اللّقاء الحواري حول كتاب: "ميراث النّساء ووهم قطعيّة الدّلالة: تلك قسمة ضيزى"
فئة: أنشطة سابقة
اللّقاء الحواري حول كتاب:
"ميراث النّساء ووهم قطعيّة الدّلالة: تلك قسمة ضيزى"
انتظم بمقرّ مؤسسة مؤمنون بلا حدود وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، الخميس 16 مايو الجاري، اللّقاء الحواري حول كتاب: "ميراث النّساء ووهم قطعيّة الدّلالة: تلك قسمة ضيزى"، بمشاركة المساهمين في الكتاب؛ الأساتذة: نائلة السليني، والمنجي الأسود، وفريد بن بلقاسم، وعبد الباسط قمّودي، وأدار اللّقاء الأستاذ نادر الحمّامي.
وانطلقت الأستاذة نائلة السلّيني من تقديم الكتاب، وظروف تأطيرها لهذا العمل، والرّؤية العامّة التي تمّ الالتزام بها منهجيّا، من منطلق تبسيط المسائل والمرجعيّات التّراثيّة حول ميراث النّساء، حتى تكون لها مقبوليّة لدى القارئ المعاصر، وهو ما تطلّب الانتقاء بين كثير من القضايا على امتداد التّاريخ الإسلامي. وبيّنت من ثمّ أنّ الكتاب حاول الإلمام بالمسألة من ثلاثة جوانب رئيسة تولّى البحث فيها الأساتذة المساهمون في العمل؛ فكان القسم الأوّل من إنجاز الأستاذ عبد الباسط قمّودي، والذي اهتمّ فيه بـ «آيات الميراث في النّص القرآني: بين حقيقة العموم ووهم قطعيّة الدّلالة»، وبحث في مدى صحّة القول بأنّ آيات المواريث آيات قطعيّة الدّلالة قد كان النّص فيها دقيقاً وواضحاً بما لا يدع مجالاً لتوضيحها أو تأويلها أو إعادة تناولها بالبحث. واهتمّ الأستاذ فريد بن بلقاسم في القسم الثّاني الموسوم بـ «في علم الفرائض: دراسة تحليليّة نقديّة» بالتّطوّر التّاريخي الذي عرفه مشغل المواريث في الفقه الإسلامي وصولاً إلى نشأة علم مخصوص هو علم الفرائض. وعمل على اختبار مصداقيّة الاعتقاد الشّائع بقداسة أحكام المواريث. وبحث الأستاذ المنجي الأسود في القسم الثّالث الموسوم بـ «المواريث في قوانين الأحوال الشّخصيّة» في الكيفيّة التي حضرت بها أحكام المواريث في قوانين الأحوال الشّخصيّة العربيّة والإسلاميّة من خلال نماذج، ليخلص إلى أنّ أحكام المواريث ليست إلا اجتهاداً بشريًا. وقد مهّدت الأستاذة السّليني لهذه الأقسام بمدخل وسمته بـ «وضع المرأة مشروط بإعادة النّظر في المواريث»، وختمت الكتاب بوقفة باحثة عن حل. وبيّنت المتدخّلة أنّ الكتاب يجمع بين المجتمعات العربيّة الإسلاميّة، ويسعى إلى الارتقاء بالدّلالة التّشريعيّة التي تتناغم مع مشاغل المجتمعات المعاصرة، التي تواجه تحدّيات الحداثة، وأنّه يهدف إلى بيان بطلان رفض المساواة والاحتماء بقطعيّة الدّلالة، لأنّ "القرآن نصّ محاور بامتياز والقول بقطعيّة الدّلالة فيه غلق للحوار وإعلان قطيعة بين اللاّحق ونصّه".
وأشارت إلى أنّ مسألة المساوات في المواريث، لا زالت تواجَه في مجتمعاتنا بكثير من التّخويف والمحافظة والتّشكيك، والتّكفير وإلقاء التّهم جزافاً، رغم أنّها تحوّلت في بعض المجتمعات إلى قضيّة بيد الفاعلين من النّخب المتنوّرة، واعتبرت أنّ ذلك من شأنه أن يساهم في رسم الطّريق نحو تحقيق الهدف، خاصّة إذا التحمت تلك النّخب بعامّة الشّعب، ممّا يحوّل القضيّة من البعد النّخبوي والأكاديمي، إلى البعد الاجتماعي العام، وتتحوّل حينذاك إلى مطلب قاعدي، يتوفّر على شروط تحقّقه، دون فرض أو إلزام مُسقط، سواءً كان ذلك بقرار سياسيّ أو بفرض نُخبويّ.
واعتبر عبد الباسط قمّودي، في إجابة عن سؤال يتعلّق بالغاية التّبريرية لمسألة المساواة في المواريث، انطلاقاً من النّص القرآني، التي يوحي بها بحثه، أنّ المساواة في المواريث مطلب إنسانيّ بدرجة أولى، ولا يحتاج بالضّرورة إلى تبرير ديني، وبيّن أن المشكل يكمن في المجتمع الذي أصبح الجانب الدّيني يطغى عليه، واعتبر أنّ النّص القرآني نصّ مطلق وأخلاقيّ لا يدقّق في العلاقات الإنسانيّة بشكل كبير، ولا علاقة له بالتّالي بالأفكار السّائدة اليوم حول مسألة المساواة في المواريث، قائلاً: "هناك نهم دُنيويّ رهيب، هو الذي يقف وراء رفض المساواة في الميراث، وليس النّص الدّيني".
وقال فريد بن بلقاسم "إنّ هذا الكتاب ليس دعوة للمساواة"، معتبراً أنّه محاولة لمقاربة مسألة ميراث النّساء من خلال القرآن والتّشريعات الفقهيّة والقانونيّة، وليس هاجسه أن يدعو إلى المساواة، كما اعتبر أنّ مسألة الوصيّة هي المسألة المحوريّة التي أنتجت علم الفرائض، وأنّه ما كان أن ينشأ هذا العلم لو لم يقيّد الفقهاء والمفسّرون الوصيّة. وبيّن أن المقاربة المعتمدة في البحث تنطلق من سؤال بسيط يتعلّق بمدى قداسة الأحكام التّشريعيّة في مسألة المواريث، استناداً إلى ما اعتبر أنّه "مناطق مسكوتاً عنها" في النّص القرآني، وهي المناطق التي اشتغل عليها العقل الفقهي، وقدّم مثالاً على ذلك، أنّ القرآن يحدّد ميراث المرأة من زوجها الثّمن أو الرّبع، بحسب وجود الولد أو عدمه، في حين أنّ التّشريع الفقهي يبيح للزّوج أن يتزوّج بأربع، فما يكون نصيب الزّوجات إن تعدّدن؟
وأشار المنجي الأسود إلى أنّ مجلاّت الأحوال الشّخصيّة في العالم العربي والإسلامي، تستند إلى حتميّة الموجود، وترفض المساس بوحدة النّصوص، وبيّن أنّ المنظومات القانونيّة في الدّول العربيّة في مستوى أحكام المواريث، تختلف عن نظيراتها في بعض الدّول الإسلاميّة، معتمداً على المثال التّركي، الذي عمل على تثبيت المسألة قانونيّا، فلم يقع التّراجع عنها باختلاف المرجعيّات السّياسيّة الحاكمة، بخلاف ما حصل من تراجع في بعض الدّول العربيّة، وخلص من ذلك إلى إرجاع اختلاف المجتمعات العربيّة والإسلاميّة في التّعامل مع مسألة المساواة في الميراث إلى اختلاف الظّروف السّياسيّة التي تحكّمت في الأمر بغض النّظر عن أسبقيّة النّص القرآني أو النّصوص الثّواني.
وتفاعل الحضور مع المسألة التي يطرحها الكتاب من جوانب كثيرة؛ يتعلّق بعضها بقضيّة المساواة، باعتبارها مفهوماً نصّيّاً يقع التّعامل معه اجتماعيّاً، عن طريق المنظومات الفقهيّة والتّشريعيّة، ويتداخل فيه الاجتماعيّ بالسّياسي بالدّيني، ممّا يُضفي عليه الكثير من التّعقيد، ويجعله عرضة لتعدّد الغايات واختلافها باختلاف الظّروف، وأرجع البعض إلى ذلك صعوبة التّعامل مع المسألة في المجتمع المعاصر، وسعي بعض التّوجهات السّياسيّة إلى إلباسها لبوساً دينيّا للنّأي بها عن إمكانيّة المراجعة والتّغيير، والحال أنّها وجب أن تكون من صلب تقدير المجتمع واختياره، طالما أنّ النّص لا يفرضها فرضا حدّيّاً ولا يقطع فيها الدّلالة.
وذهب البعض إلى إثارة مسألة المفاهيم، وإمكانيّة الاستعاضة عن مفهوم المساواة بمفهوم العدل، حتى لا يقع التّوظيف للمسألة جندريّا ولا فقهيّا، بالنّظر إلى تلازم فكرة العدل مع منظور الحقوق الكونيّة الحديثة، وهو ما يتطلّب النّأي بالمنظومة التّشريعيّة عن كل خلاف فقهيّ. كما أثار البعض مسألة المقدّس في علاقة بالاجتماعي والوظيفي، ومدى الحاجة حديثاً إلى تأصيل فقهي أو إلى إنتاج فقه جديد، حول ما يشغل المجتمع من مسائل ذات أبعاد لصيقة بتحقيق إنسانيّة الإنسان، باعتبارها مفهوماً مركزيّاً يتعارض مع كلّ ضرورات الحدّ النّصّي أو الفقهي أو التّشريعي القديم.
وتوجّه البعض إلى طرح مسائل متعلّقة بقضيّة المساواة ومظاهرها القانونيّة في المجتمع التّونسي، وتعارضها في الكثير من المواضع مع قوانين مجلّة الأحوال الشخصيّة، كما تمّ طرح بعض المخارج القانونيّة التي اشتغلت عليها المنظومة التّشريعيّة والقانونيّة لسدّ الفراغات المتعلّقة بإمكانيّات المساواة القانونيّة بين المرأة والرّجل في مسائل الميراث والكثير من المسائل الأخرى في باب المساواة، وتمّت الإشارة إلى أنّ ما جاء به الدّستور التّونسي الجديد حول المساواة مطلقٌ وعام، ولا يمكن أن يوفّر الحدّ الفاصل في تكريس المساواة، طالما لم يقع إحداث المحكمة الدّستوريّة التي تفرض علويّة القوانين الخاصّة المستنبطة من مبادئ الدّستور المجملة.