محاضرة عالم الاجتماع إدريس بنسعيد: "الدين والتدين في المجتمع المغربي"
فئة: أنشطة سابقة
ألقى عالم الاجتماع المغربي، الدكتور إدريس بنسعيد محاضرة في موضوع: "ملاحظات حول الدين والتدين في المجتمع المغربي"، بمقر صالون جدل الثقافي التابع لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، مساء السبت 8 مارس الجاري، في لقاء أطره الباحث يونس وكيلي، رئيس قسم القراءات الحداثية للدين بالمؤسسة، وتميز بحضور أساتذة وباحثين متتبعين للتحولات التي طالت الشأن الديني في المنطقة العربية عموما، ولو أن المحاضر أكد في بداية كلمته أنه سيتوقف عند علاقة الدين بالتدين في الحالة المغربية فقط؛ بمعنى أن المجتمع العربي والإسلامي لا يدخل في صلب مضامين محاضرته التي أبهرت الحضور، والتي قارب بها الموضوع من خلال تخصصه الرئيس، علم الاجتماع.
وسعت المحاضرة إلى طرح تساؤلات على العقل السوسيولوجي حول مدى قدرته على المساهمة في فهم وتحليل ظواهر لا يتوفر بصددها تراكم نظري في الأدبيات السوسيولوجية الكبرى، لأسباب متعددة لعل أهمها خصوصية العلاقة بين الدين والمجتمع في الإسلام، مفتتحا أرضية اللقاء بالأسئلة التالية: هل يتعلق الأمر بإسلام معياري يشتغل خارج الزمن والتاريخ أم بأشكال مختلفة للتدين، افتتحت طرقا ومسارات مختلفة، لترتيب العلاقات المعقدة ما بين الاقتصاد والسياسة والمجتمع والدين؟ ما هي الوضعية الحالية لدراسة الدين من وجهة نظر سوسيولوجية، وهل تسعفنا هذه الاجتهادات في بناء نماذج "علمية" تحليلية ملائمة؟ بأي معنى يمكن الحديث عن إسلام مغربي أو مغاربي؟
وفي معرض الرد على هذه الاستفسارات، أكدالدكتور بنسعيد أننا إزاء مشهد بالغ الدقة والتعقيد، ويصعب على الباحث فهمه وترتيبه، فالأحرى الحسم فيه، مضيفا أن الموضوع لا تتوفر حوله تراكمات نظرية بسبب خصوصية العلاقة بين الدين والتدين في التداولي الإسلامي، ومؤطرا كلمته بسؤالين محوريين ومهمين للغاية، هما:
ـ ما هي حدود وإمكانيات التحليل السوسيولوجي لفهم الدين والتدين؟ وهل الأمر ممكن نظريا أم غير ممكن؟
ـ ما هي مشروعية السوسيولوجيا نفسها، ما دام البعض يطعن في هذه المشروعية، بمعنى آخر، السؤال هنا موجود حتى في داخل نقاش إبستمولوجي.
كما أطر بنسعيد قراءته للموضوع بالتوقف والارتكاز على سبق أعمال أحد رموز علم الاجتماع: إميل دوركهايم، والذي حدد مجموعة من الشروق قبل تناول أية ظاهرة مجتمعية، ولخصها بنسعيد في شرطين أساسيين: شيئية الظاهرة الاجتماعية، والمجتمع هو مصدر كل الظواهر الاجتماعية، بما فيها الظواهر الدينية، بما يتطلب الاستفسار عن مدى جدوى تحليل الظواهر الدينية تحليلا سوسيولوجيا، أم تحليلا مؤسسا على قواعد أخرى لا علاقة لها بالتحليل السوسيولوجي، وطالب الحضور بالتوقف عند كتاب حديث الإصدار ألفه إدغار موران وطارق رمضان، والذي يتوقف عند إشكاليات وقلاقل التحليل السوسيولوجي للظواهر الدينية.
بخصوص تواضع التراكم النظري في تناول الدين والتدين، محليا؛ أي مغربيا، فقد صنف المحاضر أهم ما صدر حول الموضوع في ثلاث خانات أساسية:
ـ هناك أولا الإصدارات الصادرة عن السوسيولوجيا الكولونيالية، أثناء المرحلة الاستعمارية والبعثات العلمية، مستشهدا برحلة شارل دوفوكو مثلا، والتي ركزت خصوصا على التصوف والطرائقية، وتساءلت عن مدى قدرة هذا النمط من التدين على التدجين والضبط في الوسط القروي، والارتباط الوثيق بالمهن والحرف في الوسط الحضري، مؤكدا أن هذه الدراسات لم تشتغل على الدين كدين، وإنما اشتغلت على مظاهر ومقتضياته الاجتماعية.
ـ وهناك ثانيا السوسيولوجيا والأنثروبولوجية الأنغلوساكسونية، والتي اشتغلت على الدين من منظور وظيفي (لا يهم الدين كدين، وإنما وظيفته)، متوقفا عند أعمال إرنست غيلنر وكينيث بروان وديل إيكلمان وغيرهم كثير.
ـ وأخيرا، هناك أطروحات السوسيولوجيين المغاربة، على قلتهم، وتبقى دراسات قليلة حسب المحاضر، وخص بالذكر الأعمال التي اشتغلت على السؤال القيم عند الشباب المغربي (دراسة مرجعية ألفها الثلاثي رحمة بورقية، مختار الهراش والمحاضر)، أو دراسة حول القيم الدينية عند الشباب المغربي و(ألفها الثلاثي رحمة بورقية ومختار الهراس وحسن رشيق)، كما نوه أيضا بالعمل المرجعي الذي صدر عن الثلاثي محمد الطوزي وحسن رشيق والراحل محمد العيادي، والذي يشتغل على الممارسات الدينية اليومية للمغاربة (صدر بالفرنسية العربية).
وأقر المحاضر بوجود صعوبات كبرى بالنسبة للتحليل السوسيولوجي، تروم توفير الأطر النظرية الكافية لإحداث تراكم كمي ضروري في الدراسات والأبحاث الخاصة بالدين والتدين، والأدهى، يضيف بنسعيد، أننا نعاين تماسا بين الدين والتدين، إلى درجة أنه كثيرا ما يوصف التحليل السوسيولوجي بأنه يمس بالدين نفسه، بما يزيد الوضع تعقيدا.
توقف المحاضر عند عائق آخر، لا يقل أهمية يمس التحليل السوسيولوجي للدين والتدين في الساحة المغربية، وهو أنه ينهل من مرجعيات غربية، يقصد الأطر النظرية المتوفرة (الماركسية والفيبرية مثلا)، اشتغلت على الدين المسيحي، كدين مؤسسات، هناك في الغرب حيث توجد الكنيسة والمجتمع، وحيث يمكن الجمع أو الفصل بينهما، بخلاف السائد في المغرب مثلا، وعند المسلمين عامة، حيث لا نجد ذلك الانفصام بين الدين والسياسة والاجتماع، ليس هذا وحسب، يضيف بنسعيد، بل إن الجواب على السؤال المركزي: أين الإسلام في المجتمع المغربي مثلا، جوابه أنه لا يوجد في أي كان، ولكنه موجود في كل مكان.
واختتم المحاضر كلمته بتذكير الحضور والمتتبعين بأهمية التحليل السوسيولوجي الذي أصبح واهنا أكثر من أي وقت مضى، بالنظر إلى سياق اللحظة الحضارية، محليا وإقليميا، من أجل قيام مجتمع على أساس تعاقدات جديدة، نقبل فيها بالاختلاف.