قراءة في كتاب العالمية الإسلامية الثانية لأبي القاسم حاج حمد
فئة: أنشطة سابقة
تواصل مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث سلسلة حلقاتها الدراسية حو ل مجموعة من الكتب التي لها وقعها على الساحة الفكرية، العربية والدولية. حيث كان موعد أصدقاء صالون جدل الثقافي مع قراءة في كتاب "العالمية الإسلامية الثانية" للمفكر السوداني الحاج حمد أبو القاسم، يوم السبت 05 دجنبر 2015، ابتداء من الساعة الرابعة مساء، بمشاركة كل من الباحثين محمد العاني ومصطفى بوكرن.
هذا الأخير كان أول المتدخلين خلال هذه الورشة حيث أكد في مداخلته أن قارئ كتاب "العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة"،يجد نفسه أمام مُؤلَّف، من صنف الموسوعات المعرفية، التي تُبشِّر بمشروع فكري مستقبلي واعد، متكامل الأركان.
وإذا كانت حقيقة الكتاب هكذا، حسب الباحث، فمن الصعب تقديم قراءة، قد تقع في محظورين؛ التسرع في إطلاق الأحكام، و اختزال المضامين المستفادة. ولذلك فقيمة الكتاب/المشروع، تدفع القارئ أن يتفاعل معه بطريقة مغايرة، تهدف إلى فهم أدق وأعمق لأطروحة المؤلف.
وبالنظر العميق في الكتاب، يصل القارئ المتبصر إلى خلاصة أساسية؛ أن أبا القاسم حاج حمد أعطى أهمية "للغة القرآن"، إذ اعتبرها هي المدخل إلى رحابه، وضمن هذه اللغة، يوجد المِفتاح، الذي هو المصطلح، وميز بين استعمال الله سبحانه للغة العربية، واستعمال الإنسان العربي لها، ودعا إلى إنتاج قاموس قرآني، أو معجم مفهومي لمصطلحات القرآن، وعمل على ذلك في مشروعه، فأعاد تعريف الكثير من المصطلحات القرآنية تعريفات جديدة تخالف السائد المشهور.
ومن هذا المنطلق، حاول بوكرن أن يتفاعل مع هذا الكتاب، باقتراح مشروع بحث، يُشكل مدخلا رئيسيا لفهم أطروحة المؤلف، يتصف بالاختصار والدقة والتنظيم والترتيب تحت عنوان: "معجم المصطلحات القرآنية المُعرَّفة".
إن هذا المشروع البحثي، حسب بوكرن، يعتبر مقدمة رئيسية، لفهم منهج أبي القاسم حاج حمد في دراسة المصطلح القرآني، كما أنه يبين حجم المصطلحات التي درسها، والتي لم يدرسها، قصد التفكير في استثمار ذات المنهج لدراسة لمصطلحات أخرى.
كما أن هذا العمل، هو ملخص منظم ومرتب، لأهم ما عمل عليه في مشروعه، إعادة تعريف المصطلحات القرآنية، لتصحيح الفهم الخاطئ لها. وإذا لم يصل هذا التعريف إلى عموم الناس، فإن جهد أبي القاسم حاج حمد، سيبقى، في نظر مصطفى بوكرن، منزويا في الرفوف، ولا سبيل إلى إخراجه، إلا بواسطة معجم سهل التناول والتداول.
أما السيد محمد العاني فقد قسم مداخلته إلى قسمين اثنين، أولهما عبارة عن عرض إشكالي منهجي لكتاب العالمية الإسلامية الثانية للحاج حمد؛ وثانيهما عبارة عن تفاعل نقدي مع أطروحة الكتاب المركزية.
هكذا يتحدد سؤال أطروحة الحاج حمد في هذا الكتاب، حسب محمد العاني، في انطلاق سؤالها المركزي من سؤال أزمة الإنسان العربي المسلم، وأن صاحبه يتوخى وضع رؤية للعالم وإطارا مرجعيا للإنسان، مع ما يتطلبه ذلك من تصحيح ديني جذري، خاصة على مستوى تصورنا لله ولطبيعة علاقته بذواتنا وعالمنا.
ورغم المحاولات التي بدلها الحاج حمد على مستوى التأسيس النظري لمفهوم إسلامي كوني للإنسان انطلاقا من رؤيته الخاصة للمرجعية القرآنية التي ينطلق منها، فإنه تأويليته لم تذهب بعيدا في التأسيس لإنسان كوني يتعالى على كل الفوارق والمحددات العرقية والإثنية والدينية، بحيث ضاقت عالمية الحاج حمد على نفسها، مما جعلها لا ترقى حقا إلى مستوى العالمية في نظر السيد محمد العاني، بحيث لم يستثمر تحليلاته للمرحلة الآدمية، المتناثرة في مواضع مختلفة من كتابه، وما فيها من إشارات مهمة.
فالمفموم المعاصر للأنسنة، والقول للعاني، يوازي الطرح القرآني لمفهوم الخليفة، وآدم هو نموذج انتقال هذا الإنسان من كائن همجي متوحش إلى خليفة. فإذا كان الإنسان العاقل نتيجة تطور بيولوجي، فإن الإنسان العاقل "الخليفة" هو كائن ارتقى بفعل نفخ الروح، أي تمكين الإنسان من الوعي والتفكر ب ذاته.
إن الحاج حمد حسب، العاني، بالرغم أنه أبدع كثيرا، فإنه في ذات الوقت لم يتمكن من تأسيس منظور تأويلي وديني انطلاقا من القرآن الكريم يؤسس لعالمية إنسانية حقيقية، بدل هذه العالمية التي ضاقت إلى درجة دفعت محمد العاني إلى ختم مداخلته بالسؤال التالي:
"إذا كان حاج حمد يحلل التاريخ العربي الإسلامي، ويستشرف، من خلال هذا التحليل، مستقبل الأمة، ومقومات وجودها ... فأين العالمية هنا؟
هل المقصود أن هذه العالمية "الإسلامية" ستصبح المركز الحضاري الجديد؟
بما أن التحليل، ابتداء، ليس عالميا، وهو منشغل في سياق معين، فكيف تكون النتائج عالمية؟"