تُعدُّ ظاهرةُ التديّن ظاهرةً مركبةً ومعقدةً بامتياز، يتداخل فيها ما هو تعبّدي محض، وما هو اجتماعي، وثقافي، واقتصادي، وسياسي؛ لذلك كانت الحاجة ماسّة إلى دراسة الظاهرة في شموليّتها، دون الاقتصار على دراسة الجانب الاعتقادي، وانعكاساته السياسية، كما تذهب إلى ذلك بعض الدراسات الاجتماعية في هذا المجال، حيث لا تكتمل ملامح الظاهرة إلا بإخضاعها للدراسة في أبعادها كافةً، بدءاً من الجانب الشعائري التعبّدي، مروراً بما هو ثقافي اجتماعي، وما هو بنائي وهيكلي، وصولاً إلى ما هو سياسيّ اقتصادي. مع ملاحظة أنّ ترتيب هذه الأبعاد قائم على اعتبار هذه الفضاءات منفتحة على بعضها بطريقة أفقيّة متداخلة يصعب ترتيبها بشكل هرميّ حاسم.
تمثّل دراسة الحالة الدينية في مصر، التي أنجزتها مؤسسة (مؤمنون بلا حدود)، بالتعاون مع مركز (دال)، إضافة تراكميّة إلى ما سبق من دراساتٍ في هذا الصدد، حيث جاءت الأبحاث، التي تضمّنها العمل، متسمةً بالطابع الوصفي الدقيق، والتحليل العلمي المنضبط لأنماط التدين ومؤسساته كافةً في مصر، أنتربولوجياً، وسوسيولوجياً، وسياسياً؛ لذا يأتي هذا العمل عن الحالة الدينية ثمرةً لنتائج الدراسات السوسيولوجية، التي أُنتِجَت حول (وحوالي) الفترة التي تناولتها الأبحاث، من أجل رصد معالم التطوّر والتغيّر، التي لحقت بالتوجّهات الدينية في مصر.
إنّ القيمة المضافة لهذا العمل الموسوعي تكمن في محاولته القيام بالربط بين مسارات تلك الدراسات ونتائجها من جهة، وبين الوقائع الموضوعيّة القائمة على المعطيات المادية، والهيكلية، والإجرائية، لمعطيات التدين من جهة أخرى.
يستهدف هذا العمل أن يوفّر للباحثين والمهتمّين مخزوناً معرفياً توخّى التجرّد عن المحاكمات التقييمية، حتى يتيح فرز حقول اشتغالٍ، وإشكالاتٍ جديدة، تبحث في تداخلات الحقل الديني مع سياقات المجتمع المحاذية له، كما يكشف، في الآن ذاته، عمق التحديات الماثلة أمام الباحث الاجتماعي، فيما يتعلق بالمنهجيات، والمقاربات، التي تتصدّى لفهم ما هو قائم بالفعل، ومن ثَمَّ استشراف ممكنات تطوّره، أو تطويره، ضمن النسق المجتمعي العام.
يشتغل هذا العمل على المرحلة الزمنية (2010-2014م)، وهي الفترة التي يحاول الباحثون الانضباط في إطارها، وعلى الرغم من أنّ الكشف عن مسارات التطوّر قد يتطلّب الكشف عن سياقات زمنية متداخلة مع هذه الحقبة، تظلّ هذه الحقبة تشكّل الإطار الزمني المرجعي، الذي تُستعرض وتُنسج، في ضوئه، المؤشرات الخاصة بالحالة الدينية في مصر.
بالإضافة إلى الملخّص التنفيذي، والمقدمات، جاء هذا العمل مقسّماً في سبعة مجلدات: