لقاء فكري حواري حول كتاب: الفكر العقدي الإمامي في العهد البويهي للكاتبة آمال الفطناسي
فئة: أنشطة سابقة
نظّمت مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، السبت 24 شتنبر الجاري، لقاء فكريا حواريا حول كتاب دة. أمال الفطناسي التوكابري "الفكر العقدي الإمامي في العهد البويهي" (La Pensée doctrinale Imamite à l'époque Bouyide)، وقدّم الأستاذ فيصل شلوف قراءة في الكتاب، إلى جانب ملاحظات حول الكتاب قدّمها د. نادر الحمامي، ومداخلة دة. أمال الفطناسي حول كتابها، واختتم اللقاء بمداخلات نقاش حول أهم النقاط التي أثيرت.
واستهل اللقاء بكلمة ترحيبية بالحضور، قدّمها د. نادر الحمامي، معلنا انطلاق الموسم الجديد من الأنشطة الفكرية والثقافية المتعلقة بالنّدوات والحوارات والقراءات في الكتب بمقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدراسات الفكرية والاجتماعية، ثم قدم لمحة تعريفية بالأستاذة أمال الفطناسي التوكابري؛ فهي أستاذة مساعدة في الحضارة العربية بقسم العربية بالمعهد العالي للغات بنابل، وهي مختصّة في صنوف من النّصوص الإسلامية القديمة التي كان لها أثر في الفكر الإسلامي القديم وفي الحضارة الإسلامية بصورة عامة. وأشار إلى أن للكاتبة اتجاها في البحث والمعرفة، وهي تنطلق من مضان النصوص لتحليلها والوقوف على بنية أصحابها الذهنية والفكرية بربطها بسياقها التاريخي والحضاري الذي ظهرت فيه عموما. وللكاتبة مجموعة من الأعمال الأكاديمية، ومن بين الشهادات العلمية التي تحصلت عليها شهادة الدراسات المعمقة حول "دور الكتّاب في تركيز النفوذ البويهي" وبحث آخر معمق حول "العقائد والتمثّلات في المجتمعات القديمة في القرون الوسطى"، ولها أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه تحت إشراف محمد أمير معزّي في باريس حول "الفكر العقدي الإمامي في العهد البويهي"، وهي منشورة، ومدار اهتمام هذا اللقاء.
ثمّ أحيلت الكلمة إلى الأستاذ فيصل شلّوف، فقدّم قراءة في الكتاب، مبيّنا أهم محاوره، مشيرا إلى الظرفية التاريخية التي ميزت المجال الذي اهتم به الكتاب، وهو فترة البويهيين في العراق (334-447ه)، وما شابها من صراعات ذات طابع سياسي، وعسكري، وعقائدي مذهبي، حيث كانت بداية القرن الرابع فترة التأصيل للعقيدة الإمامية، ووضع الكتب الأساسية التي تحدد العقائد من وجهة النظر الشيعية، وتتضمن إلى جانب سيرة النبي محمد وحديثه، سير الأئمة الاثني عشر وتفسيرهم لآيات القرآن وتعليقاتهم على الحديث النبوي؛ ومن بين تلك الكتب "الكافي في الأصول والفروع" لمحمد بن يعقوب الكليني، و"تهذيب الأحكام" و"الاستبصار" للطوسي، وكتاب "من لا يحضره الفقيه" لعلي بن بابويه القمي، وغيرها.
وأشار بعد ذلك إلى التقسيم إلى قسمين الذي اعتمدته الكاتبة؛ فاهتمت في القسم الأوّل بالأصول؛ أي أصول الدين، واهتمت في القسم الثاني بالفروع أي بأصول الفقه، فانتقلت بالتالي في مستوى العقائد الإمامية من الأصول الإيمانية إلى الأصول العمليّة.
وفصّل بعد ذلك كلا القسمين بحسب المنهج المتّبع في الكتاب، إلى العناصر الأساسية التي اعتمدتها الكاتبة، وقام بعرض المفاهيم المتعلّقة بأصول الدين، وهي: التوحيد، والعدل، والنبوة/ كيف يُعرف النبي؟، والإمامة، والمعاد. وقدّم مجموعة من الملاحظات على ذلك، ومن بينها؛ أن الطريقة التي اختارتها الكاتبة في التعامل مع هذه الأصول لم تقتصر فقط على عرضها في المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري، وإنما بمقارنتها بغيرها من المذاهب، مثل المعتزلة وأهل السنة. وقد أقامت الأستاذة مقارنات كثيرة في بيان هذه الأصول بأقوال المعتزلة في الأصول وبينت الاختلافات فيما بينها.
وعرض بعد ذلك مكوّنات القسم الثاني من الكتاب أي الفروع أو أصول الفقه، وأشار إلى ابتدائها بالقرآن، باعتباره المادة الأولى لاستنباط الأحكام، وباعتبار الاختلافات العقدية التي حفّت بالنظر إليه لدى الشيعة الإمامية، وكيف تم التعامل مع الناقص منه والمحكم فيه والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وكيف أثّر ذلك على مستوى العقيدة الإمامية في التعامل مع بقية الأصول الأخرى، ومن بينها الحديث، فبيّن كيف أن الإمامية وسّعت نطاق الأخذ بالحديث عن الرسول إلى الأخذ به عن الأئمّة المعصومين أيضا، ثم الأصل الثالث وهو الإجماع، فبيّن كيف أن الإجماع انتقل لدى الإمامية من أولويّة اعتبار المجموعة أو الجماعة إلى أولوية اعتبار مبدأ عصمة الإمام، وبيّن في الأخير الأصل الرابع الذي اهتم به الكتاب، وهو العقل باعتباره أنه أصل مهم لدة الإمامية.
وخلص من ذلك إلى بعض الملاحظات التي تخصّ مبدأ التعايش بين المذاهب في العراق في فترة السيطرة البويهية على الحكم، وكيف أن البويهيين حافظوا على مؤسسة الخلافة السنيّة، رغم اختلافهم المذهبي معها، بل وتعاملوا مع من يخالفهم في المذهب، رغم إسهامهم في تنامي المذهب الشيعي في العراق.
واستعاد الكلمة د. نادر الحمامي الذي أبدى مجموعة من الملاحظات؛ وأوّلها أن هذا العمل قد تعرض إلى مجالين يصعب التعامل معهما؛ لأن طبيعة علم الكلام وعلم العقائد وكذلك أصول الفقه تقوم على مصطلحات دقيقة جدا وتتداخل فيها المباحث، وبيّن بأن الأستاذة أمال الفطناسي بفضل استقرائها الجيد للنصوص قد تجاوزت هذه الصعوبة.
واهتم بعد ذلك بمستوى الترتيب في القسم الأوّل المتعلّق بأصول الدين، وكيف أن الكاتبة تعرّضت في المحور الأوّل إلى مقولة التوحيد تليها مقولة العدل، وأشار إلى أن الأمر اختلف عن الترتيب المعتزلي الذي يبدأ بالعدل ثم التوحيد، وبنى تساؤلا على ذلك قائلا: ''هل هذه الأصول الاعتقادية هي التي بنت العقائد في الواقع، أم إنها أصول قُدّمت نظرية حتى تبين كل فرقة اهتمامها في المقام الأول (المعتزلة أهل عدل/ الشيعة أهل توحيد)؟ وهل من انتباه إلى الفوارق في الترتيب بين الأصول الاعتقادية كما رتبت نظريا وكما ظهرت في الواقع؟''، ثم طرح بعد ذلك مسألة الترتيب بالنسبة إلى أصول الفقه متسائلا هل إن القرآن هو الأصل الأوّل في الترتيب أم الإجماع؟
وخلص إلى أهمية الانتباه إلى حركية العقائد الدينية، وأن البنية الذهنية تؤثر في أهمية العقائد وتطوّرها، وقال بأن دراسات آنية وزمانية للعقائد تكون مفيدة في تبيّن هذه الحركية في إطار العقائد.
وأحيلت الكلمة إلى دة. أمال الفطناسي التوكابري، فأشارت إلى أن الكتاب يتناول تطور الفكر الإمامي في فترة حسّاسة من التاريخ الإسلامي، وبيّنت أنها اختارت لدراسة ذلك التطوّر الموسوعة الشيعية التي ظهرت في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرّابع، أي في ما قبل الفترة البويهية لتبحث في كيفية تقبل الفكر الشيعي لفكرة الإمامة، أي لكيفية تعامل ذلك التراث اللاعقلي الذي كان منتشرا بكثرة من خلال العديد من الكتب ومن بينها "بصائر الدرجات" للصفار القمي، أو كتاب "الغيبة" للنعماني، أو كتاب العياشي، أو غيرهم من كتب الشيعة التي كان فيها العديد من الأحاديث اللاعقلية، وأشارت إلى أن مجيء الدولة البويهية قد أعطى الشيعة صوتا ومكانة اجتماعية كبيرة، فخرجوا من التّقيّة إلى العلن عن طريق نشر عقائدهم وإيجاد مكان في الساحة العامّة، والأذان، ولعنة الخلفاء الراشدين، وإعلاء الطقوس الشيعية مثل عاشوراء... وبيّنت أن هذا التشيّع العامّي واكبه تشيّع علمي؛ فقد حاول البويهيون دعم المفكرين الشيعة فنشطت حركة تدوين الأحاديث والتنظير الشيعي، وخلصت من ذلك إلى اعتبار أن ارتقاء البويهيين إلى السّلطة جعل من الفكر الإمامي يأخذ شكلا مغايرا لما كان قبل ذلك.
وأشارت في سياق بيان التطوّر من المستوى اللاعقلي قبل الدولة البويهية إلى المستوى العقلي بعدها إلى دور التأثّر بالموروث اليوناني وهضمه، ما جعل الكثير من أعلام الشيعة يعيدون قراءة هذا الموروث لمحاولة أقلمته مع العصر الذي يعيشون فيه، وكان ذلك على مستويات مختلفة؛ أوّلها مستوى العقيدة ثم مستوى الفقه.
وعرّجت بعد ذلك على مسألة ''الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر'' التي وقعت قبل ارتقاء البويهيين إلى السلطة بأربع أو خمس سنوات (330ه)، ودور هذا الاعتقاد في دفع تطور الفكر الإمامي بعد ذلك. وبالتالي اجتمعت الحاجة السّياسية (صعود البويهيين إلى السّلطة) مع الحاجة الدينية (تبرير الغيبة الكبرى) في نشأة تنظير يواكب الأحداث ويواكب العصر، فكانت الكتب الكثيرة التي كتبت في الغيبة.
وأشارت إلى أن قبول البويهيين للشيعة الاثني عشرية رغم أنهم من مذهب زيدي، وهذا الانفتاح على بقية المذاهب الشيعية الأخرى ومن بينها الإسماعيلية، كان الهدف منه ألا ينصر البويهيون مذهبا دون آخر، وإنّما أن يحافظوا على الوجود الشيعي ويدعموه وأن يحافظوا على ثوابت الشيعة وهي الإمامة والنص والوصيّة.
وتعرّضت في مداخلتها إلى مسألة القرآن واعتبرتها مسألة أساسية بالنسبة إلى الفكر الشيعي، فهم يعتبرون أن القرآن قد أنقص منه في فترة تجميعه من قبل عثمان، وهذه العقيدة متفق عليها قبل الفترة البويهية اتفاقا تاما، ولكن بعد الفترة البويهية لم تعد مسألة تحريف القرآن من المسائل التي يمكن أن توحّد حولها الكثير من الشيعة.
وأحيل المجال للنقاش بعد ذلك، فتناول المتدخلون الكلمة تباعا وتعرّضوا إلى مجموعة من النّقاط التي أثيرت في المداخلات الثلاث السابقة، ومن بينها مسألة التّعايش بين المذاهب في الدّولة البويهية، واعتبار القرن الرابع بمثابة الحاضنة التي ضمّت العديد من المذاهب، رغم واقع الصّراع والتأزّم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في فترات كثيرة منه، وكيف انعكس ذلك على الإنتاج العقائدي والفكري الذي يعتبر الفكر الشيعي من بينه. وأشار المتدخلون أيضا، إلى مشكلة تحديد العقيدة بالفترات السياسية، وأنّ القول بالبحث في العقائد الشيعية في فترة الدولة البويهية يمكن أن يطرح إشكالات منهجية تنعكس بالضرورة على مستوى النتائج. كما تعض النقاش إلى الطرح الذي يثيره العنوان والذي يتعلّق بالبحث في العقيدة الإمامية في حين أن البحث يطال مجمل العقيدة الشيعية.