حلقة حوار ونقاش حول موضوع: "أيّ دور للأديان في بناء المجتمع؟"
فئة: أنشطة سابقة
انعقدت بمقر مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، يوم الجمعة الموافق ل 06 آذار/ مارس، بالاشتراك مع جمعية التّلاقي وجمعيّة الوحدة في التنوّع، حلقة حوار ونقاش حول موضوع: "أيّ دور للأديان في بناء المجتمع؟"، أدارها الأستاذ نادر الحمّامي، وساهم فيها السّادة:
- ديفيد عزيز (راعي الكنيسة الأسقفية بتونس)،
- محرزية العبيدي (عضوة منظّمة أديان من أجل السّلام بفرنسا)،
- محمد بن موسى (عضو مكتب الإعلام للجامعة البهائية بتونس)،
إلى جانب كلّ من الأساتذة:
- شيماء عيسى (باحثة في علوم اجتماع الدّين)،
- صبرين الجلاصي (أستاذة في علم الاجتماع)،
- الأستاذ محمد الشّريف فرجاني (أستاذ الأديان المقارنة والعلوم السّياسية).
انطلقت الجلسة بإشارات تأطيريّة، قدّم خلالها الأستاذ نادر الحمّامي فكرة حول اللّقاء الذي يضمّ إلى جانب الأساتذة الباحثين والأكاديميّين من ذوي الاهتمام بالمسألة الديّنيّة من وجهة اجتماعيّة وثقافيّة وفكريّة، نخبة من الفاعلين الاجتماعيّين والنّاشطين ضمن المؤسّسات الدّينيّة والمدنيّة ذات العلاقة بالشّأن الدّيني، معتبرًا أنّ الحوار في هذه المسائل يقتضي جانبًا من التّنوّع والتّفاعل الذي يعبّر عن الواقع من أجل أن يحاول الاقتراب من الظّاهرة الدّينية، ويلامس القضايا الكبرى التي تنطوي عليها الممارسة العقائديّة في المجتمع عمومًا، وفي المجتمع التّونسي على سبيل الخصوص، وانطلق السّؤال الذي وجّهه أوّلاً إلى السّيد ديفيد عزيز من هذه النقطة، مستفسرًا حول ما يراه المسيحيّون في المجتمع التّونسي من إمكانيّات تعايش مع الآخر المختلف في العقيدة والمتّفق في المواطنة، وقد بيّن السيّد ديفيد عزيز أنّ تجربة التّعايش التي يخوضها المتديّن الأقلّي في مجتمع مختلف من حيث التمثّل العقائدي والممارسة، من شأنه أن يطرح الكثير من العوائق التي يمكن تجاوزها حين يدرك الأفراد أهمّية المشترك الذي يجمع بينهم في مقابل الاختلاف العقائدي الذي يميّزهم، ليمكنهم من ثمّ استثمار جميع الرّوابط الثقافيّة والمدنيّة لتحقيق التّفاعل المواطني، على اعتبار أنّه الغاية الأمثل للانخراط في التّعايش الاجتماعي، وبيّن عزيز أنّ الإشكال ما يزال قائمًا في المجتمعات العربيّة التي يعيش فيها المسيحيّون، لأنّها لم تدرك بعد، بشكل نهائي، أهمّية المواطنة، واعتبر أنّ الإيمان من جهة كونه فرديّا، خاص بين الإنسان وربّه، ولكنّه يؤثّر في الهويّة المواطنيّة، لذلك يخاف المتديّن من الإفصاح عن انتمائه الدّيني.
وإجابة عن سؤال أثر الدّين في برامج التّعليم الموجّهة للنّاشئة ومكانة الدّين فيها، وإمكانيّات إصلاحها، حتّى لا تؤسّس للخوف من الآخر والخوف من الاختلاف، اعتبرت السيّدة محرزيّة العبيدي أنّ المسألة الدّينيّة تواجَه بكثير من الخوف، وأرجعت ذلك إلى تساؤل كل فرد عن مكانه داخل الفضاء الاجتماعي يحفظ هويته الدّينية والعرقيّة والجنسيّة، وقالت إن الأغلبيّة الدّينيّة في المجتمع تغفل دائما عن طرح الأسئلة الحارقة بخصوص التنوع الدّيني، لأنّها تغفل عن تمثّل الدّين من وجهة نظر أقلّية، وبينت أنّها واجهت سؤال التنوع الدّيني، عندما عايشت أديانًا أخرى في المجتمع الفرنسي، وتفطّنت إلى أهمّية إعلاء قيم التّعايش والقبول بالآخر المختلف واحترام عقائده وشعائره وممارساته الرّوحيّة. وعرّدت العبيدي على مسألة التعليم الدّيني أو الدّين في برامج التعليم الرّسمي، وأكّدت على وجوب معالجة أسباب الخوف من الآخر، وعلى أهمّية الوعي بالمختلف في سياق يؤسس للتعايش والسلام، وقالت: " علينا أن نعي بضرورة تعليم أطفالنا التنوّع الدّيني والعرقي، فوحدها المعرفة تزيل الخوف من الآخر".
وحول سؤال مدى اعتبار الوعي بالاختلاف والتّنوّع الدّيني ضرورة حيويّة في المجتمع، وتأثير ذلك في تمثّل الهويّة الفرديّة والجماعيّة، بيّن محمد الشّريف فرجاني أنّ الأديان متنوّعة في الظّاهر، ولكنّها تعود إلى وحدة الإيمان بالمقدّس والمتعالي، وأنّ جوهرها واحد، رغم اختلاف تفاصيلها، وقال: "إنّ الدّين وسيلة من الوسائل التي يحاول الإنسان بواسطتها إضفاء المعنى على وجوده من أجل تجاوز الوعي المأساوي الذي يضفيه عليه الموت"، وخلص من ذلك إلى اعتبار أهمّية العنصر المشترك بين جميع البشر، وهو إنسانيّة الإنسان من منطلق الاتّفاق مبدئيّا على أنّه كائن حرّ، وأكّد أنّ الأديان تعبّر بعمق عن الإنسان في محاولته إيجاد المعنى من وراء وجوده ومحاولته الإجابة عن سؤال المصير، ليطمئنّ قلبه، ولكن مع وجوب إدراك قيمة الحرّية والانفتاح على الآخر. وقدّم فرجاني بعض الملاحظات حول تجربته في فرنسا، وبيّن أهمّيتها من حيث إنّها وفّرت له مجالاً ضروريّا للانفتاح على العالم والنّظر إلى جميع المعتقدات من وجهة متساوية على أساس التّعايش والتّواصل والسّلام لا على أساس الفرقة والصّراع.
وفي سياق التّأكيد على أهمّية انفتاح التّجربة الدّينيّة على الآخر المختلف، والإجابة عن سؤال مدى قدرة الأديان على تجاوز المعيقات التي تواجه إرساء قيمة التّعايش الاجتماعي والسلام المادّي والرّوحي، بيّن السيّد محمّد بن موسى أنّ الأديان قادرة على التّجاوز نحو الكثير من القيم المشتركة بين الأفراد، إذا حصل الوعي لدى النّاس بأن الاختلاف لا يشكّل خطرًا على حياتهم ولا على معتقداتهم، وأنّ الدّين سبيل روحي لا يمكن فرضه بالقوّة على أيّ إنسان، وقال: "لقد أصبحت إنسانيّة الإنسان اليوم منفتحة بالضّرورة على العالم في جميع المستويات الفكريّة والاقتصاديّة والإعلاميّة، ومن البديهي أن يتمّ الانفتاح بين الأديان بناءً على المشترك الذي يجمع بينها" وعرّج على تجربته الدّينيّة البهائيّة، قائلاً إنّه لا يشعر بأنّه أقليّ في المجتمع، وأنّه قادر لذلك على ممارسة حياته في إطار التّواصل والتفاعل مع الآخر المختلف دينيّا.
وأشارت الباحثة في علم اجتماع الدّين صبرين الجلاصي، أنّ الظّاهرة الدّينيّة من شأنها أن تخلق سندًا تضامنيًّا بين الأفراد من خلال الممارسات العقائديّة والطّقوس، واعتبرت أنّ الهويّة الدّينية جزء من الهويّة الاجتماعيّة، بناءً على التّساؤل "من نحن؟ ومن هم؟"، وأكّدت أنّ الجهل بالآخر المختلف، هو السّبب وراء عدم الرّغبة في الانفتاح على تنوّع الأديان في المجتمع، كما بيّنت أنّ المخيال الشّعبي حول الأديان يسهم في عمليّة الوصم، التي تطال الأقلّيات الدّينيّة، ولا تسمح بفهم المختلف والقبول به، وقالت: "إنّ الهويّة الاجتماعيّة ليست ثابتة، وإنّما هي ديناميكيّة حسب عدّة متغيّرات ثقافيّة؛ وبالتّالي فإنّ الهويّة الدّينية لا تلتزم بالضّرورة بمعايير اجتماعيّة رسمتها الجماعة".
واعتبرت الباحثة شيماء عيسى، في إجابتها عن سؤال أوجه الوعي بالتّعدّد الدّيني في المجتمع، أنّ "التعدّد الدّيني والغيريّة وغير ذلك هي من القيم، تبقى ممكنة في المجتمع، لأنّ التعدّد فطرة في الإنسان"، وبيّنت أن الأمر يقتضي النّظر في مكوّنات التعدّد الدّيني، من متديّنين وفاعلين دينيّين ومؤسّسات دينيّة وأقليّات دينيّة، والانتباه إلى أن البعد التّواصلي بين مختلف هذه الأطراف كامن في العلاقات الممكنة فيما بينها، على أسس موضوعيّة تراعي القيم الاجتماعيّة التي تضبط التّعايش بين الفئات المختلفة وفق الحقوق والواجبات التي لا تتأسّس بدورها على معطيات عقائديّة أو إيمانيّة ذاتيّة بقدر ما تتأسّس على قيم المواطنة، واعتبرت في هذا السّياق أنّ العائق نحو تحقيق التّواصل الإيجابي بين مكوّنات المشهد الدّيني في المجتمع يعود إلى مكوّنات المشهد الدّيني نفسها، وأنّ السّبيل نحو التّعايش يفترض القبول بالآخر المختلف والإيمان بإنسانيّة الإنسان.