ندوة قراءة في كتاب: دين الفطرة لعبد الله العروي
فئة: أنشطة سابقة
عرف صالون جدل الثقافي بمقر مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بالرباط، يوم السبت 04 يوليو 2015، ورشة عليمة لمدارسة ومناقشة كتاب لجون جاك روسو، عربه المفكر المغربي عبد الله العروي، والذي اختار له من الأسماء "دين الفطرة".
تقدم في بداية الورشة الدكتور محمد نعيم بورقة تحت عنوان" عبد الله العروي و مسألة الإصلاح الديني من خلال تعريبه لمؤلف روسو: دين الفطرة" اعتبر فيها أن العروي بالتعريب الذي أنجزه لكتاب جان جاك روسو "عقيدة قس من جبال السافوا"، والذي وضع له كعنوان دين الفطرة، وقدم له بما يقارب عشرين صفحة يكون قد تطرق إلى معالجة المسألة الدينية في الفكر العربي الإسلامي بمنهجية جديدة.
هذا ما جعل نعيم يعتقد أن كتاب دين الفطرة بالمقدمة التي وضعها العروي، يعد ككتاب عن مفهوم الدين شأنه شأن سلسلة كتب المفاهيم التي كان قد افتتحها بمفهوم الإيديولوجيا وأعقبها بمفهوم الحرية ومفهوم الدولة ثم مفهوم التاريخ وأنهاها بمفهوم العقل؛ فهذه المفاهيم هي بكل بساطة أجزاء لمؤلف متكامل واحد هو مفهوم الحداثة. فما هدف إليه العروي من خلال هذه المفاهيم هو القول، إنها نتيجة لتطور تاريخي، فهي كما تفهم اليوم وتتداول في الغرب غريبة عن ثقافتنا العربية الإسلامية، لأنها نتيجة للثورة الشاملة التي عرفها الغرب خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.
لقد بين صاحب الورقة، أن مبرر عبد الله العروي في كتابته لسلسلة المفاهيم هو إيمانه بأن هذه المفاهيم هي مفاهيم اجتماعية تاريخية تحمل في ذاتها آثار تطورات وصراعات ومناظرات اجتماعية وسياسية، عديدة. هذا القول يفيد أن المفاهيم المذكورة كما تستعمل اليوم في الغرب لا تطابق المجتمعات العربية، بمعنى أن مضامينها كما تبلورت في المجتمعات المتقدمة تختلف عما هو موجود في ثقافتنا العربية الإسلامية، حيث إنها تبدو للمجتمعات المتقدمة نابعة من داخلها، في حين تبدو واردة ودخيلة إلى المجتمعات العربية، لذلك فهي أكثر شمولية من أي مفهوم في التراث العربي الإسلامي. وهذه الخصائص تنطبق على مفهوم الدين بشكل واضح.
من الواضح إذن، حسب محمد نعيم، أن الأستاذ العروي بتعريبه لكتاب روسو قد رام التطرق إلى مفهوم الدين بوضع قواعد فلسفة الدين والمساهمة في الإصلاح الديني عندنا، هذا الموضوع الذي لم ينل ما يستحقه عند مفكري الإسلام، رغم المحاولات التي تمت في هذا الشأن، قديما وحديثا، كمحاولة الفلاسفة قديما منهم الغزالي وابن طفيل وابن رشد، أو محاولة مفكرين إصلاحيين، كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال. فهذه المحاولات، في نظر العروي، بقيت محدودة إن لم نقل أنها كانت قاصرة. لهذا فقد استثمر نص روسو، دين الفطرة، ليدعو الباحثين المسلمين إلى استلهامه والانخراط في الإصلاح الديني، بعيدا عن المنهجية الكلامية التي طبعت محاولات مفكري الإصلاح، وأيضا بعيدا عما حاوله فلاسفة الإسلام من الغزالي إلى ابن رشد، بل إنه يدعو المفكرين والمهتمين بالشأن الديني عندنا إلى الاستفادة من رؤية روسو وصدقه وصراحته، وذلك لضرورات ثقافية واجتماعية وسياسية؛ أي التفكير في الإصلاح الديني بطرح نفس السؤال الذي طرحه روسو، و هو البحث عن شكل مناسب للتعبد في مجتمع بات يعرف تحولات عميقة، إذ إن وضعية المجتمعات العربية الإسلامية تشبه وضعية المجتمع الذي عاشه فيه روسو.
إن هذه من جانب العروي ناتجة عن قناعته الراسخة أن العقيدة الإسلامية تستحق أن تقدم إلى المسلمين وحتى إلى غير المسلمين في إطار حداثي، مغاير للإطار الذي تعودنا عليه. وهذا التقديم الجديد يستلزم، في نظره، الاطلاع على العقائد الأخرى، ومنها عقيدة روسو.
وتحت عنوان"الفلسفة ورهانات التحديث من خلال ترجمة دين الفطرة." قدم الدكتور نبيل فازيو ورقة علمية، بين فيها أن الغاية من قراءته لكتاب "دين الفطرة' هي التفكير في المكانة التي يتبوأها نص النص في المشروع التحديثي لعبد الله العروي، لاسيما وأن ترجمته أتت في مرحلة من التأليف توجت مساراً فكريا ما حاد صاحبه فيه عن اختياره الأيديولوجي كما عبر عنه في كتابه العمدة في هذا الباب؛ الأيديولوجيا العربية المعاصرة؛ الاختيار الحداثي التاريخاني، الذي يعي وضع التأخر التاريخي بقدر ما يعي القطيعة التي أحدثها التاريخ الكوني مع التراث العربي الإسلامي وأفقه النظري والفكري، ويعول، في الآن ذاته، على استيعاب مكتسبات درس الحداثة الغربية في الخروج من ذلك الوضع.
يمثل كتاب "دين الفطرة "، في نظر فازيو، نصا محوريا من نصوص الحداثة الدينية في العالم الغربي، ويمكن للباحث أن يضعه، من دون كبير صعوبة، في المسار العام لفلسفة الدين الذي ابتدأه نقد اسبينوزا للتراث الديني، في شقيه النصي والطقوسي، لذلك يمكن أن نقرأ في إقدام العروي على ترجمة هذا الكتاب محاولة لتعريف القارئ العربي على نص مفصلي عبر، بعمق ودقة، عن مخاض الحداثة الدينية والسياسية في العالم الغربي خلال القرن الثامن عشر.
من هنا، يعتقد الدكتور نبيل أن وصل دين الفطرة بالمشروع التحديثي للعروي يبقى خير مدخل لفهم فعل ترجمته على هذا النحو، وما إلحاح العروي على الإبقاء على النفس الكلاسيكي للغة روسو، بل واستلاله من سياق تأليفه قبل التشديد على ضرورة وصله به؛ أي بكتابي أيميل وفي العقد الاجتماعي، يبقى العلامة الفارقة على المفعول التحديثي الذي يختزله فعل ترجمة هذا الكتاب.
مما يلفت الانتباه في أعمال العروي، حسب فازيو، أحكامه القاسية على الفلسفة؛ إذ الفيلسوف عنده متطفل بطبعه، يتكلم باسم الثيولوجيا تارة وباسم العلم والفن تارة أخرى، كما أن التحليل الفلسفي يبقى قاصرا على فهم الواقع التاريخي وسيرورته، لذلك يفضل العروي مقاربة قضاياه ومفاهيمه، انطلاقا من زاوية المؤرخ. طالما أن الفلسفة، عنده، تكاد تنصهر في الميتافيزيقا كلما أرادت عقل الواقع وانزلقت به صوب منطق المطلق والواجب؛ أي صوب منطق الاسم على حد تعبيره. في مقابل هذا الموقف المرتاب من الفلسفة، نلاحظ أن العروي اختار نص أحد كبار الفلاسفة الحداثيين، عندما أراد التعريف بموقف الحداثة الغربية من الدين، بل وأعلن أنه ما أقدم على ترجمته إلا سعيا منه إلى الخروج من فتوى ابن رشد والتأسيس لفلسفة دين في العالم العربي، وهذا ما يشي بأن التشنج الذي وسم موقف العروي من الفلسفة قد عرف شيئا من التغير، وأن الفلسفة ما عادت عقيمة في نظره، بل صار من الممكن النظر إليها كمدخل إلى فهم المسألة الدينية في العالم العربي، وعلاقتها القلقة بالحداثة والتحديث.
هكذا، ختم المحاضر مداخلته بمجموعة من التساؤلات يمكن إجمالها في ما يلي: ما الذي تعينه الدعوة إلى تأسيس فلسفة في الدين؟ هل يمكن أن نقرأ في ذلك وعيا، من طرف العروي، بضرورة لانفتاح على المقاربة الفلسفية لفهم المسألة الدينية، بعد أن استنفذ غيرها من المقاربات طاقته المنهجية والمفاهيمية في فهم هذه المسألة؟ ما الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الفلسفة في الترسيخ لأسس الحداثة في العالم العربي عامة، وللحداثة الدينية والسياسية منها على وجه التحديد؟ ما المهام التي يمكن أن يضطلع بها الفيلسوف اليوم، في ظل عودة الديني، في مواجهة معيقات الحداثة والتحديث؟
الدكتورمحمد نعيم/المغرب "العروي و مسألة الإصلاح الديني من خلال تعريبه لمؤلف روسو: دين الفطرة" |
|
الدكتور نبيل فازيو/المغرب "الفلسفة ورهانات التحديث من خلال ترجمة دين الفطرة" |