كرسي غرناطة يشارك في عقد دورة تكوينية في إسبانيا
فئة: أنشطة سابقة
شارك "كرسي غرناطة لدراسات الحضارة الإسلامية وتجديد الفكر الديني"، الذي أسسته مؤسسة مؤمنون بلا حدود بالشراكة مع جامعة غرناطة والمؤسسة الأوروبية العربية للدراسات العليا، في عقد دورة تكوينية لفائدة الطلبة الباحثين في سلك الماستر ومرحلة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية والقانونية والإنسانية والسياسية والإعلام والاتصال... وذلك في إطار الجامعة الصيفية للجامعة الدولية للأندلس، والتي تمتد من 6 يوليوز إلى 25 سبتمبر 2015.
وقد ناقشت الدورة ظواهر التطرّف والإرهاب والمقاتلين الأجانب، ودرست أسبابها وسبل التعامل معها، حيث كان البرنامج غنيا بمحاضرات أكاديميين وباحثين وخبراء مختصين، لم يسقطوا في فخ الأحكام الجاهزة ولم يسايروا الخط الذي تعتمده بعض وسائل الإعلام الغربية حين تلصق تهمة التطرّف بالإسلام وتجعل صك الاتهام حكرا على المسلمين. إذ لم تتميز الدورة فقط بالتمييز بين الإسلام وبين الإرهاب المرتكب باسمه، وإنما تميزت كذلك بالتطرق إلى حالات متطرفين وإرهابيين ومقاتلين أجانب غربيين غير مسلمين، في إشارة دالة على أن التطرّف والإرهاب لا دين لهما ولا وطن.
وفي هذا الإطار، عرض الدكتور أومبرتو تروخيو مندوزا، أستاذ المنهجية في العلوم السلوكية في جامعة غرناطة، تحليلا للجوانب النفسية للإرهاب، حيث عدد أسباب التطرف وظروف التأثر بالتجنيد والاستقطاب، مبرزا أهم الجوانب الكفيلة بمواجهة فاعلة للإرهاب، حيث ذهب إلى أن التطرف والإرهاب بمثابة "ظواهر متعددة الأوجه"، تحتاج معالجتها إلى إجراءات عاجلة، أهمها "دراسة الآليات والعوامل النفسية والاجتماعية المؤثرة في سلوك المتطرفين والإرهابيين"، مؤكدا أن عدم الانتباه إلى هذا الأمر قد ينتج عنه مزيد من التجنيد في صفوف التنظيمات الإرهابية، حيث استشهد على ما ذهب إليه بإحصائيات المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، التي تشير إلى تزايد إقبال الإرهابيين والمقاتلين الأجانب على بؤر الصراع والنزاعات المسلحة.
وتمحورت محاضرة الأستاذ سيرخيو بيونشي، رئيس مؤسسة AgenforMedia، حول موضوع "المقاتلون الأجانب وغموض السياسات الوقائية الغربية"، حيث أشار إلى أن التدابير التشريعية التي يجري تنفيذها في أوروبا لمكافحة الإرهاب تؤثر على الحريات الفردية، وقام في هذا السياق بمناقشة استراتيجيات مكافحة الإرهاب في أوروبا، حيث عرض سلسلة من المعطيات والمؤشرات استنادا إلى الدراسة التي أجراها حول التطرف في السجون الأوروبية، بتكليف من المفوضية الأوروبية، كما عرض خلاصات المقابلات التي أجراها وفريقه المتخصص، مع أشخاص متهمين بالإرهاب أو مدانين به، عارضا إحصائيات حول المتطرفين والمتابعين بتهم التورط في أعمال إرهابية، والدوافع التي تؤدي بالعديد منهم لارتكاب هذه الجرائم الإرهابية. كما أشار الأستاذ المحاضر إلى توصيات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، والتي تنص على ضرورة "التزام الدول الأعضاء بتطبيق عقوبات فورية وفقا للقانون الدولي، وكذا على تبادل المعلومات وتعزيز التعاون لمنع تحركات الإرهابيين"، مع التأكيد على تخوفه من بعض النقاط الغامضة، "فعدم وجود توافق في الآراء بشأن تعريف الإرهاب قد يؤدي إلى احتجاز أشخاص لا يعتبرون إرهابيين في الدول الأخرى". وهو الأمر الذي شاطره الرأي فيه الأستاذ كارلوس إشبيريا خيسوس، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الوطنية للتعليم عن بعد، ورئيس قسم مرصد الإسلام للمجلة الشهرية "War Heat Internacional"، وذلك خلال تناوله لموضوع إشكالية الايديولوجيات "الجهادية" والصراعات في المنطقة المغاربية، خاصة مع اشتداد الأزمة الليبية وما تطرحه من تعقيدات على هذا المستوى.
وأما محاضرة الدكتور محمد بنصالح، الأستاذ الباحث ومدير "كرسي غرناطة لدراسات الحضارة الإسلامية وتجديد الفكر الديني"، فقد شددت على ضرورة الفهم الجيد للظاهرة الإرهابية حتى يمكن معالجتها، لأن عدم إدراك تعقد المشهد سيجعل إيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء على الإرهاب أمرا أكثر تعقيدا، مشيرا إلى أن الإرهاب أساء إلى سمعة المسلمين رغم أنهم أكثر ضحاياه، وذلك بسبب ظهور أشكال صادمة من التطرّف الديني الذي يزعم رفع راية "الجهاد" مختطفا الإسلام من أهله وقيمه ومبادئه، وبسبب آلة إعلامية مغرضة لا ترى في الإرهاب إلا ترجمة عملية لقيم الإسلام.
وفي معرض تحليله للسياسة المغربية في مكافحة الإرهاب، اعتبر الأستاذ المحاضر أن حضور الهاجس الأمني في تدبير ملف التنظيمات المتطرفة أمر طبيعي، ورأى أن تراكم الخبرة الأمنية بعد العمليات الإرهابية التي هزت الدار البيضاء في 16 ماي 2003 ساعد على الحيلولة دون تشكل مناخ ينشط فيه الإرهابيون، مشيرا إلى أن هذا الأمر لا يعود فقط إلى الإستراتيجية الأمنية الوقائية، وإنما إلى عوامل أخرى، منها الإجماع الشعبي على إدانة الإرهاب الذي يعبر عن تجذر فكرة الدولة في الوعي الوطني للمغاربة، فضلا عن المقاربة الشاملة التي تبناها المغرب منذ 2005، والتي تم من خلالها إيلاء الاهتمام للجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية في مواجهة الإرهاب.
وفي معرض مناقشة السبل الممكنة لمواجهة الإرهاب الدولي، قال الدكتور بنصالح إن العالم اليوم مطالب بتفعيل توصيات "استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب" التي تنص على أن "تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان" يعد ضرورة حيوية من أجل مواجهة الإرهاب، وهو ما يعني أن الجميع، كل من موقعه، مطالب بالعمل على مواجهة الصور النمطية الخاطئة المتبادلة من خلال تعزيز الفهم والمعرفة لأهميتهما في مد جسور التواصل بين الشعوب والثقافات ومواجهة صراع المخاييل والتمثلات، وذلك للارتباط العضوي بين المعرفة والتعارف والاعتراف، وباعتبار الإرهاب والكراهية من إفرازات الجهل بالذات وبالآخر وعدم القبول بالاختلاف.
ولذلك، اعتبر الأستاذ المحاضر أن المقاربة الأمنية وحدها لا تجدي نفعا في مواجهة الظاهرة الإرهابية، لأنها قد تفكك البنى التنظيمية للتنظيمات الإرهابية، لكنها لن تقضي على الجريمة الإرهابية إلا إذا تم تفكيك البنى السوسيو-اقتصادية وتجفيف المنابع الأيديولوجية لهذه التنظيمات، إذ المطلوب هو تبني مقاربة شاملة تدمج السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي في بوثقة واحدة، مع إعادة الاعتبار إلى الجانب الثقافي والروحي من خلال مقاربة فكرية تعتمد القوة الناعمة (soft power)، وذلك بتوجيه المنظومات التربوية والسياسات الثقافية في كل بلدان العالم نحو التربية على قيم الاعتدال والانفتاح وإقرار التنوع والتعدد واحترام الاختلاف وبناء علاقات متينة من الثقة المتبادلة لتحرير العقول من أغلال الصور النمطية والمواقف المسبقة، بما يكفل الإسهام في بناء حضارة إنسانية مرتبطة بقيم المحبة والعدل والخير والسلام والإخاء والتضامن الإنساني، لا بقيم الاستهلاك وعقد الجهل والإقصاء والإلغاء. وقد اعتبر مدير كرسي غرناطة أن مسؤولية الأوساط الأكاديمية في الاضطلاع بهذه الأدوار مسؤولية جسيمة، وأن ثمة تقصيرا من الأوساط الجامعية في أوروبا وأمريكا والعالم العربي في القيام بهذه المهمة، الأمر الذي ينبغي تداركه. وفي هذا الإطار - يقول الأستاذ المحاضر - جاء تأسيس "كرسي غرناطة لدراسات الحضارة الإسلامية وتجديد الفكر الديني" ليكون فضاءً علميا يسهم من خلال البحث العلمي والتكوين الجامعي في نشر الفكر المعتدل المنفتح وفي تعزيز المشترك الإنساني.
وفي السياق ذاته، حاضرت الدكتورة إينماكولادا مريرو روتشا، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة غرناطة، والأمينة التنفيذية للمؤسسة الأوروبية العربية للدراسات العليا، في موضوع "المقاتلين الأجانب والنزاعات المسلحة: التدابير الأمنية الأوروبية"، حيث ناقشت الأصول المختلفة للمقاتلين الأجانب الذين يشاركون في الصراعات الإرهابية والأسباب التي تدفعهم للقيام بذلك والطرق التي يجندون بها، ثم سردت الإحصائيات التي توصلت إليها دراسات بعض المعاهد ومراكز البحوث والدراسات حول تزايد عدد المقاتلين الأجانب، وتطرقت إلى إشكالية التعامل مع المقاتلين الأجانب العائدين إلى بلدانهم الأصلية، كما تناولت العلاقة التي تجمع هؤلاء المقاتلين بالصراعات المسلحة والأمن الأوروبي. الأستاذة إينماكولادا أبرزت أيضا النتائج التي يؤول إليها مصير المقاتلين الأجانب (الموت، الصدمات النفسية، الذهاب إلى صراعات أخرى...) وعرضت التدابير المتخذة للتخفيف من المشاكل الأمنية في الأراضي الأوروبية. وفي هذا الصدد، ركزت محاضرة الدكتور بابلو مارتين رودريغز، أستاذ القانون الدولي العام بجامعة غرناطة، على موضوع الإرهاب المرتكب باسم الجهاد وإشكالية المقاتلين الأجانب في القانون الدولي والأوروبي، حيث عرضت القوانين والعقوبات والقرارات التشريعية التي تتخذ دوليا وأوروبيا لمكافحة الإرهاب، كما أشارت إلى نظرة القانون الدولي للمقاتلين الأجانب وإشكالية توافق عقوبات القانون الدولي مع بنود القانون الدولي لحقوق الإنسان.
جدير بالذكر أن كرسي غرناطة هو أحد الجهات الأكاديمية المتعاونة في عقد هذه الدورة، إلى جانب الجامعة الدولية للأندلس والمؤسسة الأوروبية للدراسات العليا. ولقد تم إنشاؤه في إطار شراكة أكاديمية بين جامعة غرناطة ومؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات والمؤسسة الأوروعربية للدراسات العليا، حيث افتتح رسميا خلال شهر أبريل الماضي بحضور السيد خوصي لويس ثاباتيرو، رئيس الوزراء الإسباني السابق، الذي أعلن دعمه الشخصي للكرسي وأعرب عن ثقته في قدرته على التقريب بين الشعوب والثقافات من خلال الاستثمار في العمل الأكاديمي.
كما تجدر الإشارة إلى أن الجامعة الدولية للأندلس، التي احتضنت هذه الدورة التكوينية، هي مؤسسة جامعية عمومية يوجد مقرها في مدينة إشبيلية، ولديها فروع وكليات في مدن ويلبا وخايين ومالقا، ومنها حرم "سانتا ماريا دي لا رابيدا" الذي احتضن هذه الدورة التكوينية.