تاريخية التفسير القرآني و العلاقات الاجتماعية
فئة: كتب
تتنزّل إشكاليّة هذا الكتاب في تدبّر منهج المفسّر في قراءته للقرآن وقد تمحّض عمله للتّشريع للهيئة الاجتماعيّة ولتنظيم العلاقات بين الأفراد بكيفيّات تكفل صلاح معاشهم. ذلك أنّ المفسّر مزدوج الوظيفة يحدّث عن دلالة توقيفيّة لنّص كما أوحي ويشتقّ عمله من بنية الهيئة الاجتماعيّة ومختلف المشاغل الطّارئة عليها، وكان هو فيها من بين أطرافها العضويّة النّشيطة في تشكّلها والانفعال بها.
فالتاريخيّة ، في عملنا هذا تتعقّب المسافة الفاصلة بين الحكم " كما نزل " والشكل " النهائيّ " الذي بلغه. فلا معنى أصلا لحكم نهائيّ، لأنّ الحكم خاضع في تغيّره إلى جملة العوامل الثّقافيّة التي تتميّز بحركتها البطيئة التابعة للطّبائع والسلوكات الاجتماعيّة.
فالتاريخيّة مرتسمة في تنظير الأصوليين للظّاهر مرادفا للمفهوم، ومقابلا للنصّ ، وهي حاضرة في تفصيل الأصوليين لمقاصد الخطاب وطرق التأويل وفي تصنيفهم الترتيبي لأصول الفقه؛ وهي الواصلة بين الخبر الناشئ أصلا و أخلافه ، وهي أيضا الجرح والتعديل ، وهي الواصلة بين الحكم الفقهي ومرجعه الثقافي وسؤال العمران المتحوّل.
غايتنا في هذا البحث أن نصل إلى أنّ التشريع الإسلاميّ قام على أسس ثقافيّة وأن بقاء الحكم الفقهيّ هو صورة للموقف السائد في المجتمع. وأن نبيّن أنّ التشريع كما فرضه الفقهاء والمفسّرون لم يكن الأصلح ولا الأوحد وإنّما قد يعمل المجتمع بآخر هو في نظر المؤسّسة الفقهية عدول عن الأصل وخروج عن قاعدة التشريع.
و نحسب أنّه مهما اجتهد الّلاحق في الاحتماء بسلطة السلف فإنّ للمجتمعات حركيّة تدفع بها إلى المستقبل ولا تتعامل مع الماضي إلاّ باعتباره ذكرى حالمة لا غير.