حلقة نقاش حول كتاب "زعامة المرأة في الإسلام المبكّر: بين الخطاب العالِم والخطاب الشعبي" للدكتورة ناجية الوريمي بوعجيلة
فئة: أنشطة سابقة
نظّمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية السبت 21 مايو الجاري بمقرّهما الكائن بتونس العاصمة، حلقة نقاش حول كتاب الدكتورة ناجية الوريمّي بوعجيلة: ''زعامة المرأة في الإسلام المبكّر: بين الخطاب العالِم والخطاب الشعبي'' حيث قدّمت الدكتورة هاجر خنفير قراءة في الكتاب، وأدار الجلسة الدكتور نادر الحمامي، وقد شهد اللقاء حضور ثلة من الأكاديميين والباحثين الذين ساهموا بمداخلاتهم في إثراء اللقاء.
واستهلت الجلسة بكلمة للدكتور نادر الحمامي الذي قدم الباحثة ناجية الوريمّي من خلال مجموع كتاباتها وأبحاثها، فأشار إلى الخيط الناظم الذي تسير وفقا له في تعاملها مع التراث تعاملا نقديّا وتأسيسيّا، بدءا من أطروحتها ''في الائتلاف والاختلاف: ثنائية السائد والمهمش في الفكر العربي الإسلامي''، وصولا إلى كتابها الأخير حول زعامة المرأة، مرورا بكتابها ''الإسلام الخارجي'' و ''حفريات في الخطاب الخلدوني: الأصول السلفية ووهم الحداثة العربية'' وكتابها ''الاختلاف وسياسة التسامح''، فبيّن أن للكاتبة قراءة للتراث مختلفة عن السائد وبعيدة عمّا تسميه ''وهم الحداثة الباحثة عن قيم الحداثة في موروث قديم'' ذلك البحث الذي لا ينزّل التراث في سياقه التاريخي، وأشار إلى أنها قد عملت على زحزحة الثوابت والمسلّمات في هذا التراث من حيث اختارت أن تدرس الحضارة، باعتبارها بحثا في النص المكتوب، أي فيما دوّن وأصبح علما، وأن ذلك كان اختيارها المنهجي دون تغافل عن مستندات نظرية مهمّة دائما تشتغل عليها فيما يتعلق بنظريّات الخطاب، فتلجأ في تحليلها صراحة إلى غادامير وإلى ريكور بالأساس وميشال فوكو، فكان عملها على تحليل النص الحضاري بالمقارنة وبالحفر وبالوقوف على ما هو مهمل فيه والاهتمام ببنية هذا الخطاب وأهدافه.
وأحيلت الكلمة إلى الدكتورة هاجر خنفير التي قدّمت دراستها للكتاب بالحديث عن العنف الصّامت في المجتمعات العربية فيما تطلقه علاقة السلطة بالمعرفة من مفاهيم وتصوّرات تؤسّس للتّراتبية الجندريّة، وذلك عبر فعل الحذف والشطب لمظاهر حضور النّساء الفاعل عبر التّاريخ خاصة أن هويتها تستمد تفاصيلها من فضاء المقدّس، وقد أكدت أن هذه الزمنيّة المتفاوتة التي تغرق فيها المجتمعات العربيّة وعلاقتها بعنفية المعطى الهووي الذي تشكّله صورة النّساء وأحكامهن، هو ما يستدعي إعادة قراءة تاريخ النّساء من أجل تفكيك ذلك الرّصيد المعرفي المتقادم، وأشارت إلى أن هذا الكتاب يتنزل في سياق تلك الجهود.
وبينت أن الكاتبة قد أفصحت عن الغاية من الكتاب في ختام الخاتمة، وهي استثمار الدلالة الثابتة في مفهوم الزّعامة، وهي المشاركة في الشأن العام، وبينت أن الغاية في الحقيقة لم تكن تقف عند مجرّد الحفر في هذا التاريخ فقط، بل هو حفر له غاياته الحضارية، بأن حاولت الكاتبة مساندة هذه الفكرة القائلة بأن المرأة لها تاريخ زعامة كان دفينا ومغيّبا، وأن استعادة هذا التاريخ تمكننا من أن يكون للمرأة دور حديث في المجال العام والسياسي.
كما قدّمت تحليلا لعنوان الكتاب بناء على ذلك، فقرأته وفق معطيين اثنين:
المعطى الأوّل: يتعلق بضبط مدار البحث وهو زعامة المرأة، وبينت أنّها من الإشكاليات الجوهرية التي تجعل من هذا الكتاب يتموضع ضمن الدّراسات النسوية بامتياز، لأن مسألة الزعامة هي من المسائل المركزية في المباحث النسويّة. وأشارت إلى أن هذا السياق يشكّل الإطار التاريخي الذي تستقي منه الدراسة نماذجها، وأن لذلك أهمية كبرى، ففترة الإسلام المبكّر هي فترة التأسيس والتأصيل لمقومات نظام الدولة الإسلامية، ولذلك فإن البحث في مسألة زعامة المرأة في تلك الفترة الحرجة يشكل خطورة، باعتباره ينبش في تاريخ دفين ومغيّب ويحاول زعزعة بنية الإسلام التّاريخي.
المعطى الثاني: يتعلق بتحديد المدوّنة ومنهج البحث، من ناحية أخرى، وأشارت المتدخلة أن الكاتبة قد توخّت مقاربة إشكالية استنادا إلى المقارنة بين نوعين من الخطاب (العالم/ الشعبي) فما بينهما يلوح ذلك الإمكان المتمثل في المرأة الزّعيمة في تلك البدايات المتوترة. وأشارت إلى أن النظر في خطة الكتاب تكشّف عن محاولة الكاتبة في أكثر من ثلثي الكتاب فضح استراتيجيات تعامل الخطاب التاريخي والفقهي مع صورة المرأة الزعيمة من تغييب وتعديل وتشويه، من خلال الأمثلة النسوية التي اشتغلت عليها الباحثة (سجاح وعائشة والكاهنة).
وبينت الأستاذة هاجر في قراءتها أن ثلث الكتاب يتناول ما وسمته الكاتبة بـ ''الخطاب الشعبي'' من أجل مواصلة فضح ''الخطاب العالم'' وسعيه إلى إخضاع الحقيقة إلى مقتضيات الحكم التي تنهض عليها عملية التأسيس للدولة الإسلامية، ومن أهمها أن الزعامة مشروطة بالذكورة. وقد بينت المتدخلة أن استعمال ''شذرات من فتوح الواقدي'' كان بالنظر إلى اعتباره تسجيلا لمادة شفوية متداولة في مجالس السمر أكثر منها منوالا في إنتاج الثقافة العالمة.
كما أشارت إلى أن تركيز الكتاب على الثقافة الشفاهية والخطاب الشفوي يعتمد الثقة في حامل ذلك الخطاب؛ فهو -كما عبرت عنه- ''خطاب ثقة'' بالأساس، وقد فسرت توزيع أبواب الكتاب وفصوله وفق هذا المعطى، فبينت أنها ارتأت في تعاملها مع الكتاب أن تقدّمه ابتداء من الباب الأخير بطريقة ارتدادية، لأنها تعتقد أن أهم ما ورد فيه هو البحث في الخطاب الشفوي، وقد رأت أن كل الأهمية موجودة في هذا الباب الأخير، لأن الخطاب الشفوي هو الأقرب للذاكرة الجمعية نظرا لتوثيقه للذاكرة المنسيّة والمهمّشة، وهو ما لم ينل اعتراف الثقافة الرسمية التي يمثلها الخطاب العالِم. وقالت إن الكاتبة من خلال اعتمادها آلية التحديد الاصطلاحي في القسم الأول من النص حاولت أن تبين آثار التشكيل التاريخي للتراث العالِم وكيف أنه عمد إلى الحذف والاقصاء لكل ما يخص صورة المرأة في المجال العام.
وتناولت الدكتورة ناجية الوريمي التعقيب على القراءة التي قدمتها الأستاذة هاجر، وقالت بأنها كانت تتوقع منها مسبقا أن تقارب الكتاب مقاربة جندرية، كما فعلت، بحكم اختصاصها. في حين أن المقاربة المؤسسة للكتاب ليس جندرية، وأن من يقرأ الكتاب لا يمكن أن يجد مرجعا واحدا يتعلق بالجندر، لأنها ليست من رواد هذا الاختصاص، وإنما اهتمامها يتركز على تحليل الخطاب بالدرجة الأولى، كما أوضحت أن مقاربتها لزعامة المرأة من الناحية التاريخية الشعبية منها والعالمة هي مقاربة تحليل الخطاب بكل ما يحمله هذا المجال الواسع من مقاربات، منها ما يتعلق ببنية النص، من ناحية، ومنها ما يتعلق بظروفه. وقد أشارت بهذا الصدد إلى ضرورة توضيح وجه الخلاف بين أن نقارب المسألة مقاربة جندرية وبين أن نقاربها من زاوية تحليل الخطاب.
وأشارت إلى أن العنوان كان مختلفا في البداية، وهو ''مفهوم الزعامة بين الخطاب التاريخي العالِم والخطاب التاريخي الشعبي''، ولكن تم تغييره في النهاية باقتراح من الأستاذ عبد المجيد الشرفي، فاستقر على الصّيغة النهائية التي خرج بها إلى القرّاء. فالكتاب في الأصل كان تفكيكا لمفهوم الزعامة، وأكدت الكاتبة أنها كانت قد خصصت فصولا لتفكيك الزعامة في كل من الخطاب العالم والخطاب الشفوي، وأنه تحوّل بعد ذلك إلى ''زعامة المرأة في التاريخ الإسلامي'' بناء على ما لاحظته من أن الجانب التطبيقي في الطرح الأوّلي للكتاب كان مركّزا أساسا في تجارب المرأة، فلا يكاد يخرج عن مكانة المرأة في الزعامة. لذلك استقر الأمر على هذا العنوان، وهذا ما يفسر أن ثلث الكتاب فقط كان مخصّصا لزعامة المرأة رغم إحالة العنوان على ذلك مباشرة.
وأشارت إلى أن تلك المقاربة التي استندت إليها تهتم أساسا بتفكيك صورة المرأة الزّعيمة، فالمنطلق كان تفكيكيا، بناء على الكتب التي حذّر منها العلماء، ومن بينها كتاب الواقدي، وبعودتها إلى الكتاب وجدت بأن أسباب التحذير تكمن أساسا في الصورة البطولية التي احتفى بها الواقدي عن المرأة. وتساءلت قائلة ''هل تكون صورة المرأة هذه التي تتناقض تماما مع امرأة الفقيه هي الداعي إلى التحذير من قراءته؟'' وانطلقت من ذلك التساؤل لتؤكد فرضيّته.
وقد اعتبرت أن كتاب الواقدي ''مشكلة في حدّ ذاته'' بالنّظر إلى اختلافه عن السّائد من المدونات في عصره في كل المذاهب، واختلافه عن مناهج التأليف آنذاك، فقد خرج عن معايير التأريخ التقليدية، وكان أقرب إلى المنهج التّجريبي والواقعي، فكان يعمد إلى الاتّصال بمن كان طرفا في الحدث الذي ينقله، بصرف النّظر عن كونه حجة أو ليس بحجة في الرواية، فقنواته للوصول إلى المعلومة لم تكن القنوات العلميّة المتعارفة، وتساءلت هل هو للواقدي حقا؟ أم هل هو للواقدي في جزء منه؟ أم هل هو لغير الواقدي أصلا؟
وبالإشارة إلى أن الواقدي كان أقرب في تدوينه للتاريخ إلى الواقع منه إلى المتعارف عليه في المناهج العلمية الرّسمية، أكّدت الباحثة أن صورة المرأة في تاريخ الواقدي كانت أقرب إلى الواقع ومنه واقع الحروب، ففي المجتمعات الحربيّة المرأة تكون زعيمة وتكون محاربة وتكون قائمة بأعباء الحرب، وتنتقل المرأة أكثر فأكثر إلى البيوت والقيام بأعباء داخلية في المجتمعات التي تقل فيها الحروب، وبالتالي فقد استنتجت بأن نمط الحياة الحربي الذي كان سائدا في شبه الجزيرة العربية بين القبائل وحتى بين الأمم، هو الذي أنتج ظاهرة زعامة المرأة، وهو الذي جعل من هذه الزعامة ظاهرة وليست استثناءً، وهي استثناء بالنسبة إلينا لأن الخطاب التاريخي الرّسمي لم يقف إلا عند الحالات البارزة من أجل إعادة تشكيل الحقيقة، حتى يصل إلى ذات النتيجة التي استقرت لاحقا في الخطاب الفقهي بأن المرأة المثالية عي امرأة الخدور و ''امرأة القدور''، وقد خلصت الباحثة من ذلك إلى اعتبار مهم، وهو أن المرأة الزعيمة كانت تحرج الفقيه المؤرخ أو المؤرخ الفقيه.
وقد شهدت الجلسة مداخلات من قبل الحضور طالت مضامين الكتاب، وثمنته، وركزت على مجموعة من المسائل المتعلقة بالمرأة وصورتها في نصوص التراث، كما تطرق المتدخّلون إلى البحث في صورة المرأة المحاربة وكيف تفضي تلك الصورة إلى نوعية المجتمع المختلف (الشعبي) الأقرب إلى الواقع منه عن المجتمع الرسمي (العالم) الأقرب إلى السلطان الفقهي والسياسي، وانطلقوا من ذلك إلى مقاربة صورة المرأة في الواقع الحديث والمؤثرات التي تخضع لها وتتحكم في دلالاتها، وتعيد صياغتها وفق إكراهات مشابهة لما كان عليه الحال في التراث العربي الإسلامي.