قراءة في كتاب: مفهوم الإرادة في الفلسفة المشائية الإسلامية
فئة: أنشطة سابقة
نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ندوة علمية لمدارسة كتاب "مفهوم الإرادة في الفلسفة المشائية الإسلامية" لمؤلفه الدكتور سعيد البوسكلاوي، شارك فيها كل من الدكتور فريد المريني والدكتورة نظيرة فدواش.
قدمت هذه الأخيرة، ورقة بينت فيها كيف سعى سعيد البوسكلاوي إلى معالجة أحد المفاهيم الفلسفية المركزية، وهو مفهوم الإرادة، من وجهة نظر بعينها، وهي نصوص فلاسفة كابن سينا والفارابي وابن باجة وابن رشد، وهم في نظره، تقول الدكتورة نظيرة، محسوبون على التيار المشائي. ويعتبر البوسكلاوي مفهوم الإرادة على قدر كبير من الأهمية، موازاة مع القضايا التي شهدتها الفلسفة الإسلامية بشكل عام، وهي قضايا أغفلت سواء عن قصد أو عن غير قصد مقاربتها لمفهوم الإرادة.
أما المنهج الذي توسل به الدارس، حسب الباحثة، لإنجاز هذ ا الكتاب، فهو وفق تصريحه منهج الالتزام بالنص داخل سياقه، فجاءت معالجته لهذا المفهوم من خلال ثلاثة مستويات بدت له أنها هي وجوه مفهوم الإرادة في هذه النصوص. لذلك، فقد درس الإرادة من حيث هي مبدأ فيزيائي، ودرسها من حيث هي مبدأ سيكولوجي، كما درسها من حيث هي مبدأ سياسي.
ويمكن القول، تضيف نظيرة فدواش، إن قوة هذا العمل أو بالأحرى جدّته، تكمن أساسا في محاولته الجمع بين مستويات عادة ما نجدها متفرقة في كتابات أخرى. وبعبارة أخرى، إن اعتبار مفهوم الإرادة مفهوما مركبا هو ما جعله يمد الجسور بين الفيزياء والسيكولوجيا والعلم المدني، وهذه إحدى نقط قوة هذا العمل.
فرض التقسيم الذي أجراه البوسكلاوي على موضوعه التجوال والذهاب والإياب بين علوم وموضوعات ومفاهيم ليس يسهل الربط بينها. لهذا، تجده ينظر في مفهوم الطبيعة ومفهوم الحركة في مجال فلسفة الطبيعة كما تجده يعالج مفهوم الإرادة من حيث إنها مبدأ سيكولوجي، محاولة منه تحديد الإرادة بين كونها انفعالا وكونها فعلا وتحديد موقعها بين الغريزة والعقل. وإلى ذلك، فقد نظر فيما يميزها عن العقل العملي وتحديد تعلقها بمبدأ الخير.
أما الدكتور فريد المريني، فقد انطلق من القول إن هناك علاقة قوية بين الفلسفة والمفهمة، حيث يمكن القول إن فعل التفلسف ذاته غير ممكن في غياب التأسيس النظري لمجموعة من المفاهيم. إن ابتكار المفهوم يستلزم ابتكار كيفية معينة من التفكير وتصور الأشياء. لهذا غالبا ما يكون هذا الابتكار مؤديا بصفة حتمية إلى خلق منهج غير مسبوق في فعل التفكير ذاته. وليس سوى في مسارات هذا المنهج بالضبط، ترتسم معالم التفلسف الحقيقي.
تتحدد معالم المفهوم الفلسفي بشروط تاريخية وحضارية، سياسية واقتصادية وعقائدية...ولذلك، فالمفهوم الفلسفي يعتبر تركيبا لأنماط متنوعة من التصورات والمعتقدات، وطقوس مختلفة من التحليل والفهم، إنه نتاج تفاعلاته الذاتية كمفهوم محاور لمفاهيم أخرى.
وفي هذا السياق النظري التأصيلي بالذات تندرج، حسب الدكتور فريد المريني، أهمية المساهمة الفلسفية للباحث سعيد البوسكلاوي في كتابه: مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلامية المشائية. فهو كتاب لمنظور بحثي جديد، من حيث ينشغل بصفة كاملة بمفهوم فلسفي قوي هو مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلامية. ويحمل هذا الانشغال في واقع الأمر، دلالة عميقة بالنظر إلى العوامل الآتية :
أولا-لأن مفهوم الإرادة يخترق كل المباحث الفلسفية القديمة دون أن يكون له حضور واضح المعالم في النصوص الفلسفية التأسيسية. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الباحث قدم لنا مادة فلسفية غنية لم يكن من السهولة الظفر بها في الماضي، كما أنه تمكن من جهة أخرى، من إشاحة الحجاب عن كثير من القضايا والمفاهيم التي لم تكن مفهومة بشكل كاف.
ثانيا-لأن الكتاب تمكن، ليس فقط من الكشف عن الاجتهادات الفلسفية للفلاسفة المشائين المسلمين في علاقتهم المعقدة بأرسطو، بل أضاء لنا كل الرؤى المنهجية الجديدة التي تمكن من خلالها هؤلاء من استيعاب مفهوم الإرادة وتجديد معانيه ووعائه الدلالي والنظري، في مجتمع مختلف كلية عن المجتمع الإغريقي القديم. وقد ساعدنا ذلك في تلمس دقيق لمعالم المساهمة الفلسفية المبدعة لهؤلاء الرواد.
ثالثا- لأن الباحث بذل جهدا علميا مضنيا في وقوفه التحليلي النقدي عند نصوص أربعة من كبار الفلسفة الإسلامية: اثنان في المشرق؛ هما المعلم الثاني أبو نصر الفارابي والشيخ الرئيس ابن سينا، واثنان في المغرب؛ هما ابن باجة وأبو الوليد ابن رشد. وفي هذه الوقفة الفلسفية العميقة، كان الباحث مطالبا بفك كثير من الألغاز التي تحوم حول علاقة هؤلاء بعضهم بالبعض الآخر، وأشكال الحوار الفلسفي الخفي الذي كان يجري خلسة بينهم، إضافة إلى تقديرات كل واحد منهم للتراث الفلسفي الأرسطي، خاصة حين يتعلق الأمر بتلك القضايا الفلسفية الشائكة التي تحوم بطريقة أو أخرى حول مفهوم بالغ التعقيد هو مفهوم الإرادة.
رابعا- لأن الكاتب تمكن من ولوج حقل فلسفي لم ينل عناية الباحثين المتخصصين في الفلسفة الإسلامية فيما مضى، وأعني بذلك حقل الفلسفة العملية. وفي هذا السياق البحثي، فقد كان على الباحث أن يبذل جهدا كبيرا في قراءة النصوص واستخلاص الأفكار والنتائج الفلسفية من قلبها.