يوم علمي حول موضوع: "أسئلة الجسد في المجتمعات العربية"
فئة: أنشطة سابقة
باحثون مغاربة يسائلون موضوع الجسد بمقاربات متعددة
اجتمع يوم السبت الفارط الموافق لـ06 فبراير(شباط) الجاري، ثلة من الباحثين والأكاديميين المغاربة لمساءلة موضوع الجسد، هذا الموضوع الذي يعد من أكثر الأسئلة إرباكًا في سياقات إنتاج المعنى، ومن داخل مقتربات عديدة، لأنه مثير للاختلاف والخلاف، في تمثله وتدبّره و"استقباله" وقراءته، وقد تمكنوا من مقاربته من أوجه عديدة، منها السيكولوجي، والسوسيولوجي، والأدبي.
وكما جاء على لسان منسق الندوة الدكتور عبد الرحيم العطري، فإن اختيار طرح أسئلة حول الجسد، عوض البحث في أجوبة لصياغة تمثل له من خلال مقاربات عديدة، يعود لكون هذا الأخير يتجاوز بنيته المادية المفتوحة على توصيف "الجسم" الخام، إلى مبناه ومعناه الثقافي المحدد في الجسد، والمثقل أساسًا بِكَثيرِ دلالات ورموز وعَميقِ توترات وتسويات، مما يستدعي طرح مجموعة من الاستشكالات حوله كتمارين وجودية لاستعلاء معنى قد يوحي لنا بأجوبة، ليست بالطبع جاهزة كون موضوع الجسد يمتد في أسئلة المجال والإنسان، التي تتغير باستمرار من مرحلة إنسانية إلى أخرى.
العالية ماء العينين: المرأة في الثقافة الحسانية امرأة لم تحتجب
أكدت الباحثة المغربية الدكتورة ماء العينين، أستاذة الأدب العربي، في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن الصورة النمطية عن الرجل الصحراوي والمرأة الصحراوية تتجلى في رجل يلبس جلبابا فضفاضا وامرأة تلبس ما يسمى بالملحفة، وهنا نتحدث عن جسد غائب. غير أن مفارقة الواقع
للصور المتمثلة عن المرأة الصحراوية تتجلى في كون هذه الأخيرة لم تحتجب، وأن جسدها مرتبط أكثر بالظهور، يقول الشيخ الإمام: "والأغلب في نساء القطر عدم الاحتجاب وأغلبهن العفة وعزوف النفس عن الفاحشة، أما نساء الزوايا فكثير منهن يحتجبن". فعندما أراد أن يتحدث الشيخ إمام بعلمية، تطرق لنساء الزوايا اللواتي يحتجبن، وأكد أن المرأة الحسانية لا تحتجب في الفضاء الصحراوي.
وأضافت على أنه بالرغم من أنّ الجسد مصدر دائم للقلق الفكري بسبب أسئلته المربكة وحمولاته الثقافية التي تتأرجح بين الانصياع والانزياح، إلا أنّ التفكير فيه والكتابة عنه والبحث في دلالاته لم يتوقف ولم ينحصر في مقاربة بحد ذاتها. وقد لقي "الجسد" في الثقافة العربية والإسلامية عنايةً مهمةً، تجلت في النصوص الإسلامية المقدسة والكتابات التي جعلت من الحب والمرأة والجنس موضوعات لها، خصوصًا عند "فقهاء الحب" les théologiens de l’amour بتعبير مالك شبل. وقد عرفت العقود الأخيرة تزايدًا في الاهتمام بهذا الموضوع وفي سياقات متنوعة ودراسات حاولت أن تبحث في "الجسد الخاص" الذي يشكل "الفرق" أو الخروج على "النموذج" ويُترجِم "التنوع". وهذا "جسد" قلما نجده في "الثقافة العالمة"؛ إلا أنّه حاضر وبقوة في الخطاب التخييلي الشعبي والطقوس التي يكون الجسد محورها الأساس والغناء وأعراف الزواج والعادات... وغيرها من تجليات الخصوصيات الثقافية والاجتماعية .
عمر بنعياش: الجسد قصة لم تكتمل وفهمه هو نفسه فهم العالم
انطلق الدكتور عمر بنعياش، أستاذ علم الاجتماع جامعة محمد الخامس الرباط، في مداخلته من سؤال ما الجسد؟ واعتبر أن فهم العالم هو نفسه فهم للجسد، بناء على النسق الذي قدمه الفيلسوف الفرنسي دافيد لوبروتون في كتابه" سوسيولوجيا الجسد، والذي أشار فيه أيضا إلى أن يمتلك الفرد مادة وجوده حسب وضعه الاجتماعي والثقافي وصورته في عيون الآخرين عبر الجسد. فموضوع الجسد يخترق كل أشكال التعبير الوجودية، فبالفعل في كل مقطع زمني أو مرحلة تاريخية أو مفترق طرق، يظن معشر البشر، ونحن العرب جزء منهم، أن القصة انتهت والصورة اكتملت وتضحت، فإذا بهم يواجهون بواقع جديد مستعصي عن الفهم، والإشارة هنا خاصة بما يقع في العالم العربي، ويقصد هنا الباحث بنعياش بالمقطع الزمني الدوار، ويضيف أننا اعتقادنا في زمن ما أننا ذات عصر قطعنا مع فلسفة أرسطو الكليانية والذي يقال مما قاله أنه ينبغي أن ننظر لجسد الأنثى على أنه تشوه خلقي، غير أن الكثير ما نراه في العالم العربي اليوم يعبر عن عودة قوية لمقاطع زمنية، تعيد إنتاج نفسها بأشكال فادحة ومنها تصورنا حول جسدنا.
ركز بنعياش على فكرة أنّ موضوعة الجسد هي من أكثر الموضوعات شساعةً والتباسًا خاصةً في المنتوج الفكري العربي الإسلامي، وتركز اهتمامها بشكل خاص على ما يسمى ب"الرواسخ" التي تصمد بقوة، ظاهرة تارةً ومستترة تارةً أخرى، في وجه التاريخ، وتظل تهيكل المخيال الجمعي لشرائح مختلفة من المجتمع بدرجات متفاوتة.
وانطلاقًا من أنّ المغرب بلد مثله مثل سائر البلدان العربية وغير العربية يحمل "ذاكرة ثقافية" يمثل فيها الجسد مكونًا أساسيًّا، قدم بنعياش ملاحظة مباشرة من الميدان لظاهرة اجتماعية لافتة للنظر في المجتمع المغربي يتم التركيز فيها على جسد المرأة، ومحاولة فهمها وتشريحها.
إجمالا قدم بنعياش ملاحظات حول تمثلات الإنسان العربي للجسد والتحديات الثقافية والحضارية التي تواجهه في هذا المضمار، وتنطلق من فكرة أنّ هذا الإنسان العربي ( المأزوم) يبني علاقة ملتبسة بالجسد، سواء تعلق الأمر بجسده الخاص أو بأجساد بشرية أخرى، دون أن يهتدي لمصدر هذا الالتباس ومنشئه، وهي الحالة التي وصفها الباحث والمفكر السوري هشام صالح بـ"الانسداد التاريخي". ولعل ذلك ما يفسر إلى حد ما فشل الإنسان العربي في بناء علاقة واضحة مع الجسد يعبر بها من وعي قادم من الزمن الماضي إلى وعي تنويري يتطلع نحو المستقبل.
عبد اللطيف كيداي: إلى أي حد الفرد مسؤول عن جسده؟
انطلق الدكتور عبد اللطيف كيداي، أستاذ علم الاجتماع، جامعة محمد الخامس، الرباط، من أسئلة إلى أي حد الفرد مسؤول عن جسده؟ أو عن جسد ليس هو جسد أصلي؟ من الناحية الأخلاقية هل أنا حقا مسؤول عنه، خلافا للناحية البيولوجية. التحكم في الجسد ليس فقط من الناحية التكنولوجية بل الأيديولوجية لها أيضا هذه القدرة الخارقة، فهناك أشخاص أفنوا هذا الجسد لإيمانهم بفكرة معينة(العمليات الانتحارية أنموذجاً).
كما حاول من خلال ورقته توصيف العلاقة الملتبسة في كثير من الأحيان بين الشباب وجسده ضمن سياق اجتماعي صار فيه الجسد جزءًا من الرأسمال الاجتماعي والرمزي للأفراد، سواء تعلق الأمر بالبيت "مؤسسة الزواج" أو العمل أو الشارع... تبعًا لثنائية الخضوع والتمرد التي ترتبط من جهة بمتطلبات الحداثة وظواهر التحضر وإكراهاتهما، ومن جهة أخرى بتمثلات الثقافة الاجتماعية، وما تفرضه من قيود وإكراهات تجعل من الرغبة الشبابية في إعادة تشكيل الهوية الجسدية معاناةً وجوديةً ليس إلا.
جمال بوطيب: البحث في الجسد في الثقافة العربية يعرف اضطرابات
البحث في الجسد بصفة عامة، يعرف اضطرابات تتجلى في تركيزه على الجسد الأنثوي، كما أن كثيرا من الباحثين العرب يبثون مغالطات حول الجسد بسبب سوء فهم، أو سوء تلقي، أو غيره، لذلك انطلق الدكتور جمال بوطيب من فرضية مؤداها أنّ النصوص الروائية العربية تناولت الحضور الجسدي في بعديه الدالي والمدلولي، أما في بعده المرجعي، فلم تنجح إلا نصوص روائية عربية قليلة في هذا المسعى والسبب يوجد في نصية الرواية لا في المرجعية الفكرية للروائي، ومن خلال هذا الاستحضار الاستثنائي في بعض النصوص الروائية العربية المتميزة يتم تحليل أنماط الجسد في الرواية العربية ومن خلال النظرة العربية الإسلامية للجسد في مختلف تجلياته.
اشتغل بوطيب في مداخلته بآليات التحليل "العلامي" وركز على متون مكتوبة في مراحل زمنية روائية عربية مختلفة وموقعة من طرف أسماء ذكورية وأنثوية رامزة، للوصول إلى مجموعة من النتائج جمعت في ما تم تسميته بالجسد الروائي العربي.
عبد الرحيم عنبي: الجسد الأنثوي في الثقافة العربية الإسلامية ظل محكومًا بالسياج الفقهي
قال الدكتور عبد الرحيم عنبي أن هناك قهرا ممارسا على المرأة، وهذا القهر هو الذي يجعلها تغير من جسدها، وأضاف أن حضور الجسد الأنثوي في الثقافة العربية الإسلامية، ظل محكومًا بالسياج الفقهي، الذي جعلت سلطته من الجسد الأنثوي مجرد أداة للإنتاج البيولوجي، مستندًا في ذلك على النص القرآني "نساؤكم حرث لكم"، هذا التصور جعل الحديث عن الجسد الأنثوي، محصورًا في الجوانب الدينية والغيبية ثم في الوظائف البيولوجية والسلوكية والجنسية. أما فيما يتعلق بحضور الجسد في علم الاجتماع، فقد حظي باهتمام كبير، وعدّ من أهم المواضيع التي شغلت بال المؤسسين لعلم الاجتماع؛ حيث تم التعاطي مع الجسد من طرف كل من كارل ماركس وماكس فيبر وإميل دوركهايم، بالإضافة إلى باقي علماء الاجتماع، الذين ركزوا على الجسد باعتباره موضوعًا للبحث، مما جعله يأخذ مساحة مهمة في تناول القضايا المتعلقة بالصحة والمرض والموت واللغة والوعي. لقد زادت الثورة التكنولوجية من حدة صناعة الجسد الأنثوي والمتاجرة فيه ليأخذ مسار المتعة، في هذا الإطار بات الجسد الأنثوي في سياق الثقافة العربية الإسلامية يعرف انتقالاً على مستوى استخداماته، حيث صار الاهتمام به واضحًا. فضلاً عن أنّه أضحى يرسل خطابات المتعة بشكل واضح داخل الفضاء العام. وعليه سوف أعالج ضمن هذا البحث مسألة التعامل مع الجسد الأنثوي بالجنوب المغربي من منظور سوسيولوجي.
خلود السباعي : جسد المرأة اليوم أصبح ضد الأمومة وضد الرجل
انتقل الحضور مع الباحثة خلود، وهي أستاذة علم النفس الاجتماعي، من خلال طرحها لنسق صورة، عبر براديغم أسست من خلاله الدكتورة خلود صورة عن كيف تتمثل المرأة صورة جسدها اليوم. مشيرة أن المفارقات التي خلقتها التغييرات التي تعيشها المرأة جعلت من جسدها اليوم جسد ضد الأمومة وضد الرجل.
كما انطلقت الدكتورة خلود من مبدأ مفاده أنه إذا تمكنت النساء في مناطق متعددة من العالم بفعل التمدرس، التأهيل، والشغل، من الحصول على نسبة مهمة من الحقوق وتحقيق قدر لا يستهان به من المكتسبات. مما ساهم في سعيهن نحو الدفاع عن قيم جديدة ترتبط بالهوية الأنثوية، سواء في شقها البيولوجي الذي يحيلنا على الجسد الأنثوي، أو في شقها السوسيوثقافي، بما يحيل عليه من أنساق علائقية مع العالم والذات. إلى أي حد ساهمت هذه التحولات في تخليص المرأة من وثن / قيد الجسد؟ وتمكينها من بلورة تمثلات إيجابية عن "صورة الجسد"؟ و إلى أي حد تمكنت النساء في ظل العالم الحداثي المعاصر من تحقيق الاستقرار والاطمئنان الوجداني بعيدًا عن مرجعيات العقلية الذكورية ؟
الدكتور عياد أبلال: الجسد العربي آليةً سياسيةً وثقافيةً للانتقام والتجريج
عالج الدكتور عياد أبلال، أستاذ علم الاجتماع، واقع الجسد العربي باعتباره آليةً سياسيةً وثقافيةً للانتقام والتجريج والقتل كلما خرج عن المألوف والمتعارف عليه في الثقافة التقليدانية. فإذا كان هذا الجسد هو الوسيط العلائقي بين أفراد المجتمع ومرآته ثقافياً، فإنّ رصد واقعه وتحولاته هو رصد في العمق لهذه الثقافة في تجلياتها اليومية. وتشكل المرجعية الدينية للجسد واحدة من أهمّ موجهات الفعل الاجتماعي وشرطاً جوهري
أحمد شراك: يتموقع الجسد الإسلامي بين الإضمار والإظهار
تمحورت مداخلة الدكتور أحمد شراك حول مسألة انّ الإشكالية المطروحة في مقاربة الجسد الإسلامي هي تلك العلاقة المؤرقة بين الإضمار والإظهار في الجسد وتحديدًا في لغة هذا الجسد وثقافته، والتي لا تتجسد حقًّا إلا في الارتداء وفلسفة اللباس من خلال عنوانه ومختلف فتحاته أو منغلقاته ومختلف أطراسه أو التباسه بين الشفافية والعتمة أو انزوائيته أو اختفائه ... لعلها علاقة استشكالية اختلفت القراءات والمناولات في تحديد رؤيتها أو الرؤية إلى العالم
عبد الرحيم العطري: في سجل الولاية تحضر غرابة الاشتغال على الجسد بتعذيبه وترويضه
قال الدكتور عبد الرحيم العطري، وهو أستاذ علم الاجتماع، إنه في سجل الولاية تحضر غرابة الاشتغال على الجسد بتعذيبه وترويضه، والتي تفيد بعدًا في تجذير النفوذ والمكانة الرمزية، ذلك أنّ الإمعان في تعذيب الجسد، والصبر على التنكيل به، يعد كرامة تحسب للولي، وتزيد من حظوته وحضوره في سجل التنافسات الكراموية.
ولهذا يلاحظ، يضيف الدكتور العطري، أنّ الأتباع وأتباع الأتباع لا يجدون بدًّا من تعذيب الجسد، أملاً في "كسب" الاعتراف و"تحيين" الاعتراف أساسًا ببركة الولي، واستمراريتهما في الزمان والمكان. يصدق هذا تحديدًا على حفدة سيدي الهادي بنعيسى أو بويا رحال الذين يقدمون ويشهرون بركتهم عبر أجساد خارقة تستطيع تحمل لدغات الثعابين والأفاعي، وتقدر على شرب الماء الساخن وتَحَمُّل الانجراحات بواسطة الزجاج والسكاكين. ومنه يصير الجسد المعذب والمنكل به في هذه الحالة مدخلاً لكسب الاعتراف وتأكيد الكرامة والبركة، فهذا الوسيط المادي الذي يُجسر علاقة الفهم والقبول بين الرمزي والمادي، إنّه العلامة الدالة التي تتوسط وتزيل الالتباس القائم بين عالمين: الأول واقعي يمكن إدراكه وتلمسه، والثاني رمزي تتكثف فيه المعاني و تكاد لا تبين إلا بمفتاح الكشف والبرهان.