اليوم الدّراسي: ''الأنوثة/ التأنيث في المتخيل الديني''
فئة: أنشطة سابقة
انتظم بمقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، السبت 29 أبريل اليوم الدّراسي: ''الأنوثة/ التأنيث في المتخيل الديني''، وافتتح بكلمة ترحيبية لمنسّق مؤمنون بلا حدود في تونس د. نادر الحمّامي، أعقبتها كلمة رئيس وحدة البحث في المتخيّل بجامعة صفاقس د. بسّام الجمل، وكلمة منسّق اليوم الدّراسي د. صابر السويسي.
وانطلقت الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها د. بسام الجمل، بمداخلة دة. زينب التوجاني بعنوان: ''الألوهة المؤنثة في معتقدات العرب قبل الإسلام: اللات ومناة والعزى'' وبحثت خلالها كيف تمّ التحوّل من تقديس الأنثى المتعدّدة إلى تقديس الرب الواحد؟ وهل اختفت تلك الأنوثة تماما في التصوّرات التوحيدية للدين الجديد أم تقنّعت بتمثّلات أخفتها. وتتبّعت رمزيات هؤلاء الربّات الثلاث اللاّت ومناة والعزّى، من خلال الروايات التي جمعها الكلبي في أصنامه، ومن خلال مقارنتها بروايات الطبري في تاريخه وتفسيره بحثا عن التحولات البلاغيّة الطارئة على تمثّل الألوهة المؤنثة ودلالاتها. وسعت إلى البرهنة على احتواء التوحيد الإسلامي مظاهر ما سبقه من تمثّلات للمقدّس المؤنّث وغيره. ويندرج ذلك ضمن الإقرار بتاريخية هذه المعتقدات الدينية وبشريّة تصوّراتها وعدم وجود قطيعة في التّاريخ بين التصوّرات والتمثّلات، وبيّنت أنها تحوّلات وانزياحات لها سياقاتها ودلالاتها المخصوصة. واندرجت المداخلة ضمن البحث في رمزية الأنثى في الخطاب الديني، سواء أكانت بادية للعيان أم محجّبة وراء رموز جديدة سنعمل على كشفها.
وقدّم د. شكري بوشعالة مداخلة بعنوان: ''ولايا تونس في المخيال الشعبي: دراسة جندرية''، وقد بحث المتدخّل في مسألة الولاية الأنثويّة في الثّقافة الشّعبيّة التّونسيّة جندريّا، لتبيّن مفهومها وروافدها، تاريخيّتها وجغرافيّتها ومدى التراشح بين صورة الوليّة الرّمزيّة في المخيال الشّعبيّ التّونسيّ وصورتها في سائر المخاييل العربيّة وقارنها بعد ذلك، بالصّورة النّمطيّة للوليّ الصّالح المتمثلة فيها جميعا، وانطلق من بعض الأسئلة، حول نقاط الائتلاف ونقاط الاختلاف، والعوامل الحاسمة في تشكيلهما، وهل يمكن اعتبار تواضع تمثيليّة المرأة الوليّة في الواقع والمخيال العربيين - مقارنة بهيمنة الولاية الذّكوريّة عليهما- تجلّيا من تجلّيات عقليّة الدّون والاستنقاص للأنوثة والتّأنيث مقابل تمجيد الذّكورة وتعظيم التّذكير، انطلاقا مما يتكشّف في الخطاب الشّفويّ التّونسيّ وفي مقامات تلفظية عدّة (حكم مأثورة، حكايا شعبيّة، أخبار، أغان، أشعار...).
وانطلقت الجلسة العلمية الثانية التي ترأسها ذ. فيصل شلّوف، بمداخلة د. فيصل سعد بعنوان: ''الأنوثة/ الذكورة في كتب الباه بين الواقع والمتخيّل''، وقد استعرض فيها المؤلّفات العربية والإسلامية في الإيروتيقا وبحث في مضامينها، وفي ارتباطها بالبيئة التي أنتجتها، وما يحيل عليه ذلك من منسوب جرأة وإفصاح عن المسكوت عنه، كما اهتم بالبحث في معجمها اللفظي والتعبيري، وحلل القدرة التخييلية للكتابة الجنسية لدى العرب والمسلمين قديما، وخلص إلى نتائج عديدة لعلّ أهمها ارتباط الكتابة في الإيروتيقا بالواقع من حيث البعد التمثيلي والبعد العلاجي من جهة وارتباطها بالمتخيّل من حيث القدرة على تمثّل التراتب بين الذكورة والأنوثة بمقدار متوازن يندرج ضمنه التصوّر الجمعي الذي يتلوّن بلون ديني، حتى يصوغ إمكانيات توافقه مع السائد، في حين أنه يختزن أبعادا تعبيرية تتفوق على الخطاب النمطي.
وقدّمت ذة هناء الطرابلسي مداخلة بعنوان: ''الخنث والأنث: الثقافة والشوق إلى كمال الهوية'' بحثت فيها ما يتأسس، انطلاقا من اللاوعي الجمعي الذي يشكّل التصوّرات ويبني الأنساق الثقافية المختزنة لكلّ المرجعيات الدينية والأسطورية والسياسية، والإيديولوجيّة. لذلك، بحثت في مدوّنة الأدب العربي عن "تمثيل المخنّث والمؤنّث" (وما يدور في فلكهما من تصوّرات) معتبرة تلك النصوص والخطابات صدى لما استقرّ في المتخيّل الجمعي. لذلك، فقد اهتمت بالجوانب اللسانيّة والمعجميّة التّي حدّدت هذه التمثيلات وساهمت في تشكيل صورها، واستتباع أثرها في خطابات المؤسسة الدينيّة والأدبية، وتفكيك ما يواريه كلّ خطاب من مسكوت عنه، قائلة إن تلك النصوص مسكونة بالاضطراب، قائمة على التلبيس طورا والتعتيم أطورا أخرى. وبيّنت أن حدود المؤنّث والمخنّث تتغيّر بحسب الخطاب وصاحبه وأهدافه، فهي حدود ثابتة حينا، رجراجة أحيانا، متلوّنة في كلّ الأحيان بين الوصم بالنقص والوسم بالكمال.
وانطلقت الجلسة العلمية الثالثة التي ترأسها د. أنس الطريقي، بمداخلة ذة. فاطمة قشوري الزرقوني بعنوان: ''الحج بين الأنوثة (الخلق الطبيعي البيولوجي) والتأنيث (الأسطوري والثقافي والتشريعي)'' وقد بيّنت من خلالها كيف أن المدوّنات الفقهيّة خصّت عند سائر المذاهب والفرق، الأنثى بكمّ من الأحكام جاءت مُختلفة من مذهب إلى آخر أو من فرقة إلى أخرى حدّ التعارض. واهتمّت بالآليات التي تنتج الخطاب حول الأنثى، باعتبارها بحثا في المتخيّل الديني المؤدّي إلى بناءات تمثيليّة وتأويليّة معقّدة. كما بحثت المتدخّلة من ثم في أسطورة الخلق والخطيئة الأولى ومدى تأثيرها في تشكّل أحكام الحجّ من منظور إمامي اثني عشري، وذلك باعتماد مقاربة تفكيكيّة ثمّ تأويليّة تبيّن حدود الدور المرجعي للأسطورة في تحديد ثنائيّة الأنوثة والتّأنيث وترسّبات الزّمن التّأصيلي في تشكيل الأحكام الفقهيّة.
وقدّمت دة. وفاء الدريسي مداخلة بعنوان ''في جهاد النساء'' اهتمّت بجندرة جهاد المرأة، وقدّمت تحليلا لصورة جهاد المرأة في الفتاوى المعاصرة، والمرتكزات الفقهيّة الّتي ارتكز عليها ''الشيوخ''، وقالت، إن موضوع "جهاد المرأة" بات معاصرا وراهنا؛ من خلال بيان ما اهتمت به الفتاوى في جهاد المرأة في بيتها ومع زوجها، وفي جهاد المرأة في ساحة المعركة وفي جهاد النّكاح. وخلصت إلى اعتبار أن تحليل هذه الفتاوى يكشف عن أنّ جهاد المرأة أمر ثقافيّ اجتماعيّ، وهو مقنّن وفقا لما يرتضيه النّمط المعياري الثّابت لما يجب أن تكون عليه الذّكورة والأنوثة. وقالت إن المشرّع الذّكر في كل الأحوال قد رسم حدودا لـ"جهاد المرأة"، وحدّد أنواعه وسيّج مكانه وزمانه. وأن صورة المرأة المجاهدة ليست وليدة العصر، بل ترجع أصولها إلى الأحاديث النّبويّة وحتّى إلى الحضارات السابقة للإسلام.
وانطلقت الجلسة العلمية الرابعة والختامية من اليوم الدّراسي التي ترأسها د. صابر السويسي، بمداخلة دة. هاجر المنصوري بعنوان: "صورة الأنثى في المتخيّل الإسلامي للجنة وسؤال الهوية الأنثوية"، اهتمّت بما ورد إخبارا عن الأنثى في نصوص السنّة الحمّالة لبنية هذا المتخيّل، لبيان اختراق الصّورة للواقع الحالي، وبحثت في صورة الأنثى "الجزء" في متخيّل الجنّة "الكلّ"، كما بحثت في صورة الأنثى وسؤال الهويّة الأنثويّة، وخلصت إلى اعتبار هذا المتخيّل صرحا مؤسّسا للهيمنة الذّكوريّة على المرأة ومؤصّلا للاختلاف الاجتماعي والثّقافي بين الجنسين، إذ يغرس بالصّورة التي يقدّمها للأنثى/ وعنها جذور النّقص والسلبيّة في الهويّة العقليّة لها ناهيك عن حصر التّمتّع في هويّتها الجسديّة. وقالت إنه قد حان أوان مراجعة هذا الصّرح ومعقوليّته والخروج عن الإجماع العام حول صورة الأنثى النمطيّة فيه أمام ما تشهده الدّراسات النسويّة من كشف لتهافته وتهافت غيره من المتخيّلات الأخرى، وفضح لما يعتمده أصحابه من آليّة الإسقاط والتّوجيه في سبيل فرض سلطة الذّكر وتأبيد دونيّة الأنثى.
وقدّمت دة. هاجر خنفير مداخلة بعنوان: "الجنة ويوطوبيا الحريم في الثقافة العربية الإسلامية"، وبحثت فيها كيف أن استراتيجيات المنع والضبط التي أملاها الوعي الديني والعرف الاجتماعي على الجسد الأنثوي في المجتمعات العربية الإسلامية من أجل امتلاكه وتدجينه وإخضاعه لسياسات تنميط تحول دون تمثلاته الأسطورية المثيرة للخوف والقلق... تبقى عاجزة عن احتواء هذا الجسد الذي شكل المتخيل الديني ملامحه وكانت قصة الخلق والخطيئة النواة المركزية لصورته. وقالت إن ما يقع تحت طائلة المراقبة ليس جسد الأنثى، بل جسد حواء الذي يطل عبر أخيلة الجسد أو الجسد الطوباوي المفعم فتنة ورغبة وجمالا، ولذلك تكون المراقبة عقيمة لأنها تتعقب جسدا غير متجسد بينما يتحول جسد الأنثى إلى فضاء آخر، يُرى ولا يدرك ويُلمس ولا يحَسّ ويُشتمّ ولا يميّز إلا في لحظات وصال هو بدوره ظرفي محكوم بالانفصال هو الفضاء الذي ينبع منه المتخيل الأخروي، لا سيّما ما تعلق بالجنة فتصير حواء نساء وحورا ووصيفات ويصير الوصل فعلا دائما في محو مستمر لمفهوم الخطيئة الذي يقيد المتعة ويقننها وفي مماهاة بين يوطوبيا الجسد الأنثوي ويوطوبيا الفردوس. على أن هذا الفضاء الآخر لم يتخلص من سلطة المرآة التي تعكسه أية سلطة فضاء الحريم الدنيوي بتوزيعيته وطبقاته وسياسته الجنسية. وخلصت المتدخّلة إلى اعتبار أن الجنة صناعة استيهامية لفضاء آخر هي يوطوبيا الحريم.