ورشة قراءة في كتاب "نظرية الإنسان في فلسفة الفارابي" للدكتور محمد قشيقش
فئة: أنشطة سابقة
نظمت مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" بمقرها بالرباط، ورشة علمية حول كتاب "نظرية الإنسان في فلسفة الفارابي"، وذلك يوم السبت الموافق ل 14 نونبر 2015، شارك فيها الدكتورمحمد قشيقش، مؤلف الكتاب، والأستاذان أحمد كازا ونور الدين علوش، اللذان تفضلا بورقتين حول الكتاب المذكور.
في بداية الورشة، نبه الدكتور قشيقش على أن بداية اهتمامه بأعمال أبي نصر الفارابي كانت في منتصف الثمانينيات. وقد كانت ثمرة هذه العشرة كتابين وتحقيق نص، فضلا على مقالات متفرقة في فلسفته وآرائه، ومرددا مع إبراهيم مدكور منذ ما يزيد على ثلاثين سنة خلت، بأن الفارابي لم ينل حظه من الدرس والبحث في فلسفته مقارنة بخلفيه ابن سينا وابن رشد اللذين طغيا عليه طغيانا كبيرا .
لقد كان لقاء المؤلف الأول بفلسفة الفارابي لحظة تحضير قول في نص" فصوص الحكم"، وهو اللقاء الذي توطد اشتغاله على كتاب نظرية العلم عند الفارابي. بالإضافة إلى ما سبق، يقول المؤلف إن الذي عزز هذا الاختيار عنده وشجعه على السير فيه، هو هذا الحضور القوي لآراء الفارابي في أعمال اللاحقين عليه، وخاصة في أعمال ابن سينا، والغزالي، و ابن باجة، وابن رشد. وهذا بيّن في أعمالهم .
لكن، بالنسبة إلى المؤلف، فقد طغى ابن سينا على الفارابي، وإن اعترف بأستاذيته والأخذ عليه. وفي أعمال الغزالي أثار فارابية لا يمكن تجاهلها. كما أن ابن باجة وابن طفيل في مقدمة مفكري الأندلس الذين عرفوا للفارابي فضله واعترفوا بالأخذ عنه والإفادة منه، وكذلك العلاقة التي ربطت المتصوفة به ، منهم السهروردي وابن عربي وابن سبعين.
لم يفت الباحث الإشارة إلى أنه قد يحصل للمتفحص في كل ما كتب حول فلسفة الرجل، في شكل مقالات ودراسات ومؤلفات وحاصل عقد الندوات في أعماله، اعتقاد بأن فلسفة الرجل قد قتلت بحثا، ولم تبق قضية إلا وتناولها الدارسون بالنظر والفحص. لكن هذا غير صحيح بالمرة، في نظر الدكتور قشيقش، لأنه مع كل هذا الاهتمام بكل مناحي فلسفة الفارابي، لازال الفضاء شاسعا والمادة غنية بما فيها مراجعة ما أنتج حول فلسفته.
وعليه، يخلص محمد قشيقش في نهاية تقديمه، أن الأمر يتعلق بورش كبير وضروري لتقدم البحث في فلسفة هذا الفيلسوف، وهو ما سيمكن من إنتاج مقاربات جديدة في الموضوعات والمسائل التي سبق وأن تناولها الباحثون بالفحص سابقا، ومن بينها القضية موضوع الكتاب.
بعد هذا التقديم العام، قدم الدكتور أحمد كازا ورقة أشار فيها إلى أن الكتاب يعالج قضية أساسية، تتعلق بنظرية الإنسان عند الفارابي. و يعتبر هذا الموضوع -الإنسان- مركز كل المعارف، لأن الأمر يتعلق بالوجود الإنساني عامة. و في هذا الأفق الإسلامي مع الفارابي، يتمفصل مفهوم الإنسان بين الميتافيزيقي و السياسي –المدني- و ذو صلة بالملة والفلسفة، بالدين و السياسة، و بالذاتي و العرضي.
و أول استفهام يثار، حسب أحمد كازا، هو بأي معنى يمكن أن نتكلم عن نظرية الإنسان في فلسفة الفارابي ؟
وفي معرض إجابته عن هذا السؤال، قال إن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن مفهوم الإنسان ذو وضعية قلقة؛ فهو حاضر و غائب في الوقت ذاته: حاضر كموضوع للتفكير والنظر و الغاية منهما. وغائب لكون هذا الموضوع لم يحتل إطارا خاصا و متميزا به؛ أي قولا نظريا متكاملا، لأن حضوره مجزأ و ممتد ما بين محاور التفكير الفلسفي من معرفة ووجود وقيم: فما مسلك بناء نظرية معينة حول الإنسان؟ هل هذا الطريق حاضر في متن المعلم الثاني، أم إنه من صناعة الكاتب؟
إن الإنسان المشار إليه هنا، حسب كازا، هو ذلك الكائن القادر على تحقيق وجوده الخير، لا الكائن الفرد المنعزل و السلبي، و هو الأقوى على الجمع بين المدني- السياسي والأخلاقي؛ لأن الغرض من بناء مفهوم الإنسان هو سعادة الأفراد و الجماعة ( المدن ). وهذا ما تطلب من الفارابي في نظر الكاتب ضرورة إعادة بناء وترتيب علاقة المـلة بالفلسفة (التوفيق بينهما). المحرك لهذا هو في كيفية الجمع بين الآراء في رأي أفضل، وبين الأفكار في حكمة أجمل وأحسن. لذلك، فنظرية الإنسان تستدعي جمعا بين الميتافيزيقي والمدني. ووصل بينهما؛ أي أن مشروع بناء الوجود الإنساني تطلب من الفارابي البحث عن كيفيات لتبرير ضرورة وجود المدبر الحاكم -الفيلسوف– الرئيس. فهل هذا انتصار للمعرفي و النظري على العملي، أم إمكانية الجمع بينهما؟ و هل طريق الجمع هذا، هو ما يعمل على إخراج الإنسان من وضعيته القلقة؟
وذكر الباحث نور الدين علوش في ورقته، أن الدراسات والأبحاث الخاصة بالفلسفة الإسلامية، شهدت في الآونة الأخيرة اهتماما كبيرا بمقولة الإنسان والنزعة الإنسية، بدءا بأطروحة المفكر الجزائري محمد أركون حول نزعة الأنسنة في الفكر العربي جيل مسكويه والتوحيدي، وبحث الدكتور جورج مقدسي حول الإسلام الوسيطي والنزعة الإنسية، مرورا بكتاب عبد الرحمان بدوي؛ الإنسانية والوجودية في الفكر العربي، وانتهاء بكتاب الدكتور محمد العاتي؛ الإنسان في الفلسفة الإسلامية نموذج الفارابي، وأطروحة الدكتور محمد قشيقش حول نظرية الإنسان في فلسفة الفارابي .
هكذا يعتقد الباحث أن كتاب الدكتور محمد قشقيش" نظرية الإنسان في فلسفة الفارابي" يندرج في سياق اهتمام البحث الفلسفي المغربي بالفارابي، بدءا بعزيز الحبابي والجابري، باعتبارهما من الأوائل الذين دشنوا تقليد الاهتمام بالفيلسوف أبي نصر الفارابي: الأول من خلال بحث أبي نصر الفارابي المنظر للمجتمع المدني المثالي، والثاني من خلال بحثه مشروع قراءة جدية لفلسفة الفارابي السياسية والدينية في إطار مهرجان بغداد حول الفارابي سنة 1975 ، و قد تم نشر البحثين في إطار الكتاب الجماعي؛ الفارابي والحضارة الإنسانية.
واستمرت الدراسات الفارابية مع كل من الباحث عبد السلام بن عبد العالي في كتابه؛ الفلسفة السياسية عند الفارابي، والدكتور محمد المصباحي من خلال كتابه؛ من المعرفة إلى العقل بحوث في نظرية العقل عند العرب، وأخيرا مع كل من الباحث حمو النقاري؛ نظرية العلم عند الفارابي والدكتور محمد آيت حمو؛ الدين والسياسية عند الفارابي؛ وأطروحة الدكتور عبد الله الطني؛ معجم الفلسفة الفارابية.
بعد ذلك، يقول الباحث مع الدكتور محمد قشيقش، إن نظرية الفارابي في الإنسان هي التي عرضها ليس فقط في فلسفته السياسية، بل في فلسفته العملية بشقيها السياسية والأخلاقية، وفي فلسفته النظرية (وأساسا العلم الإلهي، والسيكولوجيا، والبيولوجيا). وهي فلسفة في مجملها حاصل التوفيق بين الفلسفة والدين. كما أن فلسفة الفارابي العملية قد تأسست على مبادئ ونتائج الفلسفة النظرية (الفيزياء، والعلم الإلهي)؛ أي على مبادئ ونتائج البيولوجيا، والسيكولوجيا، والعلم الإلهي. من هذا الأساس استمدت قيمتها وحدودها، وهي الفلسفة التي شيدها من خلال عمل تركيبي إبداعي كان ينتصر فيه في كل مرة لحل أو منحى من النظر الذي يلائم قصده في الموضوع المحدد الذي ينظر فيه. لذلك، لم يكن في مواقفه في الموضوع المحدد أو ذاك تابعا لا لأفلاطون ولا لأرسطو ولا لأفلوطين، تبعية مطلقة، بل كان قارئا حذرا ومؤولا لآراء الفلاسفة بحسب الحاجة والغاية التي كان يرومها، فكان بفعله هذا في المتن أشبه بفعل الحائك أو النساج في النسيج.
بناء على ما سبق، يرى الباحث علوش أن الكتاب يشكل إضافة مهمة للمكتبة الفلسفية العربية، كما أنه يعد مرجعا مهما للباحثين والمهتمين بالفلسفة الإسلامية عامة ولفلسفة أبي نصر الفارابي خاصة.