يونيو الجاري، بمقرهما الكائن بتونس العاصمة، يوما دراسيا حول ''التعليم الديني: الواقع والآفاق'' تضمّن ثلاث جلسات علميّة، تراوحت بين مداخلات متعدّدة، طرحت مسائل ومواضيع ذات صلات عميقة بالموضوع، بدءا بمسألة التربية الدينية ومفاهيم الحرية والسلطة والتنظيم، وصولا إلى الدين في المدرسة وبرامج التعليم الرسميّة وأسئلة المنهج والمضمون والتوظيف، مرورا بالتعليم الديني التخصّصي والتعليم الديني من وجهة نظر مقارنة.
وقد افتتح اليوم الدراسي بكلمة مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، قدّمها د. نادر الحمامي، ورحّب فيها بالضيوف، وبسط فكرة تأطيرية عن موضوع اللقاء، وأشار إلى أن هذا اليوم الدراسي كان من المفترض أن ينعقد في مدينة مونستر بألمانيا، وقد تحوّلت وجهته بعد ذلك إلى تونس العاصمة، وثمّن في كلمته الاهتمام بمسائل التعليم الديني بالنظر إلى راهنيّتها، وبحكم الظروف العامة المتداخلة، والشأن الدّيني الذي لا يكاد يغيب عن المستويات الثقافية والاجتماعية والفكرية. وأحيلت الكلمة بعد ذلك إلى المنسق العلمي لليوم الدراسي د. بسام الجمل الذي أكد على أهمية قضية التعليم الديني من جهتي الواقع والآفاق، وأشار إلى أن الموضوع الأوّلي للنّدوة كان حول ''التعليم الديني في مواجهة العنف ومتطلّبات المعاصرة''، وقد حُوّر بعد أن تحوّل مقر الانعقاد إلى تونس، فأصبح يشير إلى مسألتيْ الواقع والآفاق، وأشار إلى تكامل أشغال هذا اليوم الدراسي مع ندوة سابقة حول ''المؤسسة الدينية في الإسلام: أيّ دور؟'' كانت قد انعقدت بتونس العاصمة منذ سنة ونصف، كما أشار إلى انقسام التعليم الديني بين تعليم رسمي تشرف عليه الدولة وتعليم غير رسمي تشرف عليه بعض المؤسسات الدينية التقليدية، وأعقب ذلك بالتّساؤل عن مدى تأثير المؤسسة الدينية في ضمير المسلم، في ضوء شواغله المعاصرة اليوم، وعن أيّ دور يمكن أن تلعبه المؤسسة الدينية في ظل الدولة الوطنية صاحبة السّلطة؟
واستهلت الجلسة العلمية الأولى التي كانت برئاسة د. حمادي ذويب، بمداخلة د. حمادي بن جاب الله بعنوان: ''التربية الدينية تربية على الحريّة''، وقد أشار في البداية إلى أن مداخلته لا تقع ضمن هذا التقسيم الذي يلتزم به موضوع التعليم الديني بين الواقع والآفاق، وإنما هي واقعة في مبادئه، تلك المبادئ التي ينبغي أن تعتبر في التربية الدينية أو التعليم الديني، وبيّن بأن ذلك يمثل له سؤالا فرعيّا، لأن سؤال كيف تكون التربية الدينية تربية على الحرية؟ فيه مفارقات عديدة، باعتبار أن التربية الدينية في السائد الثقافي هي تربية على احترام قواعد جاهزة، فلا يبدو أن التربية الدينية هي بالأساس تربية على الحرية، ثم بين أن المفارقة الثانية تكمن في اعتبار أن الدين ينبغي أن يؤخذ كما هو، باعتباره معطى جاهزا، وبالتّالي فليس من البديهي أن تكون التربية الدينية تربية على الحرية، وقد خلص إلى مفارقة ثالثة تتعلق بتدبّر الدين، باعتباره ظاهرة اجتماعية، وبيّن في هذا الإطار أنه يكاد يوجد إجماع بأن الدّين لا يتوافق مع الحرية. وقد انطلق بعد رصد هذه المفارقات الثلاث إلى تحليل استنتاجات ثلاثة متعلّقة بها، وهي أوّلا أن اعتبار التربية الدينية تربية على الحرية، لا يستقيم إلا ببيان أن الدين ذاته هو الحرية، وهذا يجعل مفاهيم من قبيل التسامح والإرجاء وغيرها لا قيمة لها عمليّا. وقد بين أن الاستنتاج الثاني لاعتبار الدين حريّة يكمن في إمكان التطابق بين فكرتين لا يبدو الربط بينهما أمرا يسيرا، وهُما: فكرة الخلق الربّاني وفكرة الحريّة، وتساءل كيف يمكن اعتبار الإنسان كائنا حرّا والحال أنه مخلوق؛ أما الاستنتاج الثالث، فيتعلّق بإشكال العلاقة بين الماهية والوجود، سواء في التفكير الديني أو النصوص الدينية. وأشار بعد ذلك إلى المنهج الذي يمكن من خلاله تدبّر هذه الإشكاليات وهذه المفارقات، من جهة، وتلك الاستنتاجات الثلاثة من جهة أخرى. وخلص في ختام مداخلته إلى اعتبار أن ما يقرّب بين جميع البشر هو أكثر بكثير مما يفرّق بينهم.
وأحيلت الكلمة إلى ذ. إبراهيم غرايبة، لتقديم مداخلته بعنوان: ''إدارة وتنظيم التعليم الديني: ماذا يريد الله وماذا تريد السلطة؟'' فأشار إلى أن ورقته تهدف إلى معالجة جملة من الإشكاليات التعليمية؛ فتعليم الدين يأتي في إطار منسجم مع أهداف الدولة والمجتمع ومع الحريات العامة، وبيّن أن الدين باعتباره أساسا اعتقاد وتصورات فردية، يتحمل الفرد وحده مسؤوليتها ونتائجها، فإن تعليم الدين من المفترض أن يكون مستندا على تلك الحقيقة وقائما عليها، وعرّج في إطار حديثه عن المسألة التعليمية على جملة من الإشكاليات المتناقضة، والتي من بينها ما يتصل بالمحتوى المعرفي والمذاهب ومراحل التلقّي وحرية الاعتقاد ودور الدولة والمجتمع والأسرة... وخلص من عرض الإشكاليات إلى وصف العملية التعليمية الدينية، فبيّن أنها تقوم أساسا على تدخّل الحكومات والمدارس العمومية والجامعات، بتنسيق من المؤسسات الرسمية. وقد تناول نموذج الأردن، باعتباره مثالا قريبا من كل الأمثلة في الدول العربية، حيث تتولى الدولة الإشراف على المناهج التعليمية والبرامج وإدارة المؤسسات، وكل ذلك ينطلق من مبدأ أوّلي، وهو واجبات الدولة تجاه الدين، ويضبط ذلك بقوانين، وقد أثر ذلك في أن الدولة هي التي كانت راعية للإسلام منذ القرن التاسع عشر، وعملت على مأسسة الدين وتطويره ضمن المؤسسات التعليمية الحديثة. وخلص من ذلك إلى رصد جملة من الصعوبات المترتبة عن الأمر؛ وأوّلها صعوبة رصد التعدّد المذهبي في فهم الدّين، وانحياز المؤسسة التعليمية ونشوء الانقسام والتعصّب، توظيف التعليم الديني لتكريس هيمنة السّلطة، إضعاف المجتمعات والمعارضة، مأزق العلاقة بين الدين والدولة، نشوء الجماعات الدينية المتطرفة برعاية رسمية، ظهور وعي ذاتي بعدم إسلامية الدولة لدى الجماعات الإسلامية... وتعرّض بعد ذلك إلى عرض بعض توجهات المقرّرات الدراسية ومناقشتها ونقدها. وقال، بنوع من التهكّم، أن تلك المقررات تؤدّي في النهاية لدى الطلاب إلى التيقّن من أنه يوجد طرف إسلامي ولكنه غير رسمي، ويوجد طرف غير إسلامي ولكنه رسمي، قائلا إن الدولة أصبحت تنفق من مقدرات شعبها على منظومة تعليمية تؤدّي في النّهاية إلى نعتها بالكفر.
وأحيلت الكلمة بعد ذلك، للنقاش فتناول المتدخلون التعليق على مجموعة من المسائل التي تم عرضها، وعلى رأسها مسألة ربط العلاقة بين الدين والحريّة والبناء على ذلك للتوصّل في النهاية إلى ما يشبه المصادرة القائلة بتلازم الدين مع الحرية إلى درجة القول بأن الأصل في الدين هو الحرية، كما تم التساؤل عن جدوى الإمكانيات التي يمكن أن يفضي إليها اعتبار مقولة التسامح لا قيمة لها في ظل تأصيل العلاقة بين مفهومي الدين والحرية.
وانطلقت الجلسة العلمية الثانية برئاسة دة. ناجية الوريمي، وبمداخلة د. نارت قاخون بعنوان: ''التعليم الديني التخصّصي، مضامينه ومنهجيّاته وشروط الاستطراد الحضاري''، وقد أشار في مستهلّها إلى مفهوم الإنسان المتصاعد المتسامي الذي يبحث عن الألوهية، وانطلق من ذلك المبدأ ليتحدّث عمّا يسميه ''الاستطراد الحضاري''، وبين بأنه مفهوم يقوم على مجموعة من المكوّنات المفهومية والإجرائية، ذات العلاقة بمسألة التعليم الديني التخصّصي الذي يفضي إلى الاشتغال بالخطاب الديني، أو بالمجال العام الذي يساعد في فهم الدين والعمل به، وقدّم المفهوم باعتباره حالة من الوصل مع الهويّة التي تميّز الحضور في التّاريخ، والانتماء إلى العصر الرّاهن بكل تناقضاته ومستوياته. وخلص إلى اعتبار أن المعرفة الغربيّة التي تم إنتاجها تفرض العديد من التحديات على السرديات التي يقدمها الدّين لمواجهة الأسئلة الكبرى التي تطرح عليه، وقد ربط ذلك بالمسألة التعليميّة التي كانت مرمى المواجهة بين الدين والواقع. وقال بأن مأزق الاستطراد الحضاري قد يفرض مواقف جذرية شديدة الوطأة على الهوية الثقافية، وبيّن أن ذلك يطرح على الإنسان العربي الراهن ثلاثة خيارات. أمّا الأوّل، فهو ما يسميه ''الموقف التجاوزي'' أي تجاوز الحقائق المعرفية والارتداد إلى الإنكار؛ وأما الثاني، فهو ''الموقف التجاوري'' أي محاولة التوفيق بين تلك الحقائق والبعد الديني دون تجاوز؛ وأما الثالث، فهو ''الموقف التحاوري'' أي إيجاد الفسحة في التأويل وإعادة التأويل. وانطلق من ذلك نحو إيراد مجموعة كبيرة من المفاهيم التي بين تعلّقها بما عبّر عنه بالاستطراد الحضاري، ومن بين تلك المفاهيم تعرّض إلى مفهوم الوسطيةّ، مثلا، فأوضح إمكانيات القراءة المتاحة لهذه الفكرة، وكيف أنها لا تتنافى مع مبدأ إعادة الفهم والتأويل، ثم عرّج على علاقة تلك المفاهيم بالمبادئ التعلّمية التي يتأسس عليها الفعل الحضاري، باعتباره ما يميّز الوجود الإنساني في الكون وما يعبّر عنه بالدرجة الأولى.
وأحيلت الكلمة عقب ذلك إلى د. عدنان المقراني ليقدّم مداخلة بعنوان: ''تحديات التعليم الديني الإسلامي: تحليل منهجي مقارن'' أشار في بدايتها إلى أن ما يميز العصر الحديث هو الفصل بين المؤسسة الدينية والمؤسسة التعليمية، في ظل تدخل الدولة لتؤطر ولتسيطر على التعليم الديني. وقد لاحظ وجود نتيجتين أساسيتين لهذا التحوّل الجوهري في المنهج والرؤية والتجربة بين التعليم الديني الحديث والتعليم الديني التقليدي؛ وأشار في تحليل ذلك إلى أن هناك ثلاث خصائص تم استبدالها، تهم سن الدراسة، وبطء التعليم وطول أمده، في النظام التعليمي التقليدي، في حين أن التعليم الحديث يبدأ في سن متأخرة، وهو سريع وقصير. وأشار النقطة الثانية التي ذكرها هي فصل التربية عن التعليم إلى المدارس التقليدية التي كانت معنية بإنتاج نمط معين من الناس، أي شخصية العالم، ولكن هذا الجانب قد تغيّر في التعليم الحديث. ومر على عديد الأمثلة في أوروبا وتحديدا في إيطاليا وفي فرنسا وفي إسبانيا، وعاد ليتحدث عن التعليم الديني من خلال نماذج من جنوب آسيا وجنوب غرب آسيا، وهو ما سمّاه بالنظر في أطراف الحضارة الإسلامية، وعرض بعد ذلك تجربته الشخصية في المشاركة في مؤتمر نظمته جمعية أمريكية مفتوحة، وتحدث عن حيثيات تلك المشاركة وملاحظاته التي تراوحت بين التحليل والاستنتاج. وخلص إلى نقاط اختلاف عديدة تستند إلى مقاربات حديثة للقرآن وموضوعات حسّاسة فيما يتعلّق بالفهم للدين والتّعامل به ومن خلاله. وعرّج على الاختلاف بين من درسوا في الجامعات العربية والجامعات الأوروبية والجامعات الأندونيسية.
وعقب انتهاء هذه الجلسة العلمية الثانية، أحيلت الكلمة إلى د. احميدة النيفر لتقديم شهادة حول ''إصلاح محمد الشرفي''، وأشار إلى أنّه كان طرفا في التّجربة الإصلاحية للتعليم، بقيادة وتوجيه وإدارة محمد الشرفي، الذي كوّن لجنة إصلاح من عديد الأطراف الفاعلة في المنظومة التربوية في تونس بمختلف الاختصاصات، وأتت تلك العمليّة الإصلاحية بعد فترة طويلة منذ الاستقلال، وأشار إلى أن عملية الإصلاح تركزت على مراجعة البرامج التعليمية، وأن تلك العملية حُمّلت في تونس ما لا تحتمل؛ فقد غلبت عليها الأحكام السّياسية، في حين أنها تجربة على غاية من الأهمية، كما يصفها. وقال بأن جل النقاش والجدال حول عملية الإصلاح قد تركز على الجانب الديني؛ أي التربية الدينية، وأن الكلام الذي طال عملية الإصلاح قد توجه إلى تشويه هذه العملية ونعتها بعبارة ''تجفيف المنابع''، وقد أشار إلى أنه كان عضوا في إصلاح التربية الدينية، وأن الاهتمام كان شاملا لكل مكونات المسألة التربوية، وقدم النّيفر العديد من التفاصيل الدقيقة لمنهج الإصلاح التربوي، وحلل أبعاده وغاياته والمكونات الرئيسة للمنظومة التعليمية والتربوية التي سعى الأطراف القائمون على المراجعة إلى احترامها.
وانطلقت الجلسة العلمية الثالثة برئاسة ذ. إبراهيم غرايبة، وبمداخلة د. فوزي البدوي بعنوان: ''الدين في المدرسة''، الذي بدأ بتوضيح المفاهيم الأساسية التي أقام عليها ورقته، فبيّن أنه يقصد بمفهوم المدرسة مؤسسات الدولة التي تقوم بتنفيذ سياسة تعليمية معيّنة، وقد استند في مداخلته على النظام الجمهوري التونسي، ولذلك فقد انطلق من شهادة تكمن دوافعها، كما عبّر عن ذلك، فيما قرأه عن الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبري، حول تعليم الدين في المدرسة اللائكية، وقال إنه في سنة 2008 أو 2009 قررت وزارة التربية آنذاك إعادة مراجعة برامج التربية الإسلامية، وقد دعته إلى القيام بمراجعة برامج السنة الخامسة والسادسة من شعب العلوم، ووجد باطلاعه على الأمر ما سمّاه ''بوادر انهيار الدولة''، وكان عنوان تلك المرحلة في وزارة التربية حسب تعبيره ''التخلص من سياسة محمد الشرفي، والتخلص من أفكار عبد المجيد الشرفي''، وأن تلك البرامج كانت جاهزة مسبقا، وأنها قائمة على نوع من التشظّي وعدم التّرابط بين المستويات التعليمية، وقد فسّر ذلك بمقتضيات العمل السياسي، وأشار إلى أنّه وجد في هذه البرامج نصوصا عمّا يسمّى الإعجاز العلمي في القرآن ووجد فيها نصوصا لزغلول النجار، و''كثير من الخور الذي كانوا يجهزونه لطلبة العلوم'' وبيّن أن السر وراء هذه البرامج كان الإطار المشرف، وهو مجموعة من المتفقدين المتقاعدين من التعليم الثانوي، وهم أصحاب تكوين زيتوني قديم، وتم بعد ذلك التخفيف من حجم ''تلك الكارثة''، وقد استنتج من ذلك أن الدّولة لم تعد تعرف ما تريد ولم يعد لها خيط ناظم. وأشار بعد ذلك إلى أن الدولة، واضعة البرامج التعليمية في زمن بورقيبة، لم تكن معادية لا للدين ولا للتدريس، وعلى ذلك كان قد تأسس النظام الجمهوري التونسي، ولكن خطأ بورقيبة أنه لم يدخل دراسة الدين إلى الجامعة، وإنما حاول حصرها في كلية الشريعة وأصول الدين.
ثم أحيلت الكلمة إلى دة. حياة اليعقوبي، التي قدمت مداخلة بعنوان: ''التعليم الديني في تونس بين إرادة التجديد والتوظيف السياسي: قراءة في برامج البكالوريا''، وقد انطلقت من سؤال جوهري ''ماذا نريد أن نفعل للتلميذ التونسي بتدريس هذه المادة؟''، وألحقت ذلك بافتراضات مختلفة تقوم بين الرغبة في تكوين تلميذ مسلم، أو بناء معالم شخصية مواطن تونسي بمقومات معلومة، ثم اختارت أن تحوّل وجهة ذلك السؤال تحويلا معرفيا من خلال طرحه على البرامج الرسمية لمادة التربية والتفكير الاسلامي، وقد عرضت مجموعة من الوثائق البيداغوجية المتعلقة بدراسة المواد الدينية، وقامت بتحليلها، وخلصت من ذلك إلى مجموعة من النتائج؛ من بينها: أن المجتمع المدني ممثلا في الاتحاد العام التونسي للشغل كان له تأثيره في عملية توجيه المشاريع التعليمية الدينية، وقد بنت على تراوح العلاقة بين الهدوء والتوتر، بين الحكومة واتحاد الشغل، ما اعتبرته سياسة مباشرة تكرّست ملامحها في توجهات الدولة وفي البرامج التعليمية، التي أصبحت تميل أكثر باتجاه التعريب ومغازلة الإسلاميين. وانتهت من كل ذلك إلى بيان أثر النظام العالمي، والعولمة في برامج التعليم.
وبعد ذلك أخذ الكلمة د. بسام الجمل وقدّم مداخلته بعنوان: ''التعليم الديني المعاصر: أسسه المنهجية ومضامينه المعرفية (تجربة الجامعة التونسية أنموذجا)''، وانطلق في البداية من بيان أن الحاجة إلى التعليم الديني تبدو متأكّدة جدا خاصة في ضوء ما عرف بـ ''ثورات الربيع العربي'' مما أعاد إلى الساحة عدّة خطابات دينية، أقامت ربطا سياقيا بين الإسلام والعنف، وأشار إلى ما اعتبره خطرا حقيقيا متمثلا في التلازم البنيوي لدى تلك الحركات، بين الإسلام والعنف. وأشار بعد ذلك، إلى اهتمام الدول الغربية بتدريس الإسلام وتكوين القائمين على شؤونه، وعرض أمثلة عن التجربة الألمانية في هذا المجال. وخلص في كلمته إلى اعتبار أن إشراف الدولة على تدريس الشأن الديني خلق علاقة مخصوصة بين الطرفين، تقوم في معظم الأحيان على المناورة والصراع والتّصادم، حسب تغير المصالح والسياقات. ثم تناول مسألة الانتقال من مرحلة التعليم الديني التقليدي إلى مرحلة التعليم الديني المعاصر، وقدّم بعض المرتكزات المنهجية التي رأى أنها ضروريّة ليقوم عليها التعليم الديني؛ وعلى رأسها ضرورة التزام الحياد في تدريس الدين بصفة عامة، ثم التنبيه إلى تاريخية الظواهر الدينية، وقال بأن الدّليل على ذلك هو تعدد أشكال التديّن. أما المرتكز الآخر الذي أكّد عليه، فهو ضرورة التشبّع بالحس النقدي العالي في التعامل مع الموروث الديني، وأشار أيضا إلى ضرورة اعتماد المناهج الحديثة في العملية الدينية، وقدم نماذج عن تلك المناهج.
واختتمت الجلسة العلمية الثالثة بنقاش بين الحضور والمتدخلين، امتد إلى مجموعة من النقاط التي أعادت طرح العلاقة بين الدين والإطار التعليمي الرسمي الذي اضطلع بمهمة التسيير والتأطير للشأن الديني في المدرسة والجامعة وفق رؤية عامة، اختارت الدولة السير فيها، حتى تحكم، من جهة، سيرورة العملية التربوية، باعتبارها جزءا من الحياة الاجتماعية والمدنية في إطار الدولة، ومن جهة أخرى، حتى تحكم السيطرة على الديني وتراقب كل إمكانياته التسلّطية على المجتمع، انطلاقا من المؤسسة التربوية، باعتبارها المكان الحاضن للتعليم الديني والموجّه لغاياته.