الندوة العلميّة الدوليّة: سؤال الدين والحريّة في الفكر العربيّ الإسلامي الحديث والمعاصر
فئة: أنشطة قادمة
مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث
الندوة العلميّة الدوليّة:
سؤال الدين والحريّة في الفكر العربيّ الإسلامي الحديث والمعاصر
تونس: الجمعة والسبت 12 ـ 13 جوان/ يونيو 2020
يعدّ مفهوم الحريّة من أكثر المفاهيم استعمالا وتداولا في الفكر العربي الحديث والمعاصر، ولاسيما في المجال السياسي؛ فهو يمثّل أحد القضايا المحورية لهذا الفكر (يراجع كتاب عبد اللّه العروي "مفهوم الحريّة"). وعلى كون المواجهة بين مفهوم الحريّة والدين الإسلاميّ بصفته أهمّ حامل للثقافة العربيّة ليست جديدة - فقد عرف المفهوم بحث دلالته من خلال العلوم الناشئة في إطار الإسلام، ولا سيما في الفقه وعلم الكلام، والتصوّف الإسلاميّ- فإنّ هذه المواجهة أصبحت في الفترة الحديثة والمعاصرة من تاريخ العرب والمسلمين محلّ اهتمام نظريّ وعمليّ نسقيّين، بما أنّها صارت تدخل ضمن الضرورة الضاغطة للردّ على إحراج المنوال الحضاري الدافع للعرب إلى هامش التاريخ.
ومن هذا المنظور التاريخي، تحوّلت العلاقة بين الإسلام والحريّة في الفكر العربيّ الحديث والمعاصر إلى مدخل أساسيّ، للإجابة عن أسئلته المتتالية منذ بداية التفكير في التقدّم الحضاري بوصفه مشروع التفكير العربيّ الإسلاميّ القارّ، فارتبط تناولها أوّلا بالنهضة، ثمّ بالتحرّر الوطنيّ، ثمّ ببناء الدولة، فبالديمقراطيّة، فبمشروع بناء الإنسان العربيّ المعاصر عامّة.
وعلى هذا الأساس، تحمّلت تصوّرات هذه العلاقة، والتنظيرات الداخلة في إطارها لمفاهيم الحريّة والدين ومتعلّقاتهما، بمضامين فكريّة مختلفة تبعا لاختلاف السياقات التاريخيّة، وشواغلها الحضاريّة، وزوايا النظر، ولكن دون أن تحرز في الغالب على تأثير حاسم في الواقع. ولذلك، شدّد بعض الدارسين على أنّ "الحريّة لا تزدهر كموضوع فكري إلاّ في اتجاه أن تصبح قيمة متجسّدة في السلوك والمؤسّسات، أو في سياق تجسّدها في السلوك والمؤسّسات. ومن هنا ينفتح حقل الحريّة وينطلق في المدى الاجتماعي، حيث تظهر فيه منظومة جديدة من العناصر تبدأ بمسلكيّة الحريّة، وتتوسّع في مجتمع الحريّة، وتنتهي بحضارة الحريّة" (ناصيف نصّار، باب الحريّة).
وخلف الإطار الإنسانيّ لمشكلة الدين والحريّة الناشئة في الجوهر من التعارض الظاهر بين الدين عامّة والحريّة حول مصدر الحقيقة، حيث لا ترى الأديان التاريخيّة عامّة، أو منظوماتها المذهبيّة الحريّة إلاّ حريّة للخطأ، فإنّ حلّ مشكلة الحريّة والدين عند الآخر الأنموذج والمتحدّي للفكر العربيّ والإسلاميّ، نقصد الفكر الغربيّ، جرى في ارتباط بالثورات التي أنجزها في رؤيته للعالم والوجود الإنساني فيه. ولهذا، فإنّ موضوعة الحريّة والدين نشأت تصوّراتها تبعا لتغيّر مضمون الذاتيّة في ذلك الفكر، أو لمفهوم الهويّة فيه؛ ذلك أنّه انطلاقا من الانقلاب الكوبرنيكي الحداثي، كفّ الإله التوحيديّ المتعالي هيمنته على دلالة الحياة العامّة لفائدة الإنسان، باعتباره كائنا حرّ الإرادة والمصدر الجديد للمعنى (تُراجع مثلا الفقرات 65ـ 69 من كتاب روسّو "دين الفطرة"). وبدءا من نتشه انتفض على المضمون الديكارتي للإنسان بوصفه هذه المركزيّة الجديدة للدلالة العامّة للعقل ولكلّ تمثّلاته، منذ رسم كانط حدود هذا العقل، ولمّا تدعّمت فلسفة موت الإله في التسمية النتشويّة التي أنتجتها الحداثة بموت ثان هو موت الإنسان في الفلسفة ما بعد الحديثة، لمّا بانت مع فرويد، وجماعة الوعي اللّغوي، والتاريخانيّين، والفينومينولوجيّين (بدءا من هوسرل)، وفلاسفة الغيريّة (لفيناس، ونيغري)، وبالمحصّلة لمّا بان أنّ مفهوم الهويّة الإنسانيّة هو حبس جديد لمعنى العالم معطّل للحريّة قدر التعطيل الذي مارسه عليها الإله التوحيدي. لمّا بان كما يقول فتحي المسكيني، إنّ "وهم التعالي بقي معافى تماما" (الهويّة والحريّة: نحو أنوار جديدة).
ومن هذا المنظور الفلسفيّ الجامع، المعيّن لجوهر إشكال الدين والحريّة خلف تمظهراته في التوجّهات الكبرى للوجود البشري أي ثقافته، واجتماعه، وسياسته، واقتصاده، ما السبيل الممكن في الحاضر العربيّ المعاصر للتفكير في الدين والحريّة، وأيّ مضمون للذاتيّة على العرب المعاصرين أن ينتجوه، حتّى يتمكّنوا من فكّ عقال هويّاتهم القاتلة للحريّة؟
يبدو أنّ الصيرورة الخاصّة لهذا الفكر في خصوص هذه المسألة لم تبارح بَعْدُ سجن الهويّة التوحيديّة المذهبيّ، رغم سعيها إلى فتح مضامين هذه الذاتيّة من انغلاقها الميتافيزيقي على شروط التاريخي والمحايث. لهذا، لم ينجز هذا الفكر نقلته المطلوبة حسب عبد المجيد الشرفي من مقالة الطاعة إلى مقالة المواطنة (يراجع كتابه "مرجعيّات الإسلام السياسيّ"). ولهذا يطرح السؤال بقوّة: ما السبيل التي على هذا التفكير أن يتبعها لتعيين علاقة بين الدين والحريّة، أو فهم يمكّن الإنسان المسلم العربيّ المعاصر من عيش الحريّة من داخل الدين أو خارجه دون أيّ تصادم معه؟
كيف يمكن للعرب المسلمين في الوقت الراهن أن يبنوا في هذا الموضوع خطابا مغايرا يعمل خارج تاريخ مفهوم الغيريّة بما هي تقابل بين الأنا والآخر يعدّ استمرارا لمنوال مفهوم آسر للذاتيّة؛ ذلك أنّ الذات تعني "تركيبة الفرد (أو الجماعة) باعتبارها ذاتا فاعلة عبر جمعها بين تأكيدها لحرّيتها، وبين خبرتها المعيوشة التي تتنكّبها وتستخلص دروسها. فالذات هي الجهد المبذول من أجل تحويل الوضع المعيوش إلى فعل حرّ. إنّها تدخل الحريّة إلى الحيّز الذي يبدو في البداية بمثابة المحدّدات المجتمعيّة والموروث الثقافي" (ألان تورين، ماهي الديمقراطيّة؟).
تختلف المغايرة هنا عن الغيريّة بوصفها نمطا ذاتيّا في التفكير، هو "نمط موجب من الولادة خارج ذواتنا القديمة" المكرّرة لهويّاتنا الثابتة والمعطّلة لفكرنا وحركتنا في التاريخ، هي من منظور الحريّة في "حريّة أن نكون على طريقتنا... (بمعنى) أن نذهب أبعد من أنفسنا في كلّ مرّة" (المسكيني، المرجع السابق). هل يكون ذلك بإعادة تأويل المتعالي، أم باستعادته، أم بنفيه كليّا وتعويضه بمتعال جديد كالإنسان، كما حصل الأمر في الفكر الغربيّ الحديث، أم بنفي التعالي كليّا بصفته نمط رؤية العقل للعالم والأشياء، أم بماهيّة للنحن لا نكون فيها سوى أفق مفتوح لكلّ المضامين الممكنة؟
في أفق الإجابة عن السؤال السابق، والتأليف بين المنظورين التاريخيّ والفلسفيّ السالفيْن، والبحث عن ممكنات الإفلات من سجن الهويّات الراسخة المقيّدة لكلّ تفكير في الدين والحريّة، وعلى سبيل الرصد النقديّ لواقع الفكر العربيّ الحديث والمعاصر في الموضوع، تطرح هذه الندوة العلميّة الدوليّة السؤال النقديّ التالي:
ما هي خطوط الهروب التي سلكها الفكر العربي الحديث والمعاصر في اتجاه الخلاص من هويّاته المحنّطة لكلّ تفاعل بين الدين والحريّة؟
ولهذا، فهي تحدّد أهدافها المباشرة في التقييم السابق للبحث عن إمكانات التجاوز، وتعيّن المقاربة في المقاربة النقديّة التي تعتمد مناهج التحليل، والتفكيك، والحفر، والبناء، وتضبط موضوعها استنادا إلى تصنيف تقريبي لمنازع الفكر العربيّ الحديث والمعاصر في تصوّر العلاقة بين الدين والحريّة.
لقد طرحت التحوّلات الفكريّة والسياسية والاجتماعيّة والحقوقيّة الراهنة على الفكر العربي والإسلامي قضايا كثيرة أخرى فرّعت سؤال الدين والحريّة وجعلته أكثر تعقيدا، ذلك أنّه بالإضافة إلى ما يمكننا ملاحظته من الاقتصار في كثير من الأحيان على التغنّي بالحريّة حتّى لدى الليبرالييّن العرب دون المرور إلى التنظير المركّز والعميق، فإنّ معضلات مستجدّة طرحت نفسها بقوّة اليوم إزاء النزوع الكبير إلى الحديث أكثر من أيّ وقت مضى عن الحريّات الفرديّة؛ فالحريّات العامّة فرضت نفسها أو تكاد ليبقى الإشكال الأكبر مع الحريّات الفرديّة، وهي ألصق بقضايا الهويّة والدين. ونشير هنا بالخصوص إلى حريّة الضمير والمعتقد والسلوك الفردي بصورة عامّة، وكلّ ذلك من ضمن الحريّات التي تحاصر دائما بما يعتبر "ثوابت دينيّة"، بل إنّها تعتبر مهدّدة للمجتمع ولتماسكه ولهويّته، وهي الحجج التي يرفعها عادة المحافظون عموما، وفرضت على المنادين بها معارك كبرى في بعض السياقات لتضمينها في الدساتير والقوانين في انتظار دخلنتها فكريّا واجتماعيّا، وهذا يستوجب مجهودا ووقتا أطول.
وبناء على ما تقدّم، يمكن تعيين المحاور الكبرى للندوة المذكورة على النحو التالي:
1- إشكاليّة المفهمة: الدين والحريّة بين المعنى الكونيّ والتأويل التاريخيّ: كلّ تحديد مفاهيمي الدين والحريّة، شأنهما في ذلك شأن سائر المفاهيم، هو بالضرورة اختزاليّ، حامل لذاتيّة معيّنة، فكيف نفكّر فيهما بين هذين القطبين: التأويلي المفتوح للمعنى، والكوني الجامع؟
2- الدين والحريّة من منظور تقريب الدين من المفهوم الحديث للحريّة: البحث في الدين عمّا يوافق مفهوم الحريّة الحديث.
3- الدين والحريّة من منظور تقريب المفهوم الحديث للحريّة من الدين: الإصلاحيّة ومحاولات التلفيق أو الترميق بين الحريّة الحديثة والدين... تيّار الصحوة الإسلاميّة...
4- الدين والحريّة من منظور تاريخيّ: إرجاعهما إلى طبيعتهما التاريخيّة (مثلا أطروحة المستشرق الألماني فرانز روزنتال في كتابه "مفهوم الحريّة في الإسلام).
5 - الدين والحريّة استنادا إلى تصوّر المنظومات العاملة في القيم وفي الواقع:
-الدين والحريّة والدولة: الإسلام السياسي من جهة، والعلمانيّين والحقوقيّين من جهة أخرى.
- الدين والحريّة والأخلاق: محاولات التركيز على المنظور الضميري للدين.
- الدين والحريّة والمجتمع.
- الدين والحريّة وحقوق الإنسان.
***************************
شروط المشاركة:
- حجم البحث: ما بين 6000 و8000 كلمة.
- ضرورة الالتزام بإشكالية الندوة، والبحث في واحد من محاورها.
- أن يكون البحث جديدا ولم ينشر من قبل، لا ورقيّا ولا رقميّا، ولم يقدّم، ولو جزئيّا، في ورشة أو ندوة أخرى أو ملتقى آخر.
- تكتب البحوث ببرنامج وورد (word)، بخطّ (Arial) بحجم 14 في المتن و12 في الهوامش للبحوث باللغة العربية، وبخطّ (Times New Roman) بحجم 12 في المتن و10 في الهوامش للبحوث باللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطاليّة.
- ترفق الملخّصات (في حدود 250 كلمة) بسيرة ذاتية مختصرة عن أصحابها.
- يتلقّى أصحاب البحوث المقبولة دعوة رسمية للمشاركة في أشغال الندوة.
- تخضع جميع البحوث للتحكيم العلمي، ويتعهد أصحاب البحوث المقبولة بإجراء التعديلات التي تقترحها اللجنة العلمية عند الاقتضاء في آجال مضبوطة.
- تتعهد الجهة المنظمّة بتوفير الإقامة (للوافدين على الجمهوريّة التونسيّة ولمن يقيم خارج تونس العاصمة) وبنشر أعمال الندوة.
- تصرف مكافأة المشاركة لأصحاب البحوث المحكّمة والمقبولة نهائيّا.
- أولويّة المشاركة تكون للمقيمين بالجمهوريّة التونسيّة.
مواعيد هامّة:
- آخر أجل لاستقبال عناوين البحوث وملخّصاتها: 15 ديسمبر / كانون الأوّل 2019
- الإعلام بالقبول المبدئيّ للملخّصات: 30 ديسمبر / كانون الأوّل 2019
- آخر أجل لاستقبال البحوث التامّة والكاملة: 31 مارس / آذار 2020
- الإعلام بقبول البحوث التامّة والكاملة: 30 أبريل / نيسان 2020
- ترسل الملخصات والبحوث إلى البريد الإلكتروني:
لتحميل الإستمارة المرجو الضغط هنا
ملاحظة مهمّة جدّا: سيكون الردّ والتواصل فقط مع أصحاب الملخّصات والبحوث المقبولة، وكلّ مترشّح لا يتّصل بردّ عند انقضاء الآجال المذكورة أعلاه، فإنّ ذلك يعني عدم قبول ملخّصه أو بحثه.