جلسة حوارية حول موضوع "ابن تيمية في الخطاب الإسلاموي"
فئة: أنشطة سابقة
انتظمت بمقر مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعيّة الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، السبت 07 أكتوبر الجاري، جلسة حواريّة حول موضوع "ابن تيمية في الخطاب الإسلاموي" بمشاركة كل من الأستاذين فوزي البدوي بمداخلة عنوانها: "ابن تيمية اليوم" وفيصل شلوف بمداخلة عنوانها: "ابن تيمية وتوظيفه"، وأدار الجلسة الأستاذ نادر الحمامي، وقد افتتحها بكلمة تأطيرية بيّن فيها أن اللقاء يتنزّل ضمن الاهتمام بمسألة فكرية تبدو قديمة في التّاريخ، ولكنّها ما تزال فاعلة في عصرنا، ما يستوجب طرح النقاش حول ابن تيمية ومدى فاعليته في خطاب تيّارات الإسلام السّياسي، باعتبار أنه، مثل غيره من الشخصيات التراثية، يبقى خطابه عرضة للتوظيف من جهات متقابلة، سواء تلك التيارات الإسلامية العنيفة أو التيارات الأخرى التي تواجهها.
وأحيلت الكلمة من ثم إلى د. فوزي البدوي، الذي أشار إلى أن اهتمامه بابن تيمية كان من زاوية الاهتمام بالأصوليّة اليهودية التي أدّت إلى اغتيال إسحاق رابين عن طريق فتوى أصدرها بعض الحاخامات معتمدين فيها على شيخ اليهودية الربي موشي بن ميمون، ولاحظ ما في ذلك من تشابه مع فتوى ابن تيمية التي اعتُمدت في اغتيال الرئيس المصري الرّاحل أنور السادات، واعتبر كلا الاغتيالين يستندان إلى "ميكانيزمات" واحدة، بين الأصولية اليهودية والأصولية الإسلامية.
وقال إن ''ابن تيمية شخص مختطف، فقد اختطفته الأصولية الإسلامية'' ونزّلته في سياقات العنف السّياسي والدّيني المعاصر، وأوّل تلك السياقات السياق التاريخي السّياسي الذي عاش فيه، بين هجمات الفرنجية من جهة، وهجمات التّتار من جهة أخرى، وقد وجدت حركات الإسلام السياسي في ذلك السياق ما يشبه الوضع في زمانها، فاهتمت به وقاست عليه، ووظفت فتاواه، بدءا بتلك المعروفة بـ ''فتوى التتار'' أو الفتوى المردينية نسبة إلى مدينة مردين التركية؛ وهي الفتوى التي اعتمدها عبد السلام فرج في كتيّب ''الفريضة الغائبة''، والتي ستُوظف فيما بعد من أحد أصحابه في اغتيال السّادات.
وبين البدوي أن تلك الفتوى مختلف فيها، وهي تتعلق بمسألة التكفير وبمفهوم ''الدار المركبة''؛ أي الدار التي ليست دار سلم ولا دار حرب، وهو ما ينطبق على مردين التي تقام فيها شعائر الإسلام وأهلها مسلمون، ولكن يحكمها التتار بكتاب ''الياسق''، وهو الكتاب الذي وضعه جنكيزخان... وقال إن الفتوى كما اعتمدها الأصوليون تنتهي إلى القول على لسان ابن تيمية ''ويُقاتَلُ الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقّ''، في حين أن ما تبيّن بالرجوع إلى المخطوطة الوحيدة لفتوى مردين أن ابن تيمية لم يقل لفظ "يقاتل"، بل قال ''ويُعَامَل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحق''، وعلّق البدوي قائلا: ''بين حرفي القاف والعين سالت دماء كثيرة''.
أما الفتوى الثانية التي اعتمدها الإسلاميون عن ابن تيمية، فهي ''فتوى قتل الأسير المحارب والتمثيل بجثته''، وهي التي اعتمدت في إحراق الطيّار الأردني الأسير لدى داعش ''معاذ الكساسبة''، ونفى البدوي أن يكون ابن تيمية قد دعا إلى قتل الأسرى والتمثيل بهم، وأشار إلى أن الفتوى المذكورة جاءت في سياق التعليق على موقعة أُحد، وفي إطار منطق المعاملة بالمثل، وأنّ ابن تيمية قد قال في نهايتها ''والعفو أفضل''...
وخلص البدوي إلى أن ما سعت التيارات الإسلامية العنيفة إلى توظيفه من ابن تيمية كان بعيدا عن حقيقة خطابه وعن سياقاته الأصلية، ورأى أن مجمل فتاوى التراث التي استندت إليها التيارات الإسلامية العنيفة يستحق إلى مراجعة وإلى تحقيق وتدقيق، وأن هذا عمل عاجل، لابد على الجامعات ومراكز البحوث في العالم العربي والإسلامي أن تخوض فيه.
وتناول الكلمة بعد ذلك ذ. فيصل شلّوف، فاهتم في مداخلته بمغالطات التيارات السلفية الجهادية في توظيف ابن تيمية، وانطلق من ملاحظة أولى قال فيها إن ابن تيمية يحضر لدى تيارات السلفية الجهادية من التنظير إلى التنفيذ؛ أي من عبد السلام فرج الذي كتب ''الفريضة الغائبة'' إلى ممارسات الجهاديين ضمن تنظيمات، مثل القاعدة وداعش وغيرها، تلك الممارسات العنيفة التي استعملوا في تبريرها ابن تيمية خارج سياقاته وخارج أصوله، فرسّخوا بذلك صورة نمطيّة عنه. وأشار إلى أن تلك الصّورة قد تعامل معها بعض الحداثيين، باعتبارها أمرا مسلّما بصحّته، فلم يقع الانتباه إلى أنها نتاج قراءة تقوم على التضليل والمغالطة.
وانتقل شلّوف بعد ذلك، إلى عرض جملة المسائل التي غالطت فيها السلفية الجهادية في توظيف ابن تيمية، بدءا بمسألة الإمامة، فبيّن أنها لم تكن مقدّمة لديه على الدّين، وأنه لا يعدّها من مسائل الصّدارة والشرف في الإيمان، وقال إن ابن تيمية لا يعتبر حفظ الدين والشرع والإيمان من مهام الإمام، وأن الرسول لم يكن مطاعا لاعتباره حاكما سياسيا، وأن الله لم يذكر الإمامة باعتبارها شرطا وفارقا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان... ثم انتقل إلى مسألة الحاكمية كما ظهرت مع سيد قطب والمودودي، فبيّن خطأ إسنادها إلى ابن تيمية، وأنّه لم يرد ذكر لها في مؤلفاته، واعتبر أن قول الإسلاميين بتكفير كل تشريع غير إلهي وغير سماوي لا أساس له عند ابن تيمية. وانتقل إلى مسألة الشريعة، فبيّن أنّها لدى ابن تيمية تعني كل الـديـن، وليس فقط أحكام الشرع العملية، كما يلح على ذلك الإسلاميون، وأنها قد تكون متأولة ويجوز الاجتهاد فيها، وأنّها تسقط بعدم توفّر شرط العدل. وتطرّق بعد ذلك إلى مفهوم الطاغوت، فبيّن أنه يعني عند ابن تيمية المبالغة في الطّغيان ومجاوزة الحد واتّباع الشياطين والسّحر ويشمل الأديان الأخرى، ولا يمكن حصره في وصف جور الحاكم أو الدولة أو مخالفة الحاكمية. وفي مسألة الجهاد، بيّن أنه لدى ابن تيمية أوسـع من القتال، عكس ما يذهـب إليه منظرو السلفية الجهادية، وأن الدّعوة إلى الإسـلام لدى ابن تيمية، إنما تكون بالبيان لا بالسّنان. وعرض بعد ذلك إلى مسألة القصاص التي تستند إلى مبدأ المظلومية الذي كثيرا ما يبرر به الإسلاميون العنف، موضّحا أن ابن تيمية يعتبر أن التمثيل بالكافر ''ضرر في الدّنيا والدّين مع تضمنه غاية الحمق والجهل''، وفي مسألة الأمـر بالمعروف والنهي عـن المنكر، بيّن أنها ترتبط لدى ابن تيمية بفقه الموازنات بين المصالح والمفاسد، وأنّها لا تكون من غير فقه ولا حلم ولا صبر، وانتهى إلى مسألة التكفير، فبيّن أن ابن تيمية يفرّق بين تكفير المقولة وتكفير صاحبها، فليس كل من قال كفراً كافراً...
وخلص المتدخّل إلى اعتبار جميع مقولات الإسلام السّياسي المعاصرة، تنطوي على مغالطات في توظيف التّراث، واعتبر أنّ ذلك يتطلّب إعادة القراءة، وأنّه لا يمكن التّسليم لدعاة الإسلام السّياسي بذلك التوظيف أو إطلاق أيديهم على التّراث، نظرا إلى ما ينتج عن ذلك من عنف ودماء.