قراءة علمية في كتاب: "الأسس الإبيستمولوجية لفلسفة نيوتن الطبيعية" للدكتور عبد النبي مخوخ
فئة: أنشطة سابقة
بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، مدارسة علمية لكتاب "الأسس الإبستمولوجية لفلسفة نيوتن الطبيعية" لمؤلفه، الدكتور عبد النبي مخوخ، أستاذ الإبستمولوجيا بالكلية ذاتها، شارك فيها كل من الأستاذين: رشيدة حزم، وأحمد كازى، من نفس الكلية المذكورة، وافتتحها السيد عميد الكلية، وأدارها الأستاذ عبد النبي الحري، وذلك يوم الخميس 03 نونبر 2016 بمدرج دراسات الدكتوراه بكلية الآداب بالجديدة، ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال.
في ورقتها التي شاركت بها في المدارسة، بينت الدكتورة رشيدة حزم أن كتاب الأسس "الإبستمولوجية لفلسفة نيوتن الطبيعية" يبتغي تجلية مجموع التصورات النظرية والمنهجية، الواعية واللاواعية، المعلنة والمضمرة، التي أسس عليها نيوتن مشروعه المعرفي في الطبيعة. ويقتضي تعقل الخطاب العلمي ربط الممارسة العلمية بالسياق التداولي، وبفضل هذا المنهج تمكن المؤلف عبد النبي مخوخ، حسب قول رشيدة حزم، من تقويض القراءة الوضعانية؛ إذ أبان عن سطحيتها من خلال تصويبه لموضوع الفرضية والتجربة، فعلى مستوى الفرضية مكنت المتابعة الدقيقة لدور الفرضية وتتبع أسباب التحول بخصوصها في موقف نيوتن منها إلى جانب التأمل الرصين في العبارة " لا أتوهم فرضيات" التي كانت الأساس الجوهري الذي اعتمدته الوضعانية، لنعت الفلسفة الطبيعية عند نيوتن بالتجربانية من الوقوف على قصورها وتهافت تصورها.
ثم انتقلت الدارسة إلى بيان أن المؤلف قد وضح، من خلال قراءته المطولة والدقيقة والمتعددة، أن نيوتن لم يتخل عن الفرضية الكلية كما يذهب الوضعانيون؛ بل قلصها ورفض الفرضية الوهمية، فقط رغبة منه في تفادي الجدالات الفلسفية وتمييزه فلسفته الطبيعية عن فلسفة الخصوم.
أما فيما يتعلق بالتجربة، فقد لاحظت رشيدة حزم أن صاحب الكتاب استند على مكتسبات البحث الإبستمولوجي المعاصر وعلى مؤلفات نيوتن المنشورة منها والمخطوطة وممارسته العلمية والفعلية والاطلاع على السياق التداولي. وبهذه المنهجية المحكمة استطاع الباحث أن يقف على تهافت التصور الوضعاني للتجربة الحاسمة عند نيوتن.
ولدحض القراءة الوضعانية لفلسفة نيوتن الطبيعية انصرف الباحث، حسب حزم، إلى تأكيد أن التجربة عند نيوتن هي تجربة فكر حبكت نظريا، إذ إنها أعدت في المختبر وأملتها اعتبارات هندسية ونظرية دقيقة.
كما يوقفنا الكاتب، من وجهة نظر القارئة، من خلال تنقيبه واستماتته في البحث على أن نيوتن لم يكتف بالتنظير، بل تعداه إلى ممارسة تجاربه في مجالي البصريات والميكانيكا إلى إثبات تجاوزه ميدان التجربة إلى التجريب، ليخلص إلى أن عبارة التجربة الحاسمة التي اعتمدتها القراءة الوضعانية للفلسفة الطبيعية عند نيوتن ما هي إلا عبارة معركة وحرب دارت بين نيوتن وهوك، ولا تعكس حقيقة الموقف ولا تساير الممارسة العلمية له، ويتعزز هذا الرأي بالاضطراب الذي شاب موقف نيوتن من مسألة الألوان طوال حياته العلمية.
ولتعضيد مقاربته وتأصيلها ، وقفت رشيدة حزم عند استشهاد مخوخ بعلماء الفلك القدماء والمحدثين بدءا من بطليموس وأنصار وخصوم النظام الجديد على السواء وجاليليو وكلها نماذج اعتمدت التجربة الخيالية ومنها استفاد نيوتن، حيث كانت معظم تجاربه في ميكانيكياه العقلية تجارب مثالية.
ونظرا للدور الكبير الذي تتمتع به الرياضيات في الفلسفة الطبيعية عند نيوتن، فلقد كرس الباحث جهوده في الفصل الثاني من كتابه إلى إبراز طبيعة هذا العلم.
ووفاء للمنهج الذي أسسه الباحث لنفسه، والذي يلح على ضرورة ربط فكر الباحث بعلوم عصره يبدأ الدكتور مخوخ، في نظر حزم، بالحديث عن اكتساح الرياضيات للقرن السابع عشر وضرورتها في البحث في الطبيعة، ليعقب ذلك بتساؤل وجيه فرض نفسه على الباحث حول طبيعة هذه الرياضيات هل هي مجرد صور ذهنية أنتجها العقل البشري أم أنها كائنات تجريبية تستخلص عن طريق استقراء معطيات الحساسية؟ هل هي علم نظري أو بناء أكسيومي صوري، أم أنها علم تجرباني وأداة لفهم الواقع الفيزيائي؟
من جهته، تقدم الأستاذ أحمد كازى بورقة موسومة بالعنوان التالي: الميتافيزيقي واللاهوتي في فيزياء نيوتن من خلال كتاب: ''الأسس الإبستمولوجية لفلسفة نيوتن الطبيعية''
بين فيها أن الكتاب ينطلق من أطروحة فلسفية أصيلة، وهي أننا أمام فلسفة طبيعية لنيوتن. وأدى هذا إلى نعته بالتجريبي والوضعاني من طرف بعض الدارسين. وفي مقابل ذلك، هناك وجه آخر لا وضعاني والممثل في البعد الميتافيزيقي واللاهوتي.
ولقد عمل الدكتور عبد النبي مخوخ، حسب قراءة أحمد كازى، على إعادة التساؤل عن العلاقة الممكنة بين العلمي والميتافيزيقي، من خلال العمل على إعادة النظر في الوصاية الوضعانية على فلسفة نيوتن. وذلك بإبراز الجانب العقلي في فكره والمؤسس على الرياضيات ومنهجها الاستنباطي: فهل نيوتن كان وريثاً للتقليد التجريبي والعقلاني كما يعمل على الدفاع عن ذلك الكاتب وذلك بالتوفيق بينهما؟
يشكل تفكير نيوتن لحظة أساسية في تاريخ الفكر والعلم عامة، وهو منفتح على ما هو تجريباني وعقلاني، وبالتالي ميتافيزيقي ولاهوتي. فهل هذا هو ما دفع الكاتب إلى القول بوجود فلسفة طبيعية لنيوتن؟- يتساءل أحمد كازى- وهل هذه الفلسفة مخالفة للتصور الأرسطي أم أنها تجسيد لمبحثه في الأسباب؟
بمعالجته للإشكال المركزي في تاريخ الفلسفة، وهو علاقة الفلسفة بالعلم وبالتالي الميتافيزيقا، ركز الدكتور عبد النبي مخوخ، حسب كازى، على حدود التأويل الوضعاني والعقلاني، لإبراز أن هناك أسسا إبستمولوجية لهذا القول الطبيعي، وليس هناك أساس واحد.
ولإعادة بناء هذه الأسس الإبستمولوجية عمل صاحب الكتاب، في نظر صاحب الورقة، على استدعاء وضعيات متداولة في عصر نيوتن، والممثلة في فكر غاليلي وديكارت. ويتبين هذا من خلال معالجتهم لإشكالية الأسباب –العلل- فهما يوظفان فكرة العلية لكن بوجهات نظر مختلفة. فالأسباب عند غاليلي غير كافية بخلاف ديكارت، ويرجع هذا إلى كون هذا الأخير أعطى أهمية للميتافيزيقي كأساس للعلم.
وما يجمع بين الرجلين هو انتصارهما للعقل بدرجات مختلفة مع انفتاحهما على التجربة، وما يمكن استنتاجه منهجياً هو أن هذه الوضعيات المعرفية هي المُشكّلة للأسس الإبستمولوجية المحركة لفكر نيوتن، وهذا ما يثير إشكالات متعلقة بمسألة الأسباب من جهة، والعقل والتجربة من جهة ثانية.
إن حضور الميتافيزيقا في فلسفة نيوتن الطبيعية راجع إلى اهتمامه بمبحث الأسباب وبمسألة الحركة، لكن لا كأسباب ميتافيزيقية مرتبطة بموضوع البحث عن الوجود بما هو موجود، بل كقوانين عامة للطبيعية.
إن الأسس الإبستمولوجية لفكر نيوتن انفتحت على الخطاب الديني، لكن بمنظور نقدي، فهو لم يجار رجال الدين من كاتوليك وبروتستانت؛ لأنه يعتبرهم بمثابة: ''أباطرة الرومان المتأخرين'' وغرضه من ذلك هو إخضاع اللاهوت للعلم، أي النظر للأمر الديني بموقف نقدي لإيقاف وصاية اللاهوت على العلم.