حلقة نقاش حول كتاب: اللغة والأسطورة لكاتبه أرنست كاسيرر
فئة: أنشطة سابقة
احتضن مقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، السبت 28 يناير الجاري، حلقة نقاش حول كتاب أرنست كاسيرر "اللغة والأسطورة" نظّمه نادي القراءات، وأدارت النقاش الأستاذة وفاء الدريسي، بمشاركة ثلة من الطلبة والأساتذة الذين طرحوا أفكارا حول مضمون الكتاب وأهميته، واهتموا ببعض التفاصيل التي بنى على أساسها الكاتب أفكاره.
وتوزعت المداخلات انطلاقا من ذلك، على تعريف الكاتب أوّلا؛ وأرنست كاسيرر هو فيلسوف ومؤرّخ فلسفة ينتمي إلى المدرسة الفلسفية الكانطية الجديدة، وهو أحد أهم شارحي الفلسفة النقدية الكانطيّة، ومن أعماله ''مشكلة المعرفة''، و ''الجوهر والوظيفة''، و ''الحرية والشكل'' و ''الأسطورة والدولة''... كما اهتم المتدخّلون بتقديم الكتاب ''اللغة والأسطورة''، وهو كتاب اعتبر فيه كاسيرر أن اللغة هي الأداة الأولى لصنع الأساطير والأخيلة الشعرية والمعتقدات والأديان، كما أبرز المتدخلون في النقاش أهمية اللغة، باعتبارها أداة الإنسان الأولى للتعقّل، وأنها تعكس الميل إلى العقلنة والتفكير العقلي، وأنها ترميز للفكر، وفي ذلك يكمن الاختلاف والتنوّع. وأنها بذلك تعرض نمطين من الفكر مختلفين: الأوّل استدلالي استطرادي والآخر خيالي وإبداعي. ولكنهما نمطان متكاملان ولا يمكن أن يتعارضا، رغم ما يظهر بينهما من اختلاف يتعمّق أحيان ويخبو أحيانا أخرى بحسب اختلاف التمثّل الإنساني واختلاف الأزمنة.
كما اهتم المتدخلون بمسائل الذكاء الإنساني انطلاقا من دور اللغة، واعتبر التصّور الفاعلية العقلية الأولى، وأن عملية التصوّر التي يمارسها العقل الإنساني تصل أوجها دائما من خلال التعبير الرمزي، وأن التصوّر لا يثبت ولا يحتفظ به إلا حين يتجسّد في رمز. وهكذا فإن دراسة الأشكال الرمزية تقدّم مفتاحا لأشكال التصوّر الإنساني عموما، ومن ثم تكوين الأشكال الرمزية، سواء كانت لفظية أو دينية أو فنية أو رياضية أو أي نمط من أنماط التعبير.
وتمت الإشارة إلى أن اللغة والأسطورة تمثّلان أقدم أنماط التعبير لأنهما تعودان إلى بداية التاريخ، وأن كاسيرر قد سعى من هذا المنطلق إلى تحليل العلاقة بين اللغة والأسطورة على اعتبار أن اللغة هي أداة التعقّل الأولى، وأن تلك العلاقة قد أنتجت في مستوى الواقع التعبير الإنساني عن الذات في العالم، وقد استتبع ذلك التفكير في القوى الخارقة التي تقف وراء هذا العالم، وقد بين المتدخلون أن الكاتب عمد في إطار ذلك إلى بيان ارتقاء التمثّلات الاعتقادية إلى أفكار دينية على نحو يماثل تشكيل الأساطير اللغوية. وانفتحت هذه المسألة في النقاش على مسائل العلاقة بين مفاهيم الاعتقاد والفهم والتمثّل التي تربط الإنسان بالعالم والوجود، وتولّد فيه وازع البقاء، ولكن أيضا دوافع الفهم لظواهر الوجود وأبعاده.
وتطرّق النقاش إلى ما عمل عليه كاسيرر في كتابه من تصوير للتعاقب الزمني من خلال بيان الأطوار المتلاحقة للفكر الديني، وكيف أنّها تتأسس بدرجة أولى على اللغة وتتبع مسارها، وانتقل المتدخّلون إلى الحديث عن أهمية الجانب الروحي في اللغة لأنه يرسم العلاقة بين الذات والوجود.
واستنادا إلى المسار الذي أخذه النقاش حول مسائل الكتاب، فإن النقاط التي أثارها المتدخلون مثّلت تفريعات أساسية للحديث عن مسائل عديدة تخصّ الوجود الإنساني وآليات التأمّل والتفكير والتعامل مع الأفكار ومع الواقع، مع تثمين ما يمثّله الكتاب بجملة أفكاره من دوافع باتجاه فهم الأسس الأولى للوجود الإنساني، على اعتباره وجودا فاعلا في محيط متنوّع، ما يتطلّب التفكر المتواصل والتأمّل الذي يمكن أن تتأسس عليه طبيعة العلاقات الإنسانية الذاتية والغيرية.