لقاء حول كتاب: "كنت في الرقّة: هارب من الدّولة الإسلاميّة" للكاتب الصّحفي الهادي يحمد
فئة: أنشطة سابقة
احتضن فضاء المدرسة الخلدونية التّابع لدار الكتب الوطنيّة بتونس العاصمة، الخميس 13 يونيو الجاري، اللّقاء الذي نظّمته مؤسّسة مؤمنون بلا حدود وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية ودار الكتب الوطنيّة، حول كتاب: "كنت في الرقّة: هارب من الدّولة الإسلاميّة" للكاتب الصّحفي الهادي يحمد، مع قراءات ومقاربات لكلّ من د. منير السّعيداني والأستاذ مختار الخلفاوي، إضافة إلى مداخلات الحضور من أساتذة وباحثين، وأدار اللّقاء د. نادر الحمّامي.
والكتاب يسلّـط الضوء على التّجربة الشّخصية لمقاتل تونسي انتمـى إلى الدّولة الإسلامية وقاتل في صفوفها في العـراق وسوريا قبل أن يقرّر تركها والخروج منها. ويقدّم شهادة حيّة من داخل ''داعش'' حول تجربة العيش في ظلّ الدّولة الإسلامية وطرق إدارتها وتعاملها مع الأفراد المنتمين إليها والقادمين من خارج مناطق نفوذها.
قدم الأستاذ مختار الخلفاوي الكتاب على أنّه مادّة شيقة لا تستجيب لشروط الكتابة التقليدية المتعارف عليها، بل هو مزيج بين ''السّيرة الذاتية والسّيرة الغيرية''، لذلك فهو شهادة حية وحرة يرويها شخص عائد من الدّولة الإسلامية، وهو في ظروف من الحرية، يصرّح بما يريد وينقل باسمه الحقيقي، لا المستعار، كل أطوار مغامرته في مدينة الرقّة، واعتبر أن هذا الكتاب يختلف في بنيته عن الأنماط الكلاسيكية للبحث والتقصّي، فهو ليس بالكتاب البحثي بالمعنى التقليدي وليس بالرواية وليس بالقصة... وإنّما هو يصنّف ضمن الشهادة، التي يرويها الكاتب على لسان "محمد الفاهم" في أربعة وعشرين فصلا. واعتبر أن الآمال المعلّقة على الكتاب كثيرة، لأنه يفتح حوله النقاش من اختصاصات متنوّعة اجتماعية ونفسية وتاريخية وثقافية... وهو بالتّالي يقدّم مادة أوّلية لفهم ظاهرة الإرهاب وتفكيكها.
وأشار منير السّعيداني إلى أن الكتاب يمكّن القارئ من استخدام عَيني الشّاهد (محمد الفاهم) حتى يرى الظّواهر التي عايشها والعلاقات التي كان طرفا فيها من الدّاخل؛ أي أنه يقدّم فرصة الكشف عن الآليات التي تتحكّم في الظّاهرة، والتي أنتجتها في تفاصيلها التي تتطلب تحليلا ودراسة متواصلتين. وقال نحن في عالم تتهاوى فيه الدّول والكيانات السّياسية بشكل سريع، مما يقدّم فكرة عن تعقّد الوضع الذي عاشه الشّاهد (الأنموذج)، وخلص إلى بيان عسر إيجاد مرتكز هويّاتي لدى شخصيّة الفاهم، خاصة وأن علاقاته في تونس كانت معقّدة وغير تواصليّة، مما أنتج لديه هامشا من الحلم الذي دفعه إلى السفر للقتال في صفوف داعش. واعتبر السعيداني أن تحليل الرّواية التي يقدّمها الكاتب على لسان الشّاهد، يبيّن نوعا من التّركيب في شخصيته، وأن ما عايشه يجعل مستوى التّفاعل لديه يختلف بين التقبّل والاقتناع تارة، والرفض والتّجاوز تارة أخرى. وقال إن ما يتحدّث عنه الشاهد من إعادة تسمية الأمكنة بأسماء تونسية يطلقها المقاتلون التّونسيون عليها، إنّما يدل على رغبة ذاتية في تملّك الأمكنة، وقال نحن إزاء سؤال مهم: ''هل يمكن حقا أن تمثل الدولة الإسلامية التي يحلم بها هذا الجيل من المقاتلين إطارا للانتماء قادرا على محو أطر الانتماء الأولى؟'' واعتبر أن في الكتاب لحظات مهمّة تصف الشّعور المزدوج لدى محمد الفاهم بين الانتماء للدولة الإسلامية وانتمائه الأوّلي لبيئته الخاصة التي جاء منها.
وأشار أحد الحاضرين إلى مسألة اختيار الكاتب ترتيب الأحداث وسردها باستقلال تام عن الشّخصية التي يروي شهادتها، وقال إن هذا الاختيار يذكّر بأسلوب الرّواية البوليسية التي عادة ما تنطلق من لغز، وتبحث فيما بعد عن تفكيكه وكشف الحقيقة، واعتبر أن هذا البناء للأحداث يناسب الطبيعة المركّبة التي تقوم عليها الدّولة الإسلامية في العراق والشّام. واعتبر متدخّل آخر أن الكتاب مهم، لأنّه يوفّر مادة كفيلة بتوضيح الأمور، وجعلنا نفهم العناصر الدّقيقة لمكونات الدّولة الإسلامية عن قرب من خلال معايشة الأحداث وتَبيّن الظروف التي يرويها الشّاهد...
وتناول الهادي يحمـد الكلمة في نهاية اللقاء، فأشار إلى أنّ محمد الفاهم هو مثال مصغّر للشباب التّونسي الذي ذهب للقتال في صفوف داعش، واعتبر أنّه يلبي شروط ''النّموذج'' لأغلب تلك الفئة المقاتلة. وأشار إلى أن اختياره لتلك الشّخصية لم يكن مقصودا، بل كان بمحض الصّدفة، معتبرا أن التوصّل إلى إقناع طرف مقاتل بأن يدلي بشهادته ليس بالسّهولة التي قد يظنها البعض، لذلك فإن كتابه قد "اقتحم مساحة المستحيل" كما قال.