قراءة في كتاب "الخطاب الأشعري: مساهمة في دراسة العقل العربي والإسلامي" للدكتور سعيد بنسعيد العلوي
فئة: أنشطة سابقة
نظم قسم "قراءات" التابع لمؤسسة " مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" ورشة علمية لمدارسة كتاب "الخطاب الأشعري: مساهمة في دراسة العقل العربي والإسلامي" للدكتور سعيد بنسعيد العلوي، بحضور هذا الأخير ، مفضلا أن يكون مستمعا، ومشاركة الأستاذين الباحثين محمد آيت حمو والأستاذ محمد لشقر، وذلك يوم السبت 12 ديسمبر 2015، ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال.
قدم الأستاذ محمد آيت حمو (أستاذ الفلسفة بجامعة فاس) ورقة تحت عنوان "الخطاب الأشعري لسعيد بنسعيد العلوي أو المغامرة الصعبة" أشار في بدايتها إلى أنه ليس في حاجة للتعريف بصاحب الكتاب، عملا بالقاعدة القائلة: «المعروف لا يعرف»، مكتفيا بالقول، بأنه أحد أقطاب الفكر العربي المعاصر، ومن كبار دارسي التراث العربي الإسلامي. له العديد من المصنفات، منها «الخطاب الأشعري» الذي هو عبارة عن أطروحة دكتوراه دولة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس (1989)، و«دولة الخلافة: دراسة في التفكير السياسي عند الماوردي» الذي هو عبارة عن دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة من نفس الجامعة (1978). وكذلك «الوطنية والتحديثية في المغرب» و«الإيديولوجيا و الحداثة». بالإضافة إلى عدة كتب وأبحاث أخرى باللغة العربية والفرنسية، وقد ترجم مؤخرا كتابا بعنوان «إمام في فرنسا: رسالة ووظيفة» لطارق أوبرو.
لقد جمع سعيد بنسعيد العلوي، في نظر آيت حمو، بين التحليل والتحقيق في بعض مؤلفاته، كما هو الشأن بالنسبة إلى كتابي «أوربا في مرآة الرحلة»، و«الاجتهاد والتحديث»(طبعتان)؛ وبذلك قيض له القيام بمهمة مزدوجة والتقدم على جبهتين: جبهة الدراسة والتحليل والتأويل من جهة، وجبهة التحقيق والبحث في المخطوطات والمقارنة بينها من جهة أخرى.
بعد هذه التوطئة، انتقل آيت حمو للحديث عن كتاب الخطاب الأشعري الذي يعد من الكتب التي اختار فيها المؤلف البحث في المنهجية الفكرية الأشعرية، ورصد آليات الخطاب الأشعري. حيث لو تساءلنا في البداية ، حسب آيت حمو، على المستوى المنهجي للكتاب، فإننا نسجل أولا البناء والتنظيم المحكمين لهندسة الكتاب وتناسق مكوناته، حيث تضمن قسمان، يشمل كل قسم منه عدة فصول. وقد انطلق الباحث في كل فصل، لمعالجة تساؤلات إشكالية واستخلاص النتائج المترتبة عن هذه المعالجة وإثارة تساؤلات جديدة، ممهدة للقضية الموالية، وهو ما مكنه من التحكم في مسار الكتاب من بدايته حتى نهايته. واعتمد لهذا الغرض ببليوغرافيا غنية جدا وبيوغرافيا منتقاة بعناية، استثمرهما بشكل جيد لمعالجة القضايا المطروحة.
أما على المستوى المعرفي، فإن آيت حمو يقول بأن سعيد بنسعيد العلوي أقدم على اختيار موضوع متسم بالجدة على صعيد البحث التراثي الكلامي الفلسفي المعاصر، وهو ما استدعى منه بذل مجهود كبير لاختبار مجموعة من المفاهيم الكلامية، وخصوصا المفاهيم ذات الصلة بأطروحات واختيارات المدرسة الأشعرية.
لقد انصب اهتمام سعيد بنسعيد العوي، حسب آيت حمو، في كتاب الخطاب الأشعري على الإحاطة بمكوِّنات هذا الخطاب والكشف عن آلياته المعرفية، من خلال دراسة النظام المعرفي الأشعري في العصر الوسيط، فرسم حدود المنقول والمعقول عند الأشاعرة، ولذلك يمكن اعتبار كتابه ينبوعا لا ينضب معينه للباحثين في التراث الكلامي والأصولي والسياسي في الحضارة العربية الإسلامية؛ فهو رحلة شاقة في منهجية التفكير عند الأشاعرة، طول فيها المؤلف أنفاسه فارتاد تخوم الكلام والأصول والسياسة والتاريخ، وهي حقول متداخلة ومتشابكة في «الإبيستيمي الوسطوي» يعز ارتيادها ويندر روادها وتتعذر مسالكها في زمن «الوجبة السريعة» التي لم تسلم منها القراءة والكتابة والثقافة، "وانقطاع ما بيننا وبين هؤلاء الأعلام لغة وأسلوبا وعلما، حتى أصبحت قراءة كتبهم والتلمذة عليهم شيئا عسيرا"، كما عبر عن ذلك بأسى ومرارة المرحوم عبد العظيم محمود الديب في مقدمته لكتاب البرهان للجويني. ولعل أحلى الثمار المجنية من هذا الكتاب المتناول بالدرس والقراءة تتمثل في إشاراته وتنبيهاته إلى جملة من القضايا يوجزها آيت حمو في ما يلي:
1 - مراجعة الحكم الشائع عن مناصبة أهل السنة الأشاعرة العداء لعلوم الأوائل.
2 – فصل المقال في ما بين العقل الأشعري والعقل الحنبلي والعقل الاعتزالي من الاتصال.
3 – الإبانة على أن الاختلاف في الإمامة هو أم الاختلافات، رغم نكران الأشاعرة لذلك.
4 – الشيعة الباطنية هي العدو اللدود للأشعرية.
5 – دفاع الأشاعرة، ولاسيما الغزالي، على العقل دفاعا لا نظير له ضد القائلين بالمعلم المعصوم.
6 – مفهوم التجويز هو فيصل التفرقة بين المعتزلة والأشاعرة.
7 – الإبانة عن الصلات الاستلزامية بين علم الكلام وأصول الفقه والنظرية السياسية وإماطة اللثام عن سريان الأصول في الفروع.
8 – إعادة النظر في التمييز الخلدوني المشهور بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين في علم الكلام.
وقبل أن يسدل الستار على قراءته هذه، طرح محمد آيت حمو بعض التساؤلات التي راودته، وهو يقرأ هذا الكتاب، الذي وصفه بالمؤنس، وهي على الشكل التالي:
ألا يمكن اعتبار الشيعة عموما قيمة مضافة للإسلام التاريخي أو ل«الملة الإنسانية» إن شئنا استعارة هذه العبارة من كتاب الحروف للفارابي؟
ما مدى التزام الأشاعرة بما قرره الإمام أحمد بن حنبل؟
هل كان التزام الأشاعرة بما قرره الإمام أحمد بن حنبل رهبة من الخطر الباطني أم رهبة من الخطر الحنبلي؟
ألا يمكن اعتبار الاختلافات الكائنة بين المعتزلة والأشاعرة اختلافات لغوية وشكلية بالنظر إلى اختلاف دلالات الألفاظ الكلامية بينهم من جهة، وبالنظر إلى خروج الأشعري الذي أسس المذهب الأشعري من جبة المعتزلة الذين كانوا ينيبونه للترافع عنهم لما يزيد عن أربعين عاما؟
ألم يكن المذهب الأشعري كامنا وموجودا بالقوة في المذهب الاعتزالي، وبالتالي لم يعمل الأشاعرة سوى على تعديله وتنقيحه؟
ألا يدين المذهب الأشعري – الذي هو ردة فعل فقط - للمذهب الاعتزالي – الذي أبدع الكلام - بدين لا يرد؟
هذه الأسئلة، في نظر محمد آيت حمو، لا تقلل، كما يقول، من القيمة المضافة التي جاء بها كتاب الخطاب الأشعري الذي يمثل نقطة انعطاف تاريخية كبرى في الدراسات الكلامية الفلسفية المعاصرة التي نظرت إلى الخطاب الأشعري بعيون جديدة، لدرجة يمكن القول معها بأن هذا الكتاب يشطر هذه الدراسات إلى شطرين كبيرين : ما قبلها وما بعدها.
أما الأستاذ محمد لشقر (أستاذ الفلسفة بجامعة مكناس)، فقد نبه في بداية مداخلته أن الأستاذ العلوي، لم يبتغ التعريف بالمذهب الأشعري في كتابه هذا، بل كان غرضه الأساس هو التنبيه على ما يحدث أثناء صياغة المذهب عبر البحث خلف القول المعلن والمفكر فيه عما كان مضمرا وغير مفكر فيه من مفاهيم مؤطرة.
يربط المتكلم الأشعري، في نظر العلوي، بين العقل والمعتقد الأشعري، فهذا المتكلم ليس مدافعا عن العقيدة ومناصرا لمذهبه فقط، بل مشرع للعقل ولقواعده وحدوده أيضا. سيغدو الفعل الكلامي إذن فعلا مزدوجا، فهو تأصيل لأصول الدين من جهة، وتأصيل لأصول المعرفة ومبادئها وكلياتها من جهة أخرى. بعبارة أخرى، يقول لشقر، إذا كانت خصائص المذهب تتجلى في شكل المقاربة وكيف المعالجة، فإن ذلك ذاته هو تجل لدلالة وحدود العقل.
ترصد هذه الدراسة بدقة متناهية، حسب القارئ دائما، لحظتين أساسيتين من عمل العقل الأشعري؛ لحظة أولى توقف فيها الباحث عند العقل، وهو يرسم دوائر النظر وحدودها، ويشرع شروط المعرفة وآفاقها، ثم لحظة ثانية توقف فيها عند العقل المتجه نحو العمل والفعل.
بناء عليه توزع مجهود الباحث بين مسارين مندمجين ومتكاملين، الأول هو نظر في الخطاب الأشعري في العلم، واختص فيه القول بجنسي الكلام والأصول، والثاني نظر في الخطاب الأشعري في العمل، حيث اتخذ من النصوص الأخلاقية والسياسية والصوفية مجالا شاسعا للاشتغال.
أما عناصر الجدة في دراسة الأستاذ العلوي حول الخطاب الأشعري، فيحدده محمد لشقر في أربعة عناصر، يدرجها مرتبة حسب ما بدا له وفق معيار الأهمية كالآتي: أولا مفهوم التجويز، ثانيا صلة العقل بالنقل، ثالثا البعد التفاعلي في الخطاب الأشعري، رابعا وأخيرا البعد الإيديولوجي في الخطاب الأشعري.