محاضرة: فوكو وأزمة العلوم الإنسانية؛ نقد معرفي
فئة: أنشطة سابقة
استضاف مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي بمقر الأبحاث بجاردن، يوم الثلاثاء الموافق 22سبتمبر 2015م الدكتور أحمد عبد المجيد، الأستاذ المساعد بقسم الفلسفة بجامعة سيراكوز الأمريكية، والذي ألقى محاضرة بعنوان: “فوكو وأزمة العلوم الإنسانية؛ نقد معرفي". وذلك في المحاضرة الأولى ضمن سلسلة المحاضرات التي يعتزم المركز تنظيمها في الفترة القادمة حول إشكاليات العلوم الإنسانية.
وأدار تفاصيل اللقاء إبراهيم الشرقاوي الباحث بمركز دال، والذي رحب بالضيف في بداية اللقاء، مؤكدًا أن هذه المحاضرة تأتي محاولة؛ أولاً ل: تتبع جذور رؤية فوكو لأزمة العلوم الإنسانية في إطار نقد مفهوم الذاتية، ونزعة الأنسنة في الفلسفة الغربية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وبالتحديد على خلفية نقد أو الإعلان عن نهاية الميتافيزيقا منذ نهاية القرن التاسع عشر، ثانياً تناقش المحاضرة تزايد ظاهرة استخدام تصور فوكو عن علاقة القوة بالمعرفة، ومنهجه الأركيولوجي في العلوم الاجتماعية، وبالذات فيما يختص بدراسة التاريخ الإسلامي، والدراسات الشرق أوسطية بشكل أعم، كما أكد أن المحاضر تحاول في هذا السياق إلقاء الضوء على الفجوة المعرفية التي تخلقها هذه الدراسات بتجاهلها لنقد فوكو ذاته للعلوم الإنسانية من حيث المنشأ و الغاية و خصوصيتها لأزمة الثقافة الأوروبية.
ثم تحدث الدكتور أحمد عبد المجيد، مؤكدًا أن هذه الندوة تمثل محاولة للتفكير بصوت عال في ظاهرة بدأت تتزايد، وهي استخدام منهج فوكو أو اسم فوكو في الدراسات العربية والتاريخ العربي والإسلامي، وفي العلوم الإنسانية على وجه التخصيص، ولهذه المحاضرة ثلاثة أهداف هي :
1- استشراف الجذور الأركولوجية التي حددها فوكو لظهور الإنسان كمقولة معرفية منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وفي هذا الإطار قال إنه سيحاول إلقاء الضوء على العلاقة المتوترة التي وصفها فوكو بأنها ازدواجية الإنسان التي ظهرت من أوائل القرن التاسع عشر معرفيا في الفكر الأوربي ، وهذه الازدواجية، باختصار هي أن الإنسان أصبح هو الذات العارفة لكل الإشكاليات المعرفية، وبالتالي يجب التعامل معه بنوع من أنواع المركزية، وفي نفس الوقت هو واحد من الموضوعات التي تتعامل معها العلوم الأساسية التي هي من وجهة نظر فوكو: "البيلوجيا، الثيلوجيا، الاقتصاد".
2- تحليل هذه العلاقة المتأزمة أو هذه الازدواجية من خلال محاولة فهمها من خلال علاقة المتجاوز بالكامن في الفلسفة الحديثة، وبالذات منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ومن ثم إشكالية الميتافيزيقا في هذا الإطار، فضلا عن إثارة العديد من التساؤلات حول هذه الإشكالية.
3- تقديم قراءة أولية للأزمة المعرفية التي تواجهها العلوم الإنسانية في إطار تعاملها مع الثقافة العربية والإسلامية، وفي هذا الإطار تم تناول إشكالية الميتافيزيقيا في ظل علاقة كل من الوليد بن رشد بأبي حامد الغزالي باختصار شديد، وهي علاقة ملتبسة بشكل كبير، حيث أكد أن هناك نوعا من أنواع التأويل المعتاد لهذه العلاقة بين الغزالي وابن رشد، حيث تم تصنيفهما وفقا لرؤية اختزالية، فأصبح "الغزالي" تقليدي أصولي رجعى والآخر "ابن رشد" تقدمي يمثل الحداثة والتنوير، وهو ما يراه الدكتور عبد المجيد ازدواجية هزلية ليس لها أي أساس من الصحة، فهو يرى أن ابن رشد بدأ مشروعه من عند الغزالي، وفي هذا الإطار تحدث تحديدا عن تصور إشكالية الميتافيزيقا في الفكر العربي والإسلامي، وصولا إلى الإشكالية التي تحدث عند التعامل من المنظور المتأزم الذي عبر عنه فوكو .
ومضى الدكتور أحمد عبد المجيد مؤكدا أن فوكو قدم تحليله الخطابي لظهور العلوم الإنسانية/الاجتماعية، الذي شكل الأساس المعرفي لتكون الخطاب الفكري منذ القرن السابع عشر بالتزامن مع ظهور "الوعي" كأساس لهذا التمثيل منذ بداية القرن التاسع عشر. على هذا لم يعد دور الخطاب- تنظيم ما تمثله اللغة عن الأشياء- وإنما استحال هذا الدور لبحث تكون معاني المفاهيم الأساسية الحاكمة لأطر التمثيل المختلفة (سواء في الفيلولوجيا أو الاقتصاد أو البيولوجيا) في وعي الذات المكونة للخطاب أو الإنسان.
وقد أدت هذه الطفرة الأركيولوجية من وجهة نظر الضيف إلى بزوغ مفهوم الإنسان وتبوئه موقعا مركزيا كأساس جديد للخطاب، في هذا الإطار ولدت العلوم الإنسانية. لكن ميلادها كان متأزماً. فبينما يشكل الإنسان الأساس الجديد للخطاب إلا أن هذا الإنسان ذاته يتم تفكيكه موضوعياً من خلال العلوم الإنسانية المختلفة، بناء على هذا يستنتج فوكو أن نهاية هذه العلاقة المضطربة في فهم الإنسان ربما بمحو مركزية الإنسان ستعلن عن إمكانية قيام خطاب جديد.
والدكتور أحمد عبد المجيد حاصل على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2002 م، ثم حصل على الماجستير في الفلسفة من جامعة إموري بالولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2007، وحصل على الدكتوراه من نفس الجامعة عام 2011 عن أطروحته "هيرمونوطيقا الخيال الديني ومعنى الطبيعة الإنسانية عند كانط وابن عربي"، وهو يعمل حاليا أستاذا مساعدا بقسم الفلسفة بجامعة سيراكيوز بالولايات المتحدة الأمريكية.