محاضرة: التفسير القرآني بين النظر والأثر
فئة: أنشطة سابقة
الدكتور ناجي الحجلاوي: العقل القياسي والعقل الترادفي هما سبب حالة تردي العالم الإسلامي
نظم المنتدى الفكري لمؤسسة مؤمنون بلا حدود محاضرة ألقاها الدكتور ناجي الحجلاوي. وقد أدارت اللقاء، الذي انتظم يوم 19 يونيو (حزيران) 2015، بالمقر المشترك لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث ورابطة تونس للتعدد والثقافة، الأستاذة رفيعة عطية التي أكدت في كلمتها على أن العبادة ليس صوماً فحسب، إنما تكون أيضاً بالعلم والفكر.
في كلمته أشار الدكتور نادر الحمامي إلى الجامع بين مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث، ورابطة تونس للثقافة والتعدد وهو هذا التعدد والتنوع الذي يحمله اسم كل منهما. وأضاف: "منذ مدة ليست بالقصيرة ونحن نتشارك في أعمال علمية وفكرية متعددة وبلا حدود، بمعنى أنها مؤمنة إيماناً حقيقياً بالاختلاف".
وتابع: "نعم الرابطة والمؤسسة مختلفتان. وهو أمر طبيعي، ويجب أن يكون الأمر كذلك. وأعتقد جازماً أن هذا التعدد، وهذا البحث عن الإيمان بالإنسان، باعتباره القيمة الأصلية وباعتبار الإنسان ليس ذا بعد واحد، وتشهد الأعمال المشتركة التي أنجزت بالاشتراك بين المؤسسة والرابطة على قيمة هذا الاختلاف المنتج للثراء".
ومن جهته قال الدكتور احميدة النيفر إن هذا الموسم كان أكثر نشاطاً من الموسم الماضي، وعرض البرنامج الرمضاني لهذه السنة، وأكد على أهمية تفسير القرآن، لارتباط ذلك بتغيير الواقع الإسلامي، لذلك رأى أنه من الضروري تكثيف اللقاءات حول مسائل حارقة تبحث في سؤال "كيف نفهم القرآن؟"، و"كيف ينبغي أن نتدبره؟" لأنه ليست مسألة منتهية بل إنها راهنة.
أما الدكتور ناجي الحجلاوي فقد بدأ مداخلته بسوق مجموعة من الملاحظات التمهيدية، فأشار إلى أن الموروث التراثي في مخطوطاته لم يصلنا بنسبة 90 في المائة، وذلك له جملة من النتائج أهمها أننا قد نستمع اليوم إلى أفكار نستغربها، والحال أنها ربما كانت قد قيلت في زمن بعيد ولكنها لم تصلنا، ثم إن ما كرس في الثقافة العربية الإسلامية صور لنا على أنه هو الاختيار الوحيد. وهذا ما يدعونا لإعادة كتابة التاريخ حسب الدكتور الحجلاوي.
وعن أطروحته قال الدكتور الحجلاوي إن "القصة قد بدأت مع الأستاذ الكريم عبد المجيد الشرفي في أواخر الثمانينات. وأصل الفكرة: "الجبائيان: أثرهما ومنزلتهما في التفكير الاعتزالي"، غير أن العمل قد سبقني إليه أحد الباحثين، وهو الفرنسي "دانييل جي ماري" عالم الآثار الفرنسي. فأشار عليّ الأستاذ وحيد السعفي بتحويل التصور إلى مقارنة بين ما نعتبره قمة التفكير الاعتزالي ويصوره لنا الموروث هكذا، وقمة التفكير السني أي الطبري (جامع البيان في تفسير آي القرآن) وهو كتاب ذو قيمة كبيرة عند أهل السنة".
وتابع: "اكتشف هذا البحث الأكاديمي أن ما يسميه الجابري "العقل البياني" احتوى التفسير بالرأي واحتوى التفسير بالأثر، لأننا نجد كلا الرجلين يقول بالناسخ والمنسوخ، ويقول بأن السنة تنسخ القرآن، وكلاهما يقول بأسباب النزول، فضلاً عن المتشابه والمحكم والخاص والعام.. فقلنا: يتفق المذهب المعتزلي في أقصى درجاته العقلية مع أقصى درجات الأخذ بالأثر، وإنما يتفقان في نسبة الأخذ بالروايات". واستنتج الدكتور الحجلاوي: "ليس الفرق نوعياً بين السنة والمعتزلة في تناول النص القرآني وإنما هو اختلاف في الدرجة".
وبين الدكتور الحجلاوي أن حال السكون الذي يميز الفكر الإسلامي تعود إلى سببين أساسين هما "العقل القياسي" و"العقل الترادفي". فقد سيج العقل العربي الإسلامي منذ القرن الثاني هجريا بجملة من المكبلات التي حالت دون الإبداع والتفكير. يقول: "أنتم أدرى بحال الوضع الديني الذي نعيش: يمتاز بارتخاء العضلات والقناعة والرضى والسكون، لأنه سيّج منذ القرن الثاني بما فعله الشافعي، وقد أطرده أهل العراق طرداً، لأنه أراد أن يؤصّل ويجمع شتات الأفكار، ربما خوفاً على الأمة من الشتات ففر إلى مصر وحصر نمط التفكير في القرآن والسنة والقياس والإجماع، فبدا ذلك الأمر معبراً أساساً لفهم القرآن، ومن تحول فقد تزندق، ومن اتبع عالماً مثل الشافعي لقي الله سالماً. عند ذلك سيّج الوعي الديني بما يسمى "القواعد الأصولية" حيث "لا اجتهاد مع النص" و"لا وصية لوارث" و"لا ضرر ولا ضرار".
وتابع الدكتور الحجلاوي: "إنه فكر الورطة والبحث عن الخروج من الورطة" ليس فكراً متحرراً، وإنما هو رهين الأصول التي يسميها عبد الجواد ياسين "منتج الاجتماع"، فما أنتجه الاجتماع البشري التبس في أذهان المتأخرين على أنه جزء من الدين".
ورأى الدكتور الحجلاوي أن القرآن يعتبر الثبات "شركاً" واستدل على أنواعه بأمثلة من النص القرآني (فمنه ما ينسب إلى الله ولداً؛ ومنه قصة إبراهيم عندما وجد قومه ثابتين لا يتحولون، عبد النجم فأفل، ثم القمر، ثم الشمس، ثم انتبه أن الثبات لا يجوز إلا على صانع الكون..)
وإجابة عن سؤال "ما سبب هذا السكون وهذا النوم الحضاري؟" ردّ الدكتور الحجلاوي ذلك إلى سببين رئيسين أولهما أن "العقل العربي ترادفيّ". فمن بديهيات اللسانيات أن اللغة لا تتضمن مترادفات. أما العقل الترادفي، في نظر الدكتور الحجلاوي، فلا يفرق بين الوالد والأب "لذلك ذهب بعض المستشرقين إلى أن النص القرآني يتضمن مغالطة تاريخية لأن الشافعي لا يفرق بين الكلمة ورديفها". والفرق بين الشاعر وعالم الدين أن الشاعر يُقبل منه الترادف على خلاف الثاني حسب الباحث، لأن "الزوج" في القرآن غير "البعل"، والشافعي لم يكن واعياً بهذا الأمر، واستدل على ذلك بفهم القدامى لآيات الميراث.
أما السبب الثاني لجمود العقل العربي الإسلامي فهو ما يسميه "العقل القياسي الحالي" الذي "يعتبر أن الأصل الذي يجب أن نستنسخ منه هو القرن الرابع فما قبل. ورأى أن هذا العقل "يسلب الإرادة ويجعل الإنسان مشدوداً إلى الوراء معاكساً للتاريخ وهذا غير مطلوب وهو حالة شركية في نظره. واستدل على ذلك بأمثلة منها: عبارة "الرجال قوامون على النساء" التي فهمها العقل الترادفي على أنها: "الذكور قوامون على الإناث ويستشهدون بـ"ليس الذكر كالأنثى" والسالب في اللغة هو المقدم دائماً من جهة البلاغة واللغة. والحال أن القوامة لا يهبها الدين، وإنما تهبها الحياة.
هذا وقد اختتم اللقاء بجملة من الملاحظات والتفاعلات مع ما طرحه الأستاذ الحجلاوي في مداخلته فتم التطرق إلى الفرق بين بنية العقل المعتزلي والأشعري.