نقاش حول كتاب "دوائر الخوف، قراءة في خطاب المرأة" لنصر حامد أبو زيد
فئة: أنشطة سابقة
احتضن مقر مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث وجمعية الدراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، يوم السبت 12 نوفمبر الجاري حلقة نقاش حول كتاب "دوائر الخوف، قراءة في خطاب المرأة" لنصر حامد أبو زيد، وحضر اللقاء ثلة من الطلبة والمهتمين.
واهتم المتدخلون في الحوار حول الكتاب بداية بشخصية الكاتب، وتمت الإشارة إلى حياته والمحطّات الكبرى التي رسمت مراحل تكوينه المعرفي والثقافي، والمؤثرات المختلفة التي ساهمت في إنشاء فكره، إلى جانب المواضيع التي اختص فيها بالبحث والدراسة.
ونصر حامد أبو زيد (1943-2010) هو علم مصريّ وأكاديمي متخصص في الدراسات الإسلامية وفي فقه اللغة العربية والعلوم الإنسانية، عرفت حياته مراحل عديدة تكوّنت فيها شخصيّته الاجتماعية والعلمية، وساهم بإنتاجات فكرية كثيرة لازالت تحدث جدلا ونقاشا واسعين في الفكر العربي الإسلامي.
ثم بعد ذلك، تولى ثلاثة متدخّلين من الطلبة قراءة ورقات حول الكتاب، تناولوا فيها تباعا حضور المرأة في الفكر النقدي لأبي زيد من خلال إظهار اعتماد الكاتب على موضوعات تهم المرأة ومكانتها، في السياق المجتمعي والحضاري الإسلامي بالأساس، والتركيز على جملة القضايا التي بدت، بشكل متواصل، في حاجة إلى إعادة القراءة وإعادة الفهم، باعتبارها من صلب السياق التراثي أوّلا، وفي صلب المسائل الحيوية في ارتباط بالواقع الإسلامي الحديث والمعاصر ثانيا. فتمت الإشارة إلى صورة المرأة في المجتمع والخلفيات الذهنية الذكورية المتحكمة في تلك الصورة، وآليات التجاوز التي يطرحها نصر حامد أبو زيد اعتمادا على رصد جملة من المخاوف وكشف مدارات التهويل المجتمعي لكل ما يمكن أن يمس من الناموس التقليدي الذي تأسس عليه التصور القديم للمرأة ولحياتها ولدورها، باعتبارها كائنا لم يستطع تحقيق انعتاقه من سلطة النص ولا من سلطة المجتمع.
وأعقب ذلك تقديم ورقة ثانية، اهتمت بجانب العلاقات النصية والتفسيرية التي أقام عليها نصر حامد أبو زيد فكره النقدي، فاستغل إمكانيات القراءة والتأويل التي يوفّرها النص، ليعالج القضايا الحيوية الحارقة في المجتمع الإسلامي، وتم التركيز على بعض المسائل التي وردت في الكتاب وناقشها نصر حامد أبو زيد باستفاضة، وبنى عليها منهجا تأويليا ينحو منحى القراءة التي تغوص في النص بحيثياته التاريخية والاجتماعية والعقدية، ولكن أيضا، وبالأساس، بما تتيح اللغة وتفكيكها وتحليلها من إمكانيات عريضة لبناء المعنى ونقاش ما هو سائد في الأذهان، وما درج الناس "البسطاء" على فهمه والعمل به، واعتباره غاية التطبيق للفعل الإيماني، دون مراعاة لإمكانيات النص في إتيان معنى آخر لا يكون بالضرورة متساوقا مع المعاني التي طرحها المفسرون والفقهاء. وتم التمثيل على ذلك بمسائل من ضمنها مسألة المساواة في الميراث، تلك المسألة التي عرض فيها أبو زيد قراءته الخاصة بناء على سند النص والواقع.
واهتمت الورقة الثالثة بمسألة التشريع من منظور أبي زيد، وكيف حاول إنتاج نسق تأويلي غير معزول عن إمكانيات التطبيق في الواقع، من خلال مراعاة جوانب البنية التنظيمية والتشريعية التي لا يمكن للمجتمع أن يحقق توازنه بعيدا عنها. وبين المتدخّل كيف أن فكر أبي زيد لا يسعى إلى مجافاة الواقع بقدر ما يسعى إلى إنتاج آليات فهم للتراث ومراجعة للمواقف السائدة بغية إنتاج حلول لا تقطع من النص ولا تقيم جدارا بينها وبينه؛ ولا تخرج بالتالي عن إمكانيات التأويل المفتوحة على معاني متعددة للنص وللأحداث القرآنية التي يختزنها ويحيل عليها. وبالتالي، فإن القضايا التي تبدو تراثية في النصوص يمكن قراءتها بعين تأويلية حداثية وإنطاقها بمفاهيم راهنية لا تقطع النص عن إمكانيات التطور الكامنة فيه. وقدم المتدخل مجموعة من الأمثلة نذكر من بينها مسألة تعدد الزوجات، وكيف أن أبا زيد قدم قراءته في هذا المجال بما يتناسب مع الواقع الحالي للمجتمع الإنساني عموما، والذي ينزع إلى دحض التعدد، وقال بأن القراءة لنص التعدد تحيل في النهاية إلى التجاوز، بمعنى تجاوز التعدد (أربع نساء) إلى الوحدة (امرأة واحدة) دون تجاوز النص أو إلغائه، ولكن يكون ذلك بفهمه فهما معاصرا وإعادة قراءته قراءة منتجة.
ودار نقاش بين الحضور، بعد ذلك، تناول بالتعقيب الكثير من مواطن الاهتمام في كتاب "دوائر الخوف"، وانتظمت مسابقة فكرية تنافس فيها الطلبة حول مضامين الكتاب وهوامشه.