ندوة "فلسفة الدين: قراءات في النظرية والإشكال"
فئة: أنشطة سابقة
في إطار الأنشطة العلمية لمؤسسة مؤمنون بلا حدود انطلقت بمدينة الرباط بقاعة صالون جدل الثقافي، أعمال الندوة المنتظر انعقادها حول موضوع: "فلسفة الدين: قراءات في النظرية والإشكال" وذلك يوم السبت الموافق ل 25 أكتوبر 2014 وقد تناولت الجلسة الأولى، والتي سيرها الدكتور عبد الله السيد ولد أباه مداخلتين: كانت الأولى للدكتور حيرش بغداد محمد من الجزائر بعنوان "بعض المفاهيم الأساسية حول فلسفة الدين في التراث الغربي" تناول المتدخل فيها مفهوم الحيلة، باعتباره مدخلاً للتفكير في موضوع فلسفة الدين؛ ذلك أن الحيلة لها مسارات وتحولات في الميتولوجيا اليونانية والفكر الفلسفي الغربي والمجال الإسلامي العربي، وهي مفهوم له علاقة بالعقل والتاريخ بالمعنى الهيجيلي. أما المداخلة الثانية، فقد كانت للباحث المصري غيضان السيد علي والموسومة بعنوان "فلسفة الدين عند اسبينوزا"، حيث تناول بالدرس علاقة اسبينوزا بالمعجزة والدين واللاهوت اليهودي، وهو تناول يشي بأن كانط ليس هو المؤسس الأول والأخير لفلسفة الدين.
أما الجلسة الثانية، والتي ترأس جلستها الدكتور محمد العلمي، فضمت مداخلتين: الأولى كانت تحت عنوان "مشكل التسامح الديني، الطرح اللاهوتي السياسي والتناول الفلسفي" للباحث الدكتور منوبي غباش من تونس، تناول فيها التسامح وكيفية نشوبه في جوف الصراع اللاهوتي الديني المسيحي ومحاولة تأسيسه للاعتراف والحق والحرية، غير أن المداخلة أشارت إلى وجود مشكل التسامح أو تحوله إلى إيديولوجيا في الفكر الإسلامي العربي. أما المداخلة الثانية، فكانت للباحث المغربي يوسف بن عدي بعنوان "التأسيس النظري والمنهجي لفلسفة الدين من أبي نصر الفارابي إلى إيمانويل كانط "فقد كانت الفكرة الجامعة لهذا المعرض هو محاولة البحث عن الصعوبات التي تطرحها فلسفة الدين عند كل من الجابري وطه عبد الرحمان وأبي يعرب المرزوقي وأبي نصر الفارابي وابن باجه وكانط، من أجل بناء رؤية تركيبية لموضوع فلسفة الدين من خلال تاريخ فلسفة الدين.
وتناولت الندوة في فترتها المسائية، محوراً جاء موسوما ب"فلسفة الدين في السياق العربي الإسلامي"، وأشرف على تسيير الجلسة الباحث المغربي يوسف بن عدي، حيث شملت مداخلتين؛ الأولى للدكتور محمد المصباحي تحت عنوان "فلسفة الدين عند ابن رشد" التي بحث فيها هذا الأرسطي الرشدي عن اللاهوت الديني وعلاقته بالنظر الفلسفي عند ابن رشد، وذلك بتعقب ملامح فلسفة الدين من خلال خمسة كتب، هي: فصل المقال، مناهج الأدلة، المستصفى للغزالي، تهافت التهافت، بداية المجتهد ونهاية المقتصد. هذا كله من خلال سؤال جوهري هل توجد فلسفة الدين عند ابن رشد؟ أما المداخلة الثانية، فقد كانت للدكتور محمد محجوب من تونس تحت عنوان "الله بين حدود اللغة وترجمات فلسفة الدين"، وهي قراءة أنطولوجية فلسفية لمفهوم الوجود(το ον)وعلاقاته بالألوهية أو ما يسمى باليونانية "-εστινأستين" التي تربط بين معنى تعدد الأديان والتفكير في الله كبعد أنطولوجي عن طريق السرديات القرآنية؛ أي الظهور والتجلي، وهو تفكير من أرسطي فينومينولوجي تأويلي.
أما في صبيحة الأحد 26 أكتوبر 2014 استهلت الجلسة، بتسيير من طرف الدكتور إبراهيم مشروح، بمداخلتين: الأولى للدكتور عبد الله السيد ولد أباه من موريتانيا تحت عنوان "العقيدة والجماعة: في تأويلية الإمام في التقليد الكلامي"، حيث تناول فيها بدقة فائقة مفهوم الإمام وعلاقته باللاهوت المسيحي والشرع الإسلامي من خلال النموذج القيمي الذاتي الذي يؤسس لمفهوم الاعتراف والضمير الفردي والبعد القيمي الجماعي الذي يعتبر باعتقاد غير متحقق، لأنه ينتمي إلى الجماعة والإيمان الجمعي. أما المداخلة الثانية، فكانت للدكتور محمد آيت حمو من المغرب تحت عنوان "فلسفة الدين لدى المعتزلة" وقد دافع بشدة عن فكرتين أساسيتين؛ الأولى تشي بأن علم الكلام ليس هو مدافعة فقط، بل هو استنباط، وتفيد الفكرة الثانية أن الاعتزال الكلامي لم يكن في منأى عن الفكر الفلسفي، بل إن الفلسفة لم تنشأ إلا في تربة كلامية.
أما المحور الثالث من الجلسة، فقد كان تحت عنوان "في إشكاليات فلسفة الدين"، أشرف فيه على تسيير الجلسة الدكتور عبد النبي الحري، والتي ضمت ثلاث مداخلات: الأولى للدكتور محمد مزوز من المغرب بعنوان "الحنين إلى الوجود أو الظمأ إلى المقدس"، وهو عرض في المقدس وعلاقاته المستشكلة بين الواحد والمعجزة والمكان والزمان؛ فالمقدس "إيرو-فان" هو الطاهر والخالص والمحصن، إنه اللامتناهي الذي يدل على الطهرانية، غير أن المحاضرة فتحت إشكالات معلقة بين العقيدة الإمبريقية والدين الخلقي الحق الخالص، إنها مفارقة العقل عند كانط. أما مداخلة الدكتور إبراهيم مشروح من المغرب والموسومة ب: "من المطلق الديني إلى المطلق الفلسفي: مسألة الروح بين هيغل وطه عبد الرحمان" ققد تطلع فيها صاحبها إلى بيان دعوى هيغل في بنائه لمفهوم المطلق بين روح الدين والتفلسف من خلال قراءته للمتن اليوناني في العقل والعالم والوحدة ... أما طه عبد الرحمان، فقد نقل المطلق من الفلسفي إلى الديني تحت دعوى الإثمانية ومن خلال رؤيته للعقل ومراتبه: المؤيد والمسدد والمجرد. وجاءت المداخلة الأخيرة للأستاذ عبد الواحد العلمي تحت عنوان "هل إبستيمولوجية الاعتقادات الدينية ممكنة؟ قراءة في فلسفة الدين التحليلية"، فتضمنت فكرة جوهرية مفادها أن مفهوم الاعتقاد هو مفهوم تعرض للمراجعة والنقد بفعل الفلسفة التحليلية، بل لم يعد يرتبط فقط بالمجال الثقافي الجمعي وإنما تحول إلى علاقته بعوالم الإمكان والجواز، كل ذلك بنظرة نقدية علمية تستحضر منجزات الدرس الفلسفي والمنطقي المعاصر.
وبكلمة جامعة، نقول إن ندوة "فلسفة الدين: قراءات في النظرية والإشكال" قد حققت جدلاً كبيراً من خلال ما أثارته أوراق الندوة من قبيل مفهوم فلسفة الدين وعلاقته بالإيمان وكيف يتحول التسامح إلى لغة دينية، وما هي عناصر التفكير المنهجي في شروط إمكان فلسفة الدين، بل الأكثر من ذلك تم تعميق الأسئلة والإشكالات حول معنى الوجود ودلالاته وعلاقة الإيمان بالذاتية والجماعة، بل وعلاقة كل هذا بالمطلق والاعتقاد والمقدس.