ندوة حول قراءة في كتاب: نيتشه والإسلام لجاكسون
فئة: أنشطة سابقة
في إطار أنشطته الثقافية، بمناسبة الأمسيات الرمضانية لهذه السنة، احتضن صالون جدل الثقافي، التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ورشة علمية لمدارسة كتاب "نيتشه والإسلام" لروي جاكسون، مساء يوم السبت 27 يونيو، ابتداء من الساعة التاسعة والنصف، شارك فيها مجموعة من الباحثين المتخصصين في الفلسفة المعاصرة، ومن بينها الفلسفة النيتشاوية.
هكذا قدم الدكتور عادل حدجامي ورقته تحت عنوان " نيتشه والإسلام : عن لقاء لم يحصل"، أوضح فيها أن القراءة الفاحصة لكتاب الإنجليزي روي جاكسون نيتشه والإسلام Nietzsche and islam ، الصادرة نسخته العربية عن دار جداول للنشر بترجمة حمود حمود، تبين أننا أمام كتاب يضع كغاية له هدفين مزدوجين؛ الأول منهما تعريف غير المسلمين على بعض مكونات الديانة الإسلامية وخصائصها، من خلال بسط عناصر ما أسماه الكاتب ب " البرادايم الإسلامي"، والتذكير ببعض اللحظات الأساسية في مسار هذه الديانة نشأة وتطورا، والثاني منهما تنبيه مسلمي زمننا المعاصر إلى ضرورة تجديد طبيعة فهمهم لماهية الإسلام والرقي به نحو ما جاء في الترجمة العربية لهذا الكتاب تحت مسمى الإسلام "عبر- تاريخي"، وهذا التجديد لن يتم ، في تصور الكاتب، إلا باستلهام فلسفة الألماني فريديريك نيتشه وتصورها "الحيوي" عن الزمن والتاريخ والفعل الإنساني؛ ولأجل هذا الغرض الثاني، عمل الكاتب على استحضار بعض القراءات النقدية المعاصرة التي قام بها مفكرون مسلمون للتراث الإسلامي، مركزا في ذلك على قراءات الإسلام الآسيوي من مثل محمد إقبال وأبي الأعلى المودودي، مع بعض الحديث عن القراءات الأخرى من مثل قراءة محمد أركون ومحمد الطالبي.
بيد أن النظر والفحص في النص، حسب الدكتور حدجامي، يبين بأن الكتاب لم يفلح كثيرا في تحقيق أي من هذين الهدفين؛ فطبيعة النص التعميمية وتوزعه بين عدة مرجعيات ( تاريخ، فلسفة، فكر إسلامي، لغة ...) ، دون استيفاء أية واحدة منها شرطها، جعله لا يأتي بشيء يعتد به أو يستند إليه في أية من هذه القضايا، ولعل هذا لم يكن طموح الكاتب أصلا، فغرضه، كما يرى حدجامي، على الأرجح، كان هو تعريف غير المسلمين تعريفا عاما عن الإسلام، وغلبة هذا الغرض على غيره هي ما يجعله، بالنسبة إلى المتلقي المسلم، غير مفيد في العموم، على اعتبار أن الفرد المسلم يعرف، إن تفصيلا أو إجمالا، عناصر هذا الذي أسماه روي جاكسون ب"البرادايم الإسلامي"، كما يعرف أهم لحظات نشأة الإسلام وتطوره ومآلاته في التاريخ، لهذا فتكرار هذه الأمور قد لا يكون حاملا لكبير فائدة. على أن هذا الشعور لا يتغير إذا ما نظرنا إلى ما حققه الكاتب من غرضه الثاني أيضا، الذي كان هو إعلام المسلمين بأهمية استحضار نيتشه واستلهامه لأجل تطوير تصورهم عن ذاتهم وعلاقتهم بالعالم والتاريخ، فلم تكن أدلة الكاتب في استحضار نيتشه حصرا ، دون غيره من الفلاسفة ، مقنعة. لهذا، نجد أن قراءة الرجل لنيتشه لحقها شيء من الابتسار والتكلف في أوقات كثيرة، والعلة في ذلك على الأرجح سعي الكاتب لتقديم صورة "أيديولوجية" عن نيتشه ومحاولته تصويره فيلسوفا قابلا لأن يؤول في صالح عقيدة ما، وهو ما يخرق إلى حد بعيد، في نظر حدجامي، منطوق النصوص الصريحة لهذا الفيلسوف، فضلا عما تبينه النصوص الأساسية التي اشتغلت على تراث نيتشه تحليلا وتأويلا، في ألمانيا وفرنسا خصوصا، وهي النصوص التي لم يعتمدها الكاتب، إذ ظل في حدود بعض القراءات الأنجلوساكسونية العامة والتعريفية.
كما لم يفت صاحب الورقة التطرق إلى الترجمة العربية للكتاب، معتبرا أن ما قلل من حظوظ روي جاكسون في بلوغ مراميه، في النسخة العربية، هو نوع الترجمة التي حصلت لهذا النص، والتي يمكن أن نسمها في أحسن الأحوال بكونها ترجمة حرفية، على أننا، والقول دائما لحدجامي، لا نقصد بالحرفية هنا الالتزام بتحصيل المعنى ( المضمون ) على حساب المبنى ( اللغة ) فقط، بل وقوع الترجمة في نقل الكلمة بالكلمة، دون اهتمام بتحصيل المعنى المراد عند الكاتب نفسه، فيتشكك القارئ وتتقاسمه الظنون حول المراد من القول الذي يأتي إليه غير مألوف الصياغة وغير واضح الدلالة، والأمثلة في ذلك كثيرة جدا وتشمل صفحات، ضف إلى ذلك إحساس القارئ أن المترجم نفسه لا يعرف مراد الكاتب، فيترجمه دون فهم، فيكتفي بإيراد المقابلات العربية الممكنة "لغويا" فقط للكلمات الإنجليزية دون بحث أو تفحص في القصد، وهذا أيضا كثير جدا ومثاله شناعة ترجمة كلمة kabils الواردة في النص الأصلي ب "كابيل" العربية، دون أن يتبين أن الأمر يعني ببساطة منطقة "القبايل" بالجزائرية، ثم ترجمة عبارة akel lmarar في النص الإنجليزي بعبارة "عقيل المرار" ( ص 193) والحال أن أي قارئ عربي يعرف شيئا من التراث سيتبين، من السياق، أن الأمر يتعلق بملك كندة الشهير في التاريخ والأدب العربيين حجر بن عمرو" آكل المرار" ، وأما "عقيل المرار "هذا فلا وجود له أصلا.
على الرغم من الملاحظات النقدية السابقة، لم يفت الأستاذ عادل حدجامي الإشارة، في خاتمة مداخلته، إلى أنه يبقى من المفيد الاطلاع على هذا النص بالنسبة إلى من لا يعرف الإسلام البتة، حتى يتبين بعض المعلومات عنه، مع ضرورة التنبيه إلى أن الترجمة العربية ينبغي مراجعتها كلية وبشكل جذري، لأنها لا تحقق مهمة الاطلاع هذه، خصوصا عند من لا يعرف عن الإسلام شيئا، إذ إنه سيكون بين أمرين، إما ألا يفهم شيئا، في أحسن الأحوال، أو يفهم خطأ، بل وعكس المراد، في باقي الأحوال.
بعد ذلك تناول الكلمة الدكتور محمد الهاشمي، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، حيث اختار لها العنوان التالي: "مفارقات البشارة النيتشوية في كتاب نيتشه و الإسلام لروي جاكسون"، مبينا منذ البداية أن ورقته حول كتاب روي جاكسون " نيتشه و الإسلام " تسعى إلى تجاوز وقع الإثارة الذي يحدثه عنوان الكتاب، الذي يبدو كما لو أنه يرادف بين متضادين، و يؤسس لتناقض واضح بين الحدود Contradictio in adjecto . و قد يتحقق ذلك، حسب الهاشمي، إذا ما تمكنا من التمييز بين ثلاث استراتيجيات: إحداهما تتعلق بمقاصد الكاتب وغايته من استعمال الفلسفة النيتشوية في تقديمه للرقعة الجدل داخل الفكر الإسلامي المعاصر. و استبانة مضمرات هذا الاختيار ، سواء من حيث المقدمات المنهجية الخاصة التي ينطلق منها مؤلف الكتاب، أو حساسيته المعيارية التي يعمل من خلالها على ترتيب و تقويم الأطروحات الفكرية الإسلامية المختلفة حول ما يدعوه بالباراديغمات الأساسية: الوحي و النبي و نموذجية دولة الرسول، ووضعية الخلافة. سينتهي بسط هذه الاستراتيجية إلى وجود نوع من المركزية الأوربية الواضحة المتحكمة في توجيه تصور الكتاب لما يدعوه بحوار الثقافات، والذي يبدو كما لو أنه يحض على اختيار مسبق لهذا الحوار، لكونه ينطلق من وجوب الخلوص في نهاية المطاف إلى نتائج شبيهة بتلك التي تأتى لها الفكر الغربي، وهو يواجه أزمة هويته حيال قوى العلمنة. التي فرضت عليه أن يعيد ترتيب أوراقه الحضارية لصالح تصور يؤمن بسطوة التاريخ والصيرورة في رسم النماذج الحضارية في تعدديتها الجوهرية و الضرورية. وهكذا، فإن هذه الاستراتيجية الدعوية للكتاب، أو بشارته الدفينة، حسب الهاشمي، تحسم مآل النقاش إلى ما سبق رؤيته ، وما فات تحققه و إبداعه في السياق الأوربي. فيصبح بذلك مطلب الكتاب هو دفع الفكر الإسلامي إلى القبول بالتعددية القائمة على أساس النقد النيتشوي لإرادة الحقيقة، و تعويضها بإرادة القوة، التي تجعل كل الثقافات هي مجرد وجهات نظر، وتصورات للعالم تتراتب حسب كفاءتها في تأكيد الحياة، لكن هذا التعدد الظاهر يتحدد انطلاقا من خلفية ذوقية حضارية تجانسية. فليس كل فرضيات صاحب كتاب نيتشه و الإسلام نتشوية، إن قسوة المحك النتشوي موجهة أكثر لثقافة الشرق، أكثر منها لثقافة الغرب؛ الذي يبدو أنه انتهى إلى وضعية لا تحتاج إلى مراجعة أو إعادة تفكير، و أن المطرقة النيتشوية تخص غير الشرقي الذي يبدو في أزمة نضج و نمو وتنمية، وليس الأنا الغربي التي تجاوزت عتبة الأزمة، لتتحول إلى نموذج مرجعي فوق -تاريخي، يصلح شفاء و تربية للجميع. إن روي جاكسون في رأي الهاشمي هو نتشوي في الحدود الضيقة لتوجهاته النقدية، لكنه ليس كذلك في ما يخص هويته الثقافية الذاتية.
هذا ما سيجعل محمد الهاشمي يعرض لاستراتيجية القارئ المتوجس من مجاورة قداسة الإسلام مع النقدية العنيفة لنتشه، وهو القارئ الذي يمثل جزءا من أطراف الحوار الذي يؤسس له الكتاب؛ فالإسلام الذي يعنى به الكتاب يبدو لهذا القارئ أصلا و مرجعا حضاريا، يبلغ من التفوق حدا يغنيه على أن يكون موضوع إعادة تأهيل من طرف الحضارات المنافسة. إن القارئ الأصولي النظري ينتظر من الآخرين تلقي الدروس الحضارية للإسلام، ولذلك فالمطلوب من الفلسفة النيتشوية ، إنما الشهادة بتفوق الإسلام كحل كوني لجميع المشاكل الحضارية، لا أن يتحول إلى ترياق يوصف للحضارة الإسلامية. إن البعد الدعوي للكتاب يقوم على ثنائية الباثولوجي و السواء، وهي ثنائية عدائية و تبخيسية من الأساس، لأنها تخرج طرفا من ندية الحوار، وهذا حس إقصائي يمارس نوعا من الاستفزاز الحضاري على متلق مفترض لرسالة كتاب جاكسون، وهذا ما قد يجعل له نتيجة معكوسة، حيث تصنف الأسماء السلبية حسب " المؤلف الغربي " في خانة الأسماء المرجعية و العكس بالعكس، على أساس أن الغيرية الراديكالية بين الشرق و الغرب لا يمكنها إلا أن تنتج شنآنا ثقافيا مفتوحة على إمكانات المواجهة، التي سيتكفل بها الأصولي المتطرف في حربه الحضارية المزعومة.
و أخيرا، انتقل صاحب الورقة الثانية إلى استحضار استراتيجية القارئ النتشوي، الذي سيكون معنيا أكثر بالتعرف على معطيات تتعلق بموقف نيتشه من الإسلام، وهذا ما سيعرضه لخيبة قاسية، نظرا لندرة الإحالة إلى نيتشه في كتاب روي جاكسون، بل وغياب تقريبا جميع المعطيات التي تبرر عنوانا من هذا القبيل، فكما لو أن كتاب نيتشه و الإسلام غير مقنع تماما للمفكر الإسلامي، و لا يملك أية قيمة للمفكر النتشوي. و هنا سوف تتم الإشارة إلى كتاب يان أموند ian almond" تاريخ الإسلام في الفكر الألماني: "من ليبنتز إلى نيتشه " الذي يمكنه أن يوفر مادة غنية و تفصيلية حول العلاقة بين نيتشه والإسلام، وهي ما ستسمح لنا بمعرفة سياق الإشارات المتعددة للإسلام الظاهرة التسامح مقارنة بموقفه من المسيحية، حيث سنتبين أن الأمر لا يتجاوز أن يكون بلاغة استفزازية ضد النزعة المسيحية المتضخمة في السياق الثقافي الألماني للقرن التاسع عشر، كما ستظهر لنا التفاصيل أن الإسلام الذي نال إعجاب نيتشه هو صورته القروسطوية بكل ما تتضمنه من كراهية للمساواة و احتقاره للمرأة ، ورجوليته القتالية الحربية، ونزعته الجبرية ؛ أي بالضبط تلك الصورة التي يسعى جاكسون لدعوة الفكر الإسلامي للتخلص منها – و هنا المفارقة – باسم فلسفة نيتشه ذاتها ، وهذا ما يظهر التعميمية المتسرعة للكتاب. يدافع القارئ النتشوي على وجوب مواجهة نيتشه في قوته وليس كدواء مخفف، وهذا ما لا يتحقق، في اعتقاد الهاشمي، إلا بالقبول بالخضوع إلى التمرين الجنيالوجي القاسي، والحال أن هذا التمرين لا يهم الحضارة الإسلامية، بل إنه يعني جميع الثقافات في سبيل اختبار ذاتها و استبانة القوى الخفية التي تعتمل داخلها، إن نتشه، حسب السيد الهاشمي دائما، ليس مجرد فيلسوف تربية، إنه مطرقة قاسية تجعل كل الكيانات الثقافية ترتعد بما في ذلك ثقافة جاكسون الليبرالية الديمقراطية، لكن للأسف هذا النتشه هو ما غاب في كتاب " نيتشه و الإسلام ".
أما الورقة الثالثة، فقد تفضل بها الدكتور خليد كدري، بعدما وضع لها عنوانا مثيرا وساخر هو:"ديونيسوس مجددا لدين الله أو "لعب العيال" كبرادايم أقصى" -قراءة في كتاب نيتشه والإسلام لروي جاكسون-" توقف فيها عند تحديد المؤلف لأربعة برادايمات إسلامية رئيسة، هي: القرآن، النبي محمد، المدينة ثم الخلفاء الراشدين. ودعوته لنا إلى مقاربتها بحزمة من المفاهيم والرؤى المستلهمة من فكر نيتشه، وفي طليعتها "السياق"، "الروح النيتشاوية" ثم آراء نيتشه الخاصة في الدين. وفي ضوء هذه العدة النقدية يميز بين نوعين من الإسلام: إسلام "تاريخي" يمكن الإبانة عن ملامحه "الحيوية جدا" من خلال مفهومي "العلمنة" و"الروح النيتشاوية"، وإسلام "عابر للتاريخ" يمتح من "محكية العصر الذهبي" للنبي محمد والخلفاء الراشدين كإطار مرجعي لبناء "دولة الإسلام" اليوطوبية.
ويتقلد المؤلف، في نظر الباحث كدري، دعوى عريضة مفادها أن الإسلام في عصرنا هذا يواجه نفس التحدي الذي واجهته أوروبا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، زمن نيتشه، ألا وهو تحدي "العلمنة" الساحقة. إن مشكلة المسيحية، في نظر نيتشه، تكمن في أنها تنزلت بمثابة "أفلاطونية شعبية"؛ ويصدق هذا أيضا على حال الإسلام في عصرنا هذا: إنه "يقتل إلهه الخاص"، يقول المؤلف. وما لم يتعالج الإسلام من مرضه "العابر للتاريخ"، من اليوطوبيا الأصولية، فإنه "سيجبر إما على البقاء عدوا للعلمنة، فيقود بالتالي إلى أصولية كبيرة، وإما أن يغدو "متعلمنا" ، حيث يكف عن امتلاك أية هوية خاصة".
هكذا يستنتج خليد كدري أن المؤلف يهيب بالمسلمين إلى اعتناق "الإسلام التاريخي" المتصالح مع قيم الحداثة الديمقراطية الليبرالية، وهذا من أعز ما يطلب، لكن تمسكه في نفس الوقت بالمرجعية النيتشاوية المناهضة لقيم الحداثة، يحملنا على مساءلة مدى "جدية" مشروع المؤلف!
وفي هذا الصدد، خلص إلى أن جاكسون يحرص كل الحرص على انتقاء ما يريد وطمس ما لا يريد من نيتشه، فتضيع ملامح نيتشه "التاريخي" الذي سفه أحلام الغرب الإنسي العقلاني الديمقراطي الليبرالي العلماني، لحساب ما يشبه أن يكون نيتشه "العابر للتاريخ"، نيتشه الذي بلا ملامح، أو قل: نيتشه "المدور". وهذا ما قاد كدري إلى السؤال المنهجي التالي: أي نيتشه نريد؟
حيث تحدث في الورقة عما سماه ب"صناعة التدوير الفرنسية" التي ازدهرت مع جيل من المفكرين كان هاجسه الأعظم يتمثل في "الإفلات من قبضة هيغل" كما قال عنه ميشيل فوكو. فهب أن نظار "الإصلاح" الديني عندنا، يتساءل صاحب الورقة، قد فزعوا إلى نيتشه، شراحا ومفسرين، فعلى أي نحو سيقرؤونه؟ ومن أية "قبضة" سيرومون "الإفلات" وقد تنكب تاريخهم العتيد عن جميع المواعيد؟ كيف سيقرأ فقه "التسري" أو "ملك اليمين" أقاويل نيتشه عن المرأة؟ كيف سيتلقى عقيدته "الهيراركية" المناهضة للمساواة والديمقراطية والتقدم؟ وبم سيقابل مواقفه المعادية للعقل والعقلانية؟ هل سينتصر "السياق" و"الروح" النيتشاويان، فنستأنف "النشأة" المعطوبة، ونجدد صلتنا بالتاريخ، أم سينادي المنادي للمرة المليون: "وشهد شاهد من أهلها"؟
لم يفوت الكاتب الفرصة لإبداء رايه في الترجمة العربية لكتاب روي جاكسون، معتبرا إياها "مصيبة بجميع المقاييس". فعلاوة على الركاكة المفرطة التي وسمت النص المترجم، واستخفاف المترجم بأبجديات العربية، ثم الأخطاء الجسيمة في ترجمة الألفاظ والمصطلحات، جاءت معظم فقرات النص المترجم عبارة عن طلاسم و"هيروغليفيات" لا يضاهيها في الغموض والتعسف سوى ترجمات مولانا الشيخ غوغل من شبكة السبراني! ومما اضطر معه الباحث يعترف بأننا مرارا، حسب قوله، إلى الرجوع إلى النص الإنجليزي من أجل الفهم! متسائلا والحالة هذه: ما الفائدة من الترجمة إذن؟!