قراءة في كتاب "الجنس كهندسة اجتماعية" لفاطمة المرنيسي
فئة: أنشطة سابقة
شهد مدرج مركز دراسات الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة (المغرب) ندوة علمية مشتركة بين كل من مختبر "التاريخ والعلم والمجتمع" ومؤسسة مؤمنون بلا حدود"، من خلال قراءة في كتاب "الجنس كهندسة اجتماعية" للراحلة فاطمة المرنيسي، يوم الأربعاء 9/12/2015
وقد انطلقت أشغال الندوة بوقوف الحاضرين ترحما على روح الفقيدة التي رحلت عن عالمنا خلال الأسبوع الماضي، ثم بكلمة افتتاحية وتأبينية من طرف السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدكتور حسن قرنفل، الذي وقف عند عدد من مناقب المرحومة، داعيا إلى إعطاء فكرها وإنتاجها الثقافي ما تستحقه من عناية واهتمام.
كما تناول الكلمة من بعده رئيس الجلسة الدكتور عبد النبي الحري، بصفته عضوا بمختبر "التاريخ والعلم والمجتمع" ومشرفا على قسم "قراءات" التابع لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، حيث عبر عن شعوره بالحزن العميق لفقدان الراحلة، التي خلفت نصوصا علمية وفكرية وإبداعية مهمة، جديرة بالرصد والمتابعة والقراءة، وفي هذا الإطار يأتي هذا النشاط الذي يجسد اعترافا بما أسدته الفقيدة من خدمات جليلة للثقافة المغربية والإنسانية، داعيا الشباب الجامعيين إلى البحث العلمي فيما خلفته فاطمة المرنيسي من آثار فكرية، سواء على مستوى مشاريع بحوث الإجازة أو الماستر أو أطروحات الدكتوراه.
بعد ذلك، تناوبت كل من الأستاذتين عائشة حليم، من مسلك السوسيولوجيا بكلية الآداب بالجديدة، والأستاذة هناء اشريكي من نفس المسلك ونفس الكلية.
توزعت عناصر مداخلة الدكتورة عائشة حليم في ثلاثة محاور أساسية وخاتمة استنتاجية، وهي:
- المحور الأول: فاطمة المرنيسي: الطابو في مختبر البحث السوسيولوجي وفي عمق النضال النسائي؛
- المحور الثاني: الجنس كهندسة اجتماعية: بين التصور الإسلامي للحياة الجنسية وواقع العلاقات العائلية في المجتمع المغربي؛
- المحور الثالث: الجنس كهندسة اجتماعية والتحولات القيمية في الأسرة المغربية المعاصرة.
- خلاصة عامة.
وهكذا، اعتبرت القارئة أن كتاب "الجنس كهندسة اجتماعية بين النص والواقع" يشكل ترجمة لنص الأطروحة الأصلية للباحثة السوسيولوجية فاطمة المرنيسي، والتي هي "ما وراء الحجاب"، باعتباره مدخلا أساسيا لفهم التحولات التي عرفتها العائلة في المجتمع المغربي، ومن خلاله المجتمع العربي الإسلامي، وهي تغيرات تمس جوانب متعددة.
إن قراءة كتاب" الجنس كهندسة اجتماعية" بين النص والواقع، تصبو من خلاله حليم، وعبر الباحثة المرنيسي، فهم خيوط العلاقات الاجتماعية التي ساهمت في بناء العائلة في المجتمع الإسلامي، ومن تم فهم مختلف الحدود الموضوعة بين الجنسين على مستوى المجال، كمجال عام وخاص، وأيضا بين ثنايا الثقافة المؤسسة لهذا الفصل كثقافة تتغذى من الدين الإسلامي ومن القراءات الشعبية له والطقوس المرتبطة بتثبيته اجتماعيا.
كما أن الكتاب، يمثل في عمقه، حسب الدكتورة عائشة، اللبنة الأساسية لمشروع المرنيسي البحثي الذي اتخذ لاحقا صورة توسيع رقعة البحث إلى حدود النضال حول قضايا المرأة، مشروعا توخت من خلاله ملامسة المسكوت عنه والمؤسس للعلاقات الاجتماعية، اللامفكر فيه اجتماعيا والمرسخ للسلطة الذكورية والهيمنة على المجال العام اللامرئي، والذي ينتمي إلى خانة الحميمي والمحصن بالثقافة في مدلولها العام.
وفي نفس الوقت، يشكل محطة أساسية لنقاش علمي هادئ ورصين يمتح من مرجعيات مختلفة أهمها الدين الإسلامي كتراث، والذي تعتبره المرنيسي "دينا ومجموعة من الطقوس وتاريخ وذاكرة...وكذلك قانونا وممارسات يومية وقواعد للعلاقات العامة والخاصة ومصدرا لفرز الأنماط وبنية المتخيل" من جهة، والمعطيات التاريخية كوقائع معاشة تتنوع بتنوع جغرافيا المكان كما خريطة العلاقات الاجتماعية المنتجة لنوع من الممارسات التي على أساسها يقوم الاقتصاد والسلطة العائليين.
هكذا تضعنا قراءة الكتاب وأطروحته، حسب عائشة حليم، أمام ضرورة وضعها في إطارها التاريخي لاستجلاء وضعية الإشكالات المرتبطة بالعائلة في مجتمع مسلم ومعه وضعية المرأة على الخصوص في فترة سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وفي نفس الآن قراءة تضع الأطروحة أمام محك المقارعة العلمية والمقارنة مع التحولات التي نعيشها اليوم، بصيغة أخرى ستحاول القراءة قياس مدى صلاحية الخلاصات التي استنتجتها الباحثة في وقتنا الراهن، ومنه الوقوف على التحولات العميقة للعائلة المغربية.
أما مداخلة الدكتورة هناء شريكي، فقد استهلتها بالإشارة إلى أن القراءة في أعمال فاطمة المرنيسي تستدعي تحليل مستويات مختلفة، والتي شكلت الخيط الناظم لفكرها ومشروعها العلمي المتماسك. لذا تستوجب "عملية" القراءة هذه، وفي مرحلة أولى، محاولة إعادة قراءة مسار السوسيولوجيا المغربية (درسا وفكرا)، لتتأتى لنا إمكانية الإسهام "البسيط" في قراءة جزء من فكر المرنيسي.
ويرجع هذا الربط بين الدرس السوسيولوجي والممارسة السوسيولوجية بالمغرب، من جهة، وبين أعمال فاطمة المرنيسي، من جهة ثانية، إلى أسباب ودواعي تاريخية بحثة، تنتمي، حسب شريكي، لزمن التأسيس بما عرفه من نجاحات وإخفاقات ارتبطت بسياقات سياسية وإيديولوجية اعتبرت خلالها السوسيولوجيا "معرفة مزعجة"، جعلتها موضوع حظْر وحذر.
داخل هذه السياقات، فعلت المرنيسي في الحقل السوسيولوجي المغربي، فكانت إسهاماتها، إلى جانب محمد جسوس، عبد الكبير الخطيبي، بول باسكون والمكي بنطاهر (وآخرون)، إسهاما في تأسيس الدرس السوسيولوجي بالجامعة المغربية، خصوصا على مستوى المنهج. كما عملت على البحث في إشكالات جديدة (النوع الاجتماعي) وفق مقاربات جديدة أيضا، تجاوزت من خلالها، وفي الآن ذاته، ثنائية الذكر والأنثى المبنية على المحدد البيولوجي الصرف، وثنائية الرجل والمرأة المستندة على تقسيم اجتماعي/ثقافي للجنس.
لهذه الأسباب، تقترح شريكي من خلال هذه القراءة التطرق إلى بعض الجوانب التي تحدد أبعاد السوسيولوجيا كما بنتها وفعلت فيها فاطمة المرنيسي، وهي كالآتي:
- البعد المنهجي الذي اعتمدته الباحثة من أجل مقاربة إشكالية بحثها، خصوصا في الظرفية التاريخية التي اشتغلت خلالها(مطلع سبعينيات القرن الماضي)،
- البعد البراديغمي الذي اعتمدته في مشروعها، والذي من خلاله حاولت قراءة سؤال "النوع الاجتماعي"، انطلاقا من الثقافة الإسلامية، باعتبارها "تراثا فكريا وتاريخيا"، تناولته بالدراسة والتحليل كمدخل أساسي للكشف عن طبيعة "ديناميكية العلاقة بين الجنسين في المجتمع الإسلامي المعاصر"،
- البعد المفاهيمي والمتمثل في ربطها ما بين "الحجاب" (كآلية لمراقبة المرأة وحماية الرجل منها) و"الهندسة الاجتماعية" (كمجال مفكر فيه لتنظيم العلاقة بين الجنسين)، بما يستلزمه هذا الربط من تحكيم منطق الحساب والاستراتيجية والتنظيم ....