لقاء فكري حواري: ''المودودي وتأسيس الأصولية الحديثة''
فئة: أنشطة سابقة
احتضن مقر مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية بتونس العاصمة، السبت 21 أكتوبر الجاري، لقاءً فكرياً حوارياً حول موضوع: ''المودودي وتأسيس الأصولية الحديثة'' بمشاركة الأستاذين حسن بزاينية ومراد الحاجي، وأدار الجلسة الأستاذ نادر الحمّامي.
وبيّن د. نادر في مفتتح الجلسة أهمّية الحديث عن الأصولية الإسلامية، باعتبارها مفهوما غربيّ النشأة والتطوّر، وظهر لوصف بعض الدّعاة الإنجيليين الذين كانوا يعتبرون أن الإنجيل هو كلام الله الحرفي والأبدي، وأن هذا هو ما يعتبره المسلمون بالنسبة إلى النص القرآني أيضا، وتلك الأصولية المسيحية قد سبقتها الأصولية اليهودية أيضا، وأن الأصولية أصبحت في ما بعد تحيل على الجماعات الدّينية التي تقدم نفسها على أنّها تحيا في الواقع في تطابق تام مع النص الدّيني، واعتبر أن هذه الأصوليات تركز على جوانب كثيرة أهمها البعد الأخلاقي، وذلك عبر التركيز على التناقض بين الواقع الذي يعيشه المجتمع وتَمثل الصورة الأصلية الصافية التي ينبغي العودة إليها، لإنقاذ المجتمع مما هو فيه، وبيّن من ثم كيف أن هذه الأصوليات تقوى شوكتها اجتماعيا في ظل الأزمات والانحطاط الحضاري والثقافي، وأشار إلى أن الأصولية الإسلامية لا تتعلق فقط بالجانب الدّيني أو الجانب السّياسي، فحسب، وأنّها اتّجاه فكري يشمل جميع مجالات الحياة، وأن بعضها توصف بالاعتدال وبعضها الآخر بالتشدد وفق المنهج الذي تعتمده، ونزّل في هذا الإطار العام أصولية المودودي، باعتبارها تستند على مبدأ أساسي، وهو الحاكمية؛ أي أن الإسلام نظام عالمي شامل، إذ لا حكم إلا لله، وعلى أساس ذلك سينشأ مفهوم الجاهلية الحديث، بمعنى أن كل ما يعيشه العالم اليوم هو جاهلية، وينبغي دعوته من جديد إلى الإسلام.
وافتتح د. حسن بزاينية بعد ذلك مداخلته التي عنونها بـ ''الدعوة في خطاب أبي الأعلى المودودي'' بالإشارة إلى ما أسماه التداخل في الحديث عن ظواهر التطرف في المجتمعات الإسلامية الحديثة، وأن التطرّق إلى ذلك عادة ما يخلط بين العلم والإيديولوجيا، واعتبر أن من دور العمل الأكاديمي في هذه المسائل أن ينحو إلى الحياد ما استطاع، وأن المودودي الذي أسس ''الجماعة الإسلامية'' وسط تنافس مع الرابطة الإسلامية وحزب المؤتمر الهندي، قد سعى إلى أسلمة المجتمع الهندي، ومن ثم المجتمع الباكستاني وإقامة الدولة الإسلامية الكبرى، وأن فكر المودودي الذي استند إلى مفهوم الدعوة إلى الإسلام، لا يمكن أن يفهم خارج الأجواء الدّينية التي كانت سائدة في الهند في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد عرفت جدلا دينيا كبيراً.
واهتم من ثم بتفصيل مفهوم الدعوة في فكر المودودي استنادا إلى بعض ما كتب، في إطار ما أسماه ''قراءة تماثلية'' لا يقتصر فيها على المودودي، وإنما يبحث في العديد من الروافد الأخرى المحيطة بفكره، والتي تفاعلت مع بعضها في إنتاج ''قراءة لا تاريخية للإسلام''. واستعرض ما سطّره المودودي من مبادئ تقوم عليها الدعوة، بدءا بمبدأ الشمولية الذي لخّصه في اعتبار الإسلام دينا عاما جاء لكافة البشر، ثم مبدأ العمل من أجل الإسلام، وانتهاءً بتحقيق فكرة ''الانقلاب'' الإسلامي، التي نجد أصلها في أفكار الدعوة الوهابية، وقد تسربت فيما بعد في فكر مصطفى السباعي وحسن البنا وسيد قطب. واعتمد بزاينية على ذلك بالقول: ''إن نصوص هؤلاء جميعا كانت واحدة ومتماثلة''، وأنهم قد اشتركوا في إنتاج خطاب متعلّق برؤية واحدة للإسلام، يغلب عليه الطابع الإنشائي والبسيط والسطحي.
وأحيلت الكلمة بعد ذلك إلى د. مراد الحاجي، الذي قدّم مداخلة بعنوان: ''الخوف في خطاب المودودي''، فانطلق من اعتبار أن الأصوليات تنشأ من فترات الانحطاط والاضطراب، وبنى مفهوم الخوف من ثم على اعتبار أن المجتمع الهندي الذي نشأ فيه المودودي كان المسلمون فيه أقلية، وأن نشأة المودودي ارتبطت بنوع من الخوف من الآخر المختلف، ثم اعتبر أن هذا الخوف يمثل سمة عامة آنذاك في المجتمع المسلم بالنظر إلى حدث انهيار الخلافة العثمانية وما صاحبه من خوف على مصير المسلمين الذين تفرّق شملهم سياسيا، وهو ما أحدث رجّة في نفوسهم، بالنظر إلى اعتبار المودودي، أن من لا إمام له لا يمكن أن يكون مسلماً.
واستعرض الحاجي بعض التعريفات لمفهوم الخوف، خلص منها إلى اعتبار الإنسان الخائف منتجا في الآن ذاته للخوف في نفوس الآخرين، انطلاقا من محاولة توجيه ردود فعله العدوانية تجاه من لا يمثلون الخطر الفعلي بالنسبة إليه، ثم بيّن أن الخوف لدى المودودي كان على ضربين؛ الأوّل خوف من الآخر غير المسلم، والثاني خوف من الحداثة، وقد تمثّل ذلك في اعتبار المودودي العلوم والتطور التي يعرفها المجتمع الإنساني الحديث أدوات لإهلاك الإنسان، كما تمثّل في الخوف من العلمانية، التي تمثّل في فكر المودودي خطراً، لأنها لا تتوافق في نظره مع ما أمر به الله، والخوف من التيارات السياسية الأخرى التي لا تتعلق في مفاهيمها وفي رهاناتها بالإسلام، مثل اعتباره للقومية والليبرالية والشيوعية والديمقراطية والنّازية... شروراً وداء عضالا، وينبّه المسلمين إلى ضرورة الابتعاد عنها.
وانتهى الحاجي في مداخلته إلى اعتبار أن الشرّ الأكبر في فكر المودودي ومدار الخوف بالنسبة إليه هو الابتعاد عن شرع الله المتمثل في الحاكمية، فلله الكلمة الأولى والأخيرة في الحكم على البشر، وليس عليهم أن يحتكموا إلى غيره وأنهم إن فعلوا فقد أخلّوا بشرط من شروط الانتماء إلى الدين الإسلامي ووقعوا في الجاهلية، وبيّن انطلاقا من ذلك كيف أن التفكير المنغلق على نفسه في هذا الاتجاه قد ولّد العنف والإقصاء، في وجه الآخر غير المسلم، كما في وجه المسلمين، وأضحى لزاماً عليهم في نظر المودودي الالتزام بمبدأ الحاكمية حتى يكونوا مسلمين ويخرجوا من ظلمة الجاهلية.