اللّقاء الحواري حول كتاب "De l’islam d’hier et d’aujourd’hui" (في إسلام الأمس واليوم)
فئة: أنشطة سابقة
انتظم بمقر مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، يوم الخميس 4 يوليوز الجاري، لقاء حواري حول كتاب "De l’islam d’hier et d’aujourd’hui" (في إسلام الأمس واليوم) بحضور صاحبه الأستاذ محمد الشّريف فرجاني، وقراءة في الكتاب قدّمها الأستاذ فريد بن بلقاسم، وأدار اللّقاء الأستاذ نادر الحمّامي.
أشار الأستاذ فريد بن بلقاسم في البداية إلى أنّ اهتمامه بالكتاب قد انقسم إلى قسمين بحسب ما يشير إليه العنوان، ليتعلّق القسم الأوّل بإسلام الأمس في حين يتعلّق القسم الثّاني بإسلام اليوم، واعتبر أنّ مفهوم الإسلام مفهوم متنازع عليه، سواءً في الماضي أو في الحاضر، ما يجعل الحاجة ملحّة لتعريفه، متسائلاً حول كيفيّة ضبط مفهوم معيّن للإسلام، يخرج به عن التّعريفات النّمطيّة الموجّهة التي أسقطته دائماً في التّوظيف. واستحضر من ثمّ مثال السّقيفة، مبيّنا أنّ تلك الأحداث الفارقة التي واجهها المسلمون بعد وفاة الرّسول لم تعرف الاحتجاج بالنّص، ولم توظّفه في الصّراع على السّلطة، وأنّ توظيفه بدأ بعد ثلاثة عقود من ذلك الوقت، بداية مع معركة صفّين، وعقّب بن بلقاسم على ذلك مستنتجاً أنّ عدم توظيف القرآن مبكّراً في الصّراع السّياسي يعود إلى أنّ المصحف لم يُجمع بعد، ولم تتكوّن الحجّة به إلاّ بعد جمعه، وظهور علوم القرآن، التي رسّخت نمطيّة ما في التّعامل مع النّص، لا تزال قائمة إلى اليوم؛ قائلاً: "إنّ العقل العربي الإسلامي مازال إلى اليوم يتعامل من منظور ما رسّخته الإبستمولوجيا التّقليديّة في الرّؤية إلى القرآن"، ليطرح من ثمّ السّؤال: كيف يمكن أن نتحرّر من الرّؤية التّقليديّة في التّعامل مع القرآن نحو طرح إشكالات معرفيّة أخرى بعيدة عن منطق تسييس النّص الدّيني؟
وتناول الكلمة صاحب الكتاب الأستاذ محمّد الشّريف فرجاني، فاهتمّ بمسألة طرح مفهوم للدّين، معتبراً أنّ ذلك لا يتحقّق إلاّ عبر المقارنة بين الأديان، لأنّ من طبيعة كلّ دين أن يعرّف نفسه، بشكل مطلق على أنّه يمثّل الحقيقة الواحدة، بينما يتطلّب التّعريف إيجاد مفهوم خارج الخصوصيّة الإيمانيّة لدين بعينه، وينطبق في الوقت ذاته على جميع الأديان. وأشار إلى أنّ معظم الدّراسات السّوسيولوجيّة والفلسفيّة التي اهتمّت بالدّين في الغرب والشّرق، دون استثناء المصادر الإسلاميّة الأولى التي اهتمّت بالدّين، قد قامت كلّها على المقارنة، إلاّ أن الإشكال الذي يُلاحظ فيها أنّها لم تعتمد في ذلك مقاييس واضحة ومضبوطة، ما أوقعها في أخطاء كثيرة، سواء من حيث المنهج أو النّتائج. وقال فرجاني: "حتّى لا تكون المقارنة بين الأديان "عرجاء" لا بدّ أن تتمّ في علاقة بالقضايا نفسها، وفي سياقات تاريخيّة موحّدة بين جميع الأديان"، منطلقاً في ذلك من أمثلة كثيرة تمّت فيها المقارنة بين الأديان، دون مراعاة سياقاتها المختلفة تاريخيّاً وموضوعيّاً، مؤكّداً ما أفضى إليه ذلك من حيف وظلم في حقّ الكثير من الشّعوب التي تقاس أديانها بمعايير الخطأ والصّواب، والحال أنّ جميع الأديان تشترك في فكرة المقدّس، على اختلاف تعبيراته وطقوسه، إلى جانب اشتراكها جميعاً في البحث عن المعنى وتحقيق الخلاص الأخروي. واعتبر من ثمّ أنّ الإشكال في جميع الأديان والإيديولوجيّات هو أنّها تميل إلى التّسامح عندما تكون في وضع أقلّي، بينما هي أمْيلُ إلى الاضطهاد حين تكون في وضع قوّة.
وحول سبل التّحرّر من الرّؤية التّقليديّة التي كرّست توظيف الدّين لأغراض سياسيّة، أشار فرجاني إلى أنّ السّيرورة التّاريخيّة التي مرّ بها القرآن، كانت مؤثّرة على النّص، في سياق تحويله من خطاب شفويّ إلى مصحف مكتوب، ولم تخل بالتّالي من تدخّل بشري، محكوم بغايات سياسيّة وسلطويّة لا علاقة لها بجوهر الدّين. واعتبر أنّ التّعامل الحديث مع القرآن يجب أن يستبطن جميع ما أحاط به من ظروف ووقائع، واعتبارها جزءاً من النّص، ما من شأنه أن يوسّع أفق قراءته، ويحدّ من توظيف الإسلام في سياقات خارج فكرة الإيمان ومبدأ الخلاص الفردي التي يشترك فيها مع بقيّة الأديان الأخرى. وأكّد من ثمّ أنّ اهتمامه بالإسلام في هذا الكتاب لا يعني الإسلام في كلّيته، وإنّما هو اهتمام ببعض المظاهر المؤثّرة فيه، وبعض القضايا التي تعكس واقع المسلمين في التّعامل مع فكرة الدّين، وأنّه لذلك حدّد العنوان بـ ''في إسلام الأمس واليوم''.
وأثار الأستاذ نادر الحمّامي ملاحظتين حول السّياق الذي يتنزل فيه كتاب محمّد الشّريف فرجاني، خصّ الأولى بنوع من المقارنة مع كتاب برنارد لويس (Bernard Lewis) (L'Islam d'hier à aujourd'hui) "الإسلام من الأمس إلى اليوم"، ليبيّن أنّ المقاربة التي اعتمدها فرجاني في كتابه مخالفة تماماً لمقاربة لويس التي تنطلق من فكرة أنّ الإسلام، بخلاف المسيحيّة، حافظ على ذات الملامح والمقومات منذ القديم وصولاً إلى العصر الحالي، وبالتّالي فلا يمكنه أن يتقبّل منظومة الحقوق الكونيّة التي جاءت بها الحداثة، واعتبر الحمّامي أنّ هذه المقاربة ماهويّة وتنتهي إلى تكريس مقولة الاستثناء الإسلامي التي يدحضها فرجاني في كتابه، ثمّ أشار في الملاحظة الثّانية إلى ضرورة تدريس الأديان بطريقة علميّة، والابتعاد عن تدريس التربية الاسلاميّة والتّفكير الإسلامي، لأنّ ذلك ينتهي إلى الانغلاق داخل بوتقة الإسلام فقط، ما ينتج عنه الجهل بالأديان الأخرى، وبالتّالي احتقارها وتكفيرها.
وتفاعل الحضور في النّقاش مع ما تمّ طرحه من أفكار، وعلّق البعض على عوامل فشل النّماذج التّحديثيّة في العالم العربي والإسلامي بفعل القراءة المنغلقة للدّين، وسيطرة فكرة الثّواب والعقاب على البنى الذّهنيّة، ممّا جعل المجتمعات العربيّة غير مستعدّة لخوض نقاشات معمّقة حول المسائل الدّينيّة. كما أشار البعض الآخر إلى الخطر الذي مثّله الإسلاميّون بفكرهم المنغلق والمعادي للقانون الوضعي على التّمثّل السّليم لمنظومة الحقوق الكونيّة. وتمّ طرح بعض الأفكار بخصوص مسألة القطيعة مع الموروث الدّيني، ومدى استجابة الواقع العربي والإسلامي لشروطها.