ورشة نقاش حول موضوع: "ما الّذي يجعل شبابا جامعيّا ينزع إلى التطرّف الديني؟"
فئة: أنشطة سابقة
انعقدت بمقرّ مؤسسة مؤمنون بلاحدود للدّراسات والأبحاث وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، يوم الأربعاء 10 أبريل، ورشة نقاش حول موضوع: "ما الّذي يجعل شبابا جامعيّا ينزع إلى التّطرّف الديني؟" بمشاركة كلّ من الدكتور خالد منتصر من مصر، والكاتب الصّحفي هادي يحمد من تونس، وأدار الورشة الأستاذ نادر الحمامي.
وقد افتتح الدّكتور خالد منتصر مداخلته، بالإشارة إلى أنّ بداية تكوّن تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، لم تشهد مشاركة طلبة جامعيّين، بالنّظر إلى الاعتبار السّائد وقتها بأنّ طالب الجامعة محصَّن، وعنده مناعة ضدّ الأفكار المتطرّفة. ولكن سرعان ما تغيّر ذلك، فبدأ تنظيم الإخوان في استقطاب الفئات المتعلّمة واستمالتها، وكان في مقدّم هؤلاء طلبة كلّيات الطّب، وذوي التّخصّص في العلوم الصّحيحة، وعدّد منتصر الكثير من الأسماء التي حملت الرّيادة في تنظيم الإخوان وكانوا كلّهم أطباء، كما بيّن أثر هؤلاء على الجوّ العام للجامعة، وحرصهم على الانصهار في أوساط الطّلبة لتغيير عقولهم وتوجيه أفكارهم، ممّا أدّى إلى انتشار الحجاب في أوساط الطّالبات، بعد أن كان المشهد العام للجامعة يخلو من ذلك، وتحوّلت الجامعة شيئاً فشيئاً إلى ميدان عمل حركي استفاد منه الإخوان المسلمون في بثّ أفكارهم وتسهيل انتشارها في المجتمع.
وتساءل الدّكتور منتصر من ثمّ، حول السّبب الذي يجعل خرّيجي الكلّيات العلميّة ينخرطون في التّنظيمات المتطرّفة، والحال أنّه من المفروض أن تكون تلك الكلّيات منبع الفكر العلمي الذي يتعارض مع الخرافة و"ضلالات" تلك التّنظيمات، وبيّن أنّ الأسباب وراء ذلك كثيرة ومترامية الأطراف، ولكن بالإمكان اختزالها في بعض النّقاط الأساسية، ومن بينها، تخلِّي الجامعة عن دورها باعتبارها ساحة تبادل حرّ للأفكار، وتحوّلها إلى "زنزانة رأي واحد"، أقرب ما تكون إلى البنية الذّهنية التي تؤسّس لعقليّة أمير الجماعة الذي يُقصي مخالفه؛ حتى صار الطّلبة في الجامعة أشبه بكتيبة داخل التّنظيم، لعدم طرح علامات الاستفهام وتكرار كلمة الثّوابت والبديهيّات والفزع من أيّة فكرة جديدة. كما أشار إلى أنّ من بين الأسباب، طريقة التّعليم الجافّة الخالية من العلوم الإنسانيّة وجدل الفلسفة الخلاّق، وأنّ الأفكار والنّظريّات العلميّة تدرّس، باعتبارها حتميّة مطلقة رغم أنّها نسبيّة، فيتخرّج طالب الكلّيات العلميّة مرهقاً من ماكينة التّعليم الذي يعتمد على الحشو والتّلقين، وغير مستعدّ لتفنيد أو دحض أو تحليل أو مناقشة، ويتحوّل بالتّالي إلى مُستقبِل سلبي، على استعداد كي يكون فريسة سهلة للتّنظيمات الإرهابيّة.
وتناول الكلمة الكاتب الصّحفي هادي يحمد فقدّم مداخلة، اهتمّ فيها بإعادة طرح السّؤال حول الأسباب التي تدفع بشباب جامعي نحو التّطرّف، وبيّن أنّ الإسلام السّياسي والتّيارات الدّينيّة المتشدّدة نشأت وترعرعت في بدايتها في كليّات العلوم والهندسة، ولكنّه اعتبر في المقابل أنّ الجامعات المتخصّصة في العلوم الإنسانيّة ليست في مأمن من تأثير الجماعات الإرهابيّة، وقدّم مثالاً عن ذلك ممّا وقع في كلّية الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة، بُعيد أحداث سنة 2011، حين سيطر عليها الفكر الدّيني المتشدّد، وقام السّلفيون بمحاولات كثيرة لفرض حرية ارتداء النّقاب داخل الجامعة. وانتهى من ذلك إلى القول إنّ ظواهر العنف الدّيني المتمثّلة في تغلغل الحركات المتشدّدة في الأوساط الجامعيّة، وقيامها بعمليات الاستقطاب والتّوجيه والدّعاية في صفوف الطّلبة، تؤدّي إلى محصّلة واحدة بغضّ النّظر إن كان مجال اشتغالها جامعات العلوم الصّحيحة أو جامعات العلوم الإنسانيّة.
وتساءل هادي يحمد انطلاقاً من ذلك حول دور المناهج التّربويّة في الدّول العربيّة في إنتاج الإرهاب، وعرض بعض الأمثلة لدراسات تمّ الاشتغال عليها في بعض مراكز البحوث المتخصّصة في المملكة السّعوديّة، تنتهي إلى اعتبار أنّ نسبة عالية من الذين تمّ استقطابهم من طرف جماعات إرهابيّة وتسفيرهم إلى بؤر التّوتّر، هم من خرّيجي التّعليم العالي، كما اعتمد على دراسة محلّية تتعلّق بتونسيّين ثبتت عليهم تهم الإرهاب ويقضون عقوبة سجنيّة، واستنتج استناداً إلى ذلك أنّ نسب الإرهابيّين من ذوي المستويات الجامعيّة متقاربة بين الدّول العربيّة، رغم اختلاف مناهج التّعليم من دولة إلى أخرى. واعتبر أنّ ارتفاع هذه النّسب ليس دليلاً كافياً على دور المناهج التّربويّة في الإرهاب.