في الفكر العربي الحديث والمعاصر
فئة: كتب
ليست العودة إلى النهضة استعادة حلم استيقظنا على زواله، بل عودة إلى تاريخ قريب شكل مرحلة انتقالنا إلى الاستعمار بكل أشكاله المعروفة. تفرض العودة إلى عصر النهضة الإجابة على سؤالين: لماذا تخلف الشرق العربي عن السير في طريق التقدم الرأسمالي المستقل؟ وما هي سبل الاستقلال المنشود؟ في الإجابة على هذين السؤالين، تنبسط أمامنا شبكة من المشكلات من طبيعة سياسية واقتصادية وثقافية وقومية وعالمية.
إننا إذ نرفض واقعنا المعاش، نرفضه كدورة في تاريخ كان يجب أن يمر بمثل ما مرّ فيه، ونسعى لأن ننتقل من التأمل السلبي لمظاهر الركود الشامل إلى الفعل الإيجابي بتجاوز هذا الركود.
ربما يطرح كلامنا سؤالاً مهماً يُصاغ في صورة اتهام بنـزعة إرادية. ألا ينفي قولنا السابق قانونية العملية التاريخية التي أفضت إلى تحول الشرق إلى تابع وهامشي على مستوى العملية التاريخية العالمية؟
مخطئ من يظن أن العملية التاريخية، تنحصر بالإطلاق في قوانين صارمة، إن قوانين التطور التاريخي تفرض علينا شيئاً مهماً، وهو كيف نتحرر من فعل القوانين الهمجية التي أفضت بنا إلى هذا المستوى من التطور...
ويجب أن نميز بين الضرورة التي جعلت التاريخ يسري على نحو من الأنحاء، الضرورة كثمرة جملة من الأسباب المتبادلة، بكل ما تنطوي عليه مصادفات لا تتكرر، وبين وعي الضرورة كشرط أولي للتحرر منها. ليست الحرية وعياً للضرورة إطلاقاً، بل الانتقال من وعي الضرورة إلى التحرر منها بالممارسة العملية، بالفعل الثوري.
إن الدافع إلى ذكر ما سبق ذكره، يعود إلى محاولتنا دحض موقفين من سيرورتنا المعاصرة؛ موقف الانسحاب أمام قوى الإمبريالية العالمية الذي يميز قوى طبقية وسياسية رضخت لقدرها المحتوم وأهمها البرجوازية العربية، وموقف الاطمئنان لحتمية تاريخية تقضي بالضرورة إلى زوال العلاقات الرأسمالية السائدة في الوطن العربي، والتي تحدد جوهر تبعيتنا والانتقال إلى الاشتراكية خارج الفعل الذاتي وتنظيم ما سماه غرامشي كتلة تاريخية يناط بها عملية التغيير الثوري للمجتمع.