محاضرة : أية قيم نريد؟ أسئلة و أوليات
فئة: أنشطة سابقة
عقدت مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" محاضرة تحت عنوان:"أية قيم نريد؟أسئلة و أوليات"، والتي ألقاها الدكتور كمال عبد اللطيف، يوم السبت الموافق لـ30 نوفمبر 2013 عند الساعة 3:30 بعد الزوال.
استهل الدكتور كمال عبد اللطيف المحاضرة بالتركيز على أن المنظومة التقليدية للقيم، تميزت بصلابة كبيرة جدا، وعلى الرغم من أننا نعيش قرنين من الزمن، لازلنا لم نحسم بعد مع مسالة الحداثة بدلالاتها وبوجودها الفعلي. ولعل عودة الأصوليات المنغلقة، والتي تربط الحاضر بالماضي في سياق مطلق ومثالي، تعد من أهم الأسس التي يمكنها تفسير ظاهرة بناء القيم الأخلاقية وعلاقتها بالتطورات التي عرفها عالمنا اليوم.
كيف نبني قيمنا اليوم؟ يعد السؤال الجوهري الذي ارتكز عليه المحاضر للإجابة عن كيفية إعادة بناء أسس جديدة، تفتت أخلاق التواكل وتصنع أخلاق المغامرة في الوجود. فلا أحد يجادل اليوم، كما أكد الدكتور كمال عبد اللطيف، أن عصرنا في حاجة إلى منظومة جديدة من القيم الأخلاقية، القادرة على حماية مجتمعاتنا، من مختلف أشكال التوتر والصراع التي تتخذ اليوم في مختلف المجتمعات البشرية، أشكالا جديدة من العنف، الأمر الذي يدعونا اليوم وبشكل مستعجل، إلى لزوم الحث على أن يكون للأخلاق وللتسامي الخلقي، مكانة مهمة في حياتنا، وإن التحولات المتسارعة في ميدان العلوم والتقنيات على سبيل المثال، بقدر ما تمكِّن البشر من مكاسب جديدة، مساعدة على تسهيل نمط حياتهم، ونمط تَمَلُّكِهِم لمغانمها المادية والروحية، فإنها تصنع في الآن نفسه، عوائق وإشكالات جديدة، تستدعي بدورها حوارا معمقا حول ضرورة تركيب مدونة أخلاقية مكافئة لصور الخلل الجديدة، الناشئة في سياق تطور تقنيات الإعلام والتواصل، مدونة قادرة على بناء التوازنات القِيَمِيَّة المحاصِرة للنزوعات النفسية الفردية والجماعية، في أبعادها المدمرة، لعلنا نتمكن من صيانة وتعزيز التماسك النفسي والاجتماعي في الحياة البشرية .
في إجابته على إشكالية القيم التي تؤسسالوجود الإنساني لكل جماعة، تطرق المحاضر إلى عينة من الأسئلة، بحكم أنها تقربنا من أزمة القيم في عصرنا، ويتعلق الأمر بالأسئلة الآتية :كيف نبني القيم الأخلاقية المكافئة لمجتمعات في طور التعولم؟ كيف نبني منظومة قيم أخلاقية، تسهل عملياتانخراطنا في مجتمع المعرفة؟ كيف نُحوِّل مكاسب الحداثة والتحديث، إلى مشروع لا يغفل دور الأخلاق والأخلاقيات، ولا دور للروحانيات المحايثة للحداثة؟ كيف نجعل الحداثة قادرة على تفكيك، بل تفتيت أخلاق التواكل، ومختلف الطقوس المرتبطة بأخلاق الصبر والزهد والانعزال؟ كيف نبني أخلاق الحداثة في فكرنا استنادا إلى جسور المعرفة والجمال والحرية؟
في موضوع سؤال الأخلاق في زمن العولمة، أشار المحاضر إلى أهمية دور القيم في حياة الأفراد وضرورة الانتباه إلى أن الفرد في المجتمعات المعاصرةيعرف عمليات استباحة للخوصيتهوأنماط عيشه؛ فنحن في مجتمعات تعرف عملية تنميط واسعة.
لمحاصرة بعض سلبيات العولمة، وتجاوز النقاش العام في موضوع ثنائيات النزوعات النفسية وتناقضاتها في حياة الإنسان، أسس المحاضر لسؤال الأخلاق والأخلاقية في مستوى الحياة الفردية معمقا النظر في تجديد القيم داخل مجتمعاتنا وفي ثقافتنا.فعندما نتساءل عن دور الأخلاق في حياة الأفراد، نكون مطالبين بالتساؤل أولا عن النظام الخلقي السائد.
في سياق التفكير في منظومة أخلاقية جديدة، تطرق المحاضر إلى عملية نقد للمرجعيات العربية السائدة التي تبناها كل من محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمان. فقد سبق للباحث العربي المغربي محمد عابد الجابري في مصنفه المهم عن العقل الأخلاقي العربي، أن دعا إلى تجاوز هيمنة قيم الصبر والطاعة وبناء قيم المبادرة والمواطنة وأخلاق التسامح، غير أن طه عبد الرحمان مارس نقدا خارجيا للحداثة على حد قول الدكتور كمال عبد اللطيف.
تأكيدا على النقد الفوقي للحداثة لطه عبد الرحمان، أشار المحاضر أنه لا يمكن تجديد العقل بمفاهيم السجل الطاهوي؛ فقد تحصل الرؤية الذاتية العجيبة والرؤية الخاطفة للعين، ويحصل الرضى بالحال عن الحال بعد نعيم التجربة وصفاء السريرة ومتعة البصر والبصيرة، إلا أن كل هذه الأمور تعد شأنا خاصا، إنها أحاديث الباطن، وهذا النوع من التفكير يركب النصوص الجميلة، لكنه لا يصلح لعلاج علل التاريخ و أزماته الاجتماعية الكبرى.
إجمالا، جمعت المحاضرة بين آليتين في النظر؛ الأولى تجلت في التشخيص العام للأخلاق السائدة والجدل الذي يدور حولها، حيث عمل الدكتور كمال عبد اللطيف على محاورة بعض الجهود النظرية، التي نشأت في إطار مواجهة أخلاق الحداثة، داعية إلى بديلها الذي يروم تحويل المنزع العقلاني في الحداثة إلى منزع صوفي؛ والثانية اعتمدت على سجالات معينة حصلت وتواصل حضورها في الفكر العربي.