لقاء فكري حواري حول كتاب جون فونتان حول الظاهرة السّلفية في تونس

فئة: أنشطة سابقة

لقاء فكري حواري حول كتاب جون فونتان حول الظاهرة السّلفية في تونس

انتظم بمقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، الأربعاء 14 ديسمبر الجاري، لقاء فكري حواري حول كتاب جون فونتان (Jean Fontaine) حول الظاهرة السلفية في تونس "?Du coté des salafistes en Tunisie: tactiques ou stratigies"، أدار الجلسة د. نادر الحمامي، وقدّم الباحث بوبكر المباركي قراءة في الكتاب، تلاه تعقيب جون فونتان حول أهم النقاط التي أثيرت.

 وجون فونتان هو أب يسوعي ولد سنة 1936 بالشمال الفرنسي، درس الرياضيات في البداية، لكنه وجه اهتمامه أكثر، فأكثر إلى العالم العربي وإلى دراسة مستفيضة للغته وأدبه. من مؤلفاته: "الأدب التونسي الناطق بالفرنسية" و"الموت والانبعاث، قراءة في أدب توفيق الحكيم" و"رمزية الحمار عند توفيق الحكيم" و"رواية نهرية ليبية: المجوس لإبراهيم الكوني" و"فهرس تاريخي للمؤلفات التونسية" و"كلمات مهاجرة"...

واهتم الأستاذ المباركي في مداخلته بمجموعة من النّقاط، فأشار بداية إلى أن الكتاب يرتكز على تتبع ما كُتب في الصّحافة التونسية السيارة والمواقع الإلكترونية في فترة محدّدة زمنيّا بداية من حادثة الهجوم على السّفارة الأمريكية الأحد 26 يونيو 2011 إلى اللحظة التي وقع فيها الاعتداء على سينما أفريكا أرت الثلاثاء 25 يونيو 2013، حيث كانت التّحركات والتّظاهرات السّلفية واضحة، ويمكن تتبّعها في وسائل الإعلام والمواقع المتاحة لكل قارئ، واعتبر المباركي أن تركيز الكتاب على ما نشر في الصّحافة لا يجعل العمل كاملا ونزيها، باعتبار التخبّط الذي عاشه الإعلام والتوظيف السّياسي والإيديولوجي الذي خضع له، وأشار إلى أن الفترة التي اختارها المؤلف تُعتبر أحلك فترة عاشتها الثّورة التونسية والبلاد بصفة عامة في تاريخها المعاصر، يضاف إلى ذلك الانحراف الإعلامي الكبير الذي من شأنه أن يطرح تساؤلا حول مدى نجاعة الإعلام في كتابة التاريخ أو توثيق الأحداث توثيقا علميا دقيقا في غياب الرّجوع إلى سجلاّت المحاكم مثلا، وقال إن هذا التركيز على ما نُشر في الإعلام حول الأحداث السلفية يجعل من المسألة غير مكتملة. ورصد من ثم بعض النقاط التي رأى فيها توجه الكاتب إلى المبالغة ومن بينها القول، إن "لجان/روابط حماية الثورة" كانت تحت سيطرة السّلفيين؛ لأنها قد تشكّلت في البداية بطريقة عفوية وشعبية، قبل أن تستوعبها بعض الأحزاب، وتتحكّم في توجيهها نحو أغراض سياسية وإيديولوجية، ثم اعتبر أن الاقتصار على تتبّع الظّاهرة السلفية في البلاد التونسية على مدى سنتين فحسب، يمكن أن يحدّ من إمكانية تصوّر فعلها في المجتمع في السنوات اللاحقة في ظل غياب تصوّر مسترسل لمسار متكامل للظاهرة، وهو ما لا يوفّره الكتاب. وخلص في نهاية كلمته إلى تثمين العمل الذي أنجزه جون فونتان بالقول إنّه يمثل مادة توثيقية لا غنى عنها لمن يروم البحث في المرحلة الجديدة التي عاشتها تونس ما بعد الثورة، ونشأة التيارات السلفية قبل أن يتحوّل بعضها إلى القتال في الجبال في تونس وفي سوريا والعراق، مع ما يعني ذلك من ضرورة البحث عن حلول للتعاطي مع هذه الظاهرة حاضرا ومستقبلا.

وقدّم جون فونتان تعقيبا وجيزا، اهتم فيه بفكرة تأليف الكتاب والدوافع التي حملته على الخوض في هذه المسألة، باعتبار علاقته بالبلاد التونسية، وباعتبار أنه مقيم فيها منذ أكثر من ستين سنة، وباعتبار الانتماء الذي يحس به إلى التونسيين وإلى الثقافة التونسية التي كتب فيها الكثير من المؤلفات. وقال إنه اختار أن يقوم بعمل توثيقي لا ينطلق فيه من رؤية جانبية للمسألة، ولا يكون بالضرورة طرفا فيه، واعتبر أن الحياد يتمثل في عرض ما نشرته الصحف السيارة والمواقع الإلكترونية، باعتباره شواهد توثيقية واضحة وبسيطة ومعبّرة عن الأحداث في أزمنة قريبة من وقوعها وبنمط إخباري خال من التّحليل والتّوظيف والتّنسيق والتأويل، فليس دوره، كما يقول، أن يقدّم تحليلا سياسيا لما يعرض ولا إثبات نتائج مسبقة، ولا التّماهي مع رؤية دون أخرى، وقد وصف ذلك المنهج بالحياد، وأكّد على لزومه في كامل الكتاب. وقال إنه لذلك قد تعمّد تغييب المراجع العلمية والبحوث المستفيضة في قراءة الظاهرة السّلفية، حتى يحافظ الكتاب على طابعه التّوثيقي، ليكون وسيلة عمل لبحوث قادمة. وانتهي فونتان إلى اعتبار أن السلفيين وروابط حماية الثورة تتبادلان الأدوار بينهما لحساب جهة واحدة بناء على أنه إذا انخفضت تحرّكات السّلفيين، تصاعدت تحرّكات روابط حماية الثورة، وأن هذه الجهة هي حركة النهضة مثلما يشير إليه خطاب الكاتب الذي يردف سؤاله الختامي عن مستقبل هذه التحركات بالحديث عن مقولات التّدارك الاجتماعي والتّدافع الاجتماعي، باعتبار أنها مقولات محبّبة إلى راشد الغنوشي.

وتمحورت مداخلات الحضور وتفاعلهم مع ما تقدّم حول تثمين جهود جون فونتان في تجميع الأحداث الميدانية التي شهدتها تونس في فترة حكم الترويكا، وقالوا إنه كان موفّقا إلى حدّ بعيد في التجميع والتبويب، لكن هل يكفي ذلك لاستخلاص نتائج ذات بال لفهم ظاهرة من أعقد الظواهر في الاجتماع السياسي المعاصر هي ظاهرة الإرهاب والتطرّف؟ وهل يمكن التسليم بأن ما قد تبعث به هذه الأحداث وفقا لترتيبها في الكتاب من دلالات من شأنه أن يوضح لنا معالم مقاربة متكاملة الأسس لفهم الظاهرة وإيجاد كيفيّات للتعامل معها مستقبلا؟