"مؤمنون بلا حدود" تحتفي برواية "باب النور" لمحمود طرشونة
فئة: أنشطة سابقة
احتفت مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث في مقرها المشترك مع رابطة تونس للثقافة والتعدد برواية "باب النور" الصادرة حديثاً للأديب التونسي محمود طرشونة في لقاء حضره ثلة من الكتاب والمثقفين. وقد أدار الدكتور نادر الحمامي اللقاء الذي حضره الأستاذ محمود طرشونة والأستاذ عبد المجيد الشرفي والأستاذة سلوى السعداوي.
وركّز الأستاذ الحمامي في كلمته على السؤال المركزي الذي تطرحه الرواية متسائلاً: "ما الداعي إلى التديّن؟". وهو السؤال الذي تطرحه الرواية من خلال تجربة ثماني راهبات قررن التدين لأسباب مختلفة. وأضاف الحمامي: "هل إن الأسباب ذاتية أم هي موضوعية خارجة عنا"، فإذا كان الأمر ظاهرا يبدو دافعاً عقائدياً جلياً بيناً في الإيمان بالمسيح المخلص الذي فدى بنفسه البشرية، فإننا من خلال الحوار نكتشف أنه سبب ذاتي عابر (خيانة خطيب، ....) يحول الإنسان من حياة إلى نمط في الحياة مختلف تماماً، وهذا ظاهر في خطاب الأردنية والفلسطينية والفرنسية.
وأضاف الأستاذ الحمامي أن الرواية تطرح أيضاً مسألة السياسة وعلاقتها بالدين والعنف، إذ تقول "ناتاشا": "السياسة إذا طالت الدين أفسدته وفسدت بدورها وإن الحكمة كل الحكمة في الفصل بين شؤون الدين وشؤون الدنيا"، وتقول أيضا: "والمسيح بريء من أولئك السفاحين إذ كان يحرم سفك الدماء بدعوى الدفاع عن عقيدته ونشرها". وهذا ما يجعل الرواية، في نظر الأستاذ الحمامي تلقي بظلالها على الإسلام إذ تقول: "فأيقنت أن الإسلام في حد ذاته دين رحمة وتسامح ولكن أهله شوهوه بشرائعهم ووظفوه لتحقيق أهدافهم في الحصول على السلطة وكسب المال".
وخلص الأستاذ الحمامي إلى أن في الرواية نزعة روحية صوفية واضحة انطلقت من العنوان "باب النور"، مروراً بالتصدير المستمد من ابن عربي، وانتهاء بالموقف من الطقوس والشعائر في حد ذاتها، والرهان على قيمة الإنسان في المطلق بغض النظر عن هذه الطقوس.
وقال الأستاذ عبد المجيد الشرفي إنه لم يكن ليقدّم الرواية لو لم يجد فيها المتعة الفنية الجمالية التي ينبغي، في نظره، أن تتوفر في الرواية بوصفها جنساً أدبياً. وتابع: "الرواية تسمح لك بأن تتابع ما يعتمل في نفوس أبطالها وبطلاتها، وأنت حينها تكتشف نفسك" وذلك ما ينطبق على رواية "باب النور" على حد تعبيره.
وأكد الأستاذ الشرفي أن ما شده في هذه الرواية تعاطفها مع كل مظاهر التدين البسيط العفوي الصادق مهما كانت الدوافع إلى ذلك، في نطاق الإسلام أو أي دين آخر، وذلك عكس الدين المزيف القائم على الرياء والمظاهر. كما أن الرواية، في نظره، تلقي على قارئها ذي الثقافة الإسلامية سؤالاً مهما يتمحور حول الجسد والربة والتفرغ للعبادة، لأنها ظاهرة غير موجودة في الإسلام أو هي نادرة، والتساؤل حول هذه الظاهرة في حد ذاته جدير بالمتابعة لأن أجوبتها ليست بسيطة. وختم الأستاذ الشرفي مداخلته بتساؤل وجهه إلى الأستاذ طرشونة يتعلق بإقحام صاحب الرواية في مجريات أحداثها، إن كان من توجيهات الرواية الحديثة أم له أسباب أخرى؟
من جهتها، ذكرت الأستاذة سلوى السعداوي في مداخلتها أن الرواية تستعيد عافيتها بعد 2011، والدليل على ذلك رواية "باب النور" لطرشونة، ورواية "الطلياني" لشكري المبخوت، بعد أن كانت الرواية "تحفر قبرها تحت يافطة التجريب والحداثة والتشظي" على حد عبارتها، غير أن الرواية الآن تستعيد حكايتها من جديد.
وأشارت السعداوي إلى أن الرواية قد بنيت على ما تسميه "قصة القصة" بناء على الراوي المستكشف، وبررت اللجوء إلى هذا الأسلوب بأنها سنة دأب عليها الروائيون المعاصرون واستخدمها حسين الواد ومحمد برادة وغيرهم، والغاية منها هي كسر حيادية المؤلف الذي يقول: "إني متعطش لمعرفة كل ما يخص الدير والراهبات ودوافع إعراضهنّ على الحياة المادية".
وأكدت السعداوي أن الرواية رواية جامعة تتنزل ضمن أدب الاعتراف كما تنفتح على أدب الترسل والنوع البوليسي ورواية الأطروحة ورواية الأيديولوجيا. وهي رواية طريفة في بنيتها القائمة على البوليفونية (تعدد الأصوات).
وقال الأستاذ طرشونة في تعقيبه على تدخلات الحاضرين وتفاعلهم، إنه يشترط توفر الجانب الفني قبل المضمون لأن الرواية فن قبل كل شيء، وسجل ارتياحه لتوفر هذا الشرط في روايته كما يظهر من خلال المداخلات، وتابع: "أرى أيضا أنه لا بد من الإمتاع بالنسبة إلى الرواية لا بد من حكاية لأنها يجب أن تروي حكاية بالضرورة. كما أنه لا بد من رسالة لأن الرواية ليست ترفاً ولم يعد على الروائي الواعي أن يبلغ رسالته، ولكن الإشكال هو: كيف يمكن تبليغها؟".
وأكد الأستاذ طرشونة أن الرواية قد اختمرت في ذهنه منذ خمس سنوات وبقي ينتظر الظرف المناسب لكتابتها: "كنت أبحث عن مكان، ووجدت أبواب مدينة تونس العتيقة وهي أبواب تاريخية تتوزع على حزامين، وقد أغنيتها بأبواب خيالية (باب العشق). ظللت أفكر في مكان إلى أن دعيت لإلقاء محاضرة في مركز ثقافي إيطالي عن الرواية التونسية، فإذا هو دار تقليدية تحولت إلى مركز ثقافي وكانت يوما ديرا للراهبات العربيات، فكان أن قابلت رئيسة الدير. ومن ثم اكتملت الحكاية".
يذكر أن الأستاذ محمود طرشونة أصيل جزيرة قرقنة 1941. زاول تعليمه بالمدرسة الابتدائية بمسقط رأسه وبالمعهد الثانوي بسوسة، ومنه أحرز على شهادة الباكالوريا، وتابع تعليمه العالي بكلية الآداب بتونس، ومنها تحصل على الإجازة في اللغة والآداب العربية، وسافر إلى باريس لمواصلة المرحلة الثالثة، حيث أحرز على التبريز في العربية، ودكتوراه الدولة من السوربون سنة 1980. زاول التدريس بالمعاهد الثانوية، ثم في الكليات والمعاهد العليا كأستاذ للأدب المقارن، اضطلع بإدارة الدراسات والبحوث في بيت الحكمة وسلسلة "إبداع" في دار سيراس للنشر. كتب القصة القصيرة والمقال الأدبي، وله بحوث ودراسات في ميدان اختصاصه، وتحقيقات في التراث، وترجمات من الفرنسية إلى العربية. عضو اتحاد الكتاب التونسيين من السبعينات.
من إصداراته في القصة القصيرة والرواية: نوافذ (مجموعة قصصية) 1979؛ دنيا (راوية) 1993؛ المعجزة (رواية) 1996؛ التمثال (رواية) وله في التحقيق والنقد: مائة ليلة وليلة (تحقيق)؛ الهامشيون (بالفرنسية)؛ حديث عيسى ابن هشام للمويلحي (دراسة)؛ صلاة الغائب للطاهر بن جلون (ترجمة)؛ مدخل إلى الأدب المقارن وتطبيقه على ألف ليلة وليلة؛ مباحث في الأدب التونسي المعاصر؛ تاريخ الأدب التونسي الحديث والعاصر.