لقاء فكري حواري: ''التيارات السياسية الدينية: مسألة تأويل أم قضية حكم؟''
فئة: أنشطة سابقة
نظمت مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب في دورته 33، مساء الأربعاء 29 مارس، لقاء حواريا حول موضوع ''التيارات السياسية الدينية: مسألة تأويل أم قضية حكم؟''، في إطار محور عام حمل عنوان ''الانتقال الديمقراطي: الحصيلة والآفاق''. وطرح اللقاء مجموعة من الأسئلة؛ من بينها: كيف يمكن فهم اكتساح التيّارات الدينيّة للمشهد السياسيّ؟ وهل يكفي اعتبارها قوى نكوصيّة عن الفكر التحديثيّ؟ وما سرّ سيطرتها على المشهد الاحتجاجيّ؟ وأيّ دور للتيّارات الدينيّة في المجتمعات العربيّة الحديثة؟ وهل تمثّل مشكلة في حدّ ذاتها، أم يمكن أن تكون جزءا من الحلّ الديمقراطي التعدّدي المواطني؟ وهل يسمح لها تمكّنها من السلطة بالاستفراد بالمرجعيّة الدينيّة أو حتّى الاستناد إليها؟ ...
أدار اللقاء د. نادر الحمّامي، وشارك فيه كلّ من د. عز الدين عناية، و د. سامي براهم، و د. فريد العليبي، ودة. زهيّة جويرو.
واستهلت الجلسة بالسؤال عن علاقة المنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي اليوم، مع ما طرحته الثورات العربية، والثورة التونسية تحديدا، من مراهنة على الحقوق العامة والفردية والحريات؟
فاعتبر عز الدين عناية ردا على هذا السؤال، أن الإسلام السياسي قد مرّ بتحوّلات عديدة منذ أن طرحت المسألة السياسية الدينية مع عبد القادر عودة وصولا إلى راشد الغنوشي، أي بدءا من المرحلة الأولى، وهي ما يطلق عليه الإسلام الإحيائي مرورا بمرحلة ثانية، وهي مرحلة الإسلام السياسي النضالي وصولا إلى الطور الذي نعيش فيه اليوم، وهو الإسلام الاندماجي، واعتبر انطلاقا من هذا التصنيف المرحلي التحقيبي أن الإسلام السياسي وصل حديثا إلى تخطّي عوائق الاندماج والتعايش مع مصطلحات الديمقراطية والمواطنة والحريات وحقوق الإنسان، وأرجع الفضل في ذلك إلى رغبة الحركات الإسلامية من داخلها في إحداث هذا التطوّر.
وطُرح السؤال من ثم حول مدى الاطمئنان إلى الطرح القائل إن هذه التحولات قد تمّت فعلا من داخل الحركات الإسلامية، وليست مفروضة عليها بضغط اجتماعي، ما يمكن أن يُفهم على أن ما نراه تحوّلا أو تطوّرا في أطروحات الإسلام السياسي لا يعدو أن يكون سوى تكتيك مرحلي واستراتيجيات في التعامل مع الخصوم السياسيين؟
وأكّد فريد العليبي في هذا السياق، على ضرورة عدم التسليم بالتصنيف المرحلي للحركات الإسلامية، لأن هذا التصنيف هو من داخل التيارات الإسلامية، وهي من تحاول التعبير به عن اندراجها في نمط تطوّري وفكري، وهو ما لا ينسجم بالضرورة مع ما اعتبره التحقيب الصحيح الذي ينطلق مع محمد عبده، ويعرف تراجعا مع رشيد رضا الذي انتهى إلى السلفيّة وتبعته التيارات الإسلامية اللاحقة في شكل انغلاقي متواصل... وقال إن ما يعتبره البعض اليوم تحوّلا فكريا في صلب التيارات الإسلامية ليس سوى مخاتلة سياسية ولا علاقة له بالتطوّر الفكري الحقيقي المستند إلى مراجعات فكرية فعلية.
وأشار سامي براهم إلى أن دراسة تيارات الإسلام السياسي تندرج ضمن دراسة الظواهر السوسيوثقافية؛ وأن هذه التيارات ليست ظاهرة جامدة، وإنما هي متفاعلة مع الواقع وفاعلة فيه، وقال إن مظاهر الأزمة في تيارات الإسلام السياسي مشتركة مع بقية التيارات الفكرية والسياسية على اختلافها، واعتبر براهم أن ما يعيد تشكيل ظاهرة الإسلام السياسي معطيان؛ الأوّل هو خروجها من السرّية إلى العلنية طوعا أو كرها، والثاني هو فشل الأنظمة السياسية في إيجاد مواءمة بين الهوية وبين الحداثة، ما دفع هذه التيارات إلى نوع من التفكير النقدي الذاتي الذي أفضى بها إلى ما هي عليه اليوم. وقال إن التيارات الإسلامية تحمل في داخلها جل بصمات الواقع الذي تعاملت معه وعايشته في مراحله المتعدّدة.
وفي جواب عن سؤال يتعلّق بسقف تقبل الحركات الإسلامية اليوم لمنظومة الحقوق الكونية، ومدى استعدادها للتماهي معها، ميّزت زهية جويرو بين الحركات الإسلامية المتنظمة في أحزاب سياسية تسعى إلى السلطة وممارسة الحكم والتيارات الإسلامية الفكرية، واعتبرت أنهما لم ينجزا بعدُ التأويل التاريخي للدين الذي يمكننا من أن نوجد شيئا من الحلول للكثير من الإشكاليات ذات الجانب الديني والسياسي. وقالت إن التيارات الدينية السياسية مازالت تحافظ في المقابل على فهم جامد وسلفي في تعاملها مع كثير من القضايا؛ وعلى رأسها قضية الحكم وإدارة الشأن العام، وبالتالي فهي تجد صعوبة في تقبل كل تفاصيل المنظومة الحقوقية الكونية والتعايش معها.
وتعددت من ثم النقاط التي أشار إليها المتدخّلون في الحوار، ومن بينها القول إن ظاهرة الإسلام السياسي قد استرعت اهتمام الغرب بالدراسة والتحليل، ومحاولة الفهم أكثر مما استرعت اهتمام المسلمين أنفسهم، بالنظر إلى التجاذب السياسي والفكري الذي يحف بكل محاولة فهم لديناميات التيارات الإسلامية ولأساليب عملها وموارد تمويلها وأشكال تنظّمها، وبالنظر أيضا إلى غموض أطروحاتها في علاقة مع الواقع السياسي والثقافي ومع الظرفية العالمية. كما طُرحت مسألة المفارقة بين جمود الفكر المبدئي أو الإيديولوجي في مقابل حراك الواقع المتواصل، ما جعل الواقع متقدّما على إمكانيات التنظير الفكري والديني والسياسي، وجعل بالتالي التيارات الدينية السياسية ملاحقة للواقع ومتأخرة عنه، وهو ما أنتج ظواهر دينية سياسية لا تاريخية.