محاضرة: "الزكاة في الإسلام: قراءة إناسيّة" للدكتور محمد الحاج سالم
فئة: أنشطة سابقة
احتضن صالون جدل التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود محاضرة تحت عنوان: "الزّكاة في الإسلام: قراءة إناسيّة" ألقاها الدكتور محمّد الحاج سالم من تونس؛ وذلك يوم السبت الموافق لـ 18 فبراير 2017 عند الساعة الرابعة مساء؛ وخلاصة ما ورد في المحاضرة كالتالي:
من المقرّر بشكل ثابت تقريباً في الدراسات الاستشراقيّة أنّ الصدقة (أو الزكاة في مفهومها الفقهي) ذات أصل يهودي، وأنّها ممّا اقتبسه الإسلام عن ديانتي التوحيد السابقتين عليه. وقد تراءى لنا أنّ مثل هذا التقرير قد ينطوي على إجحاف بحقّ الإسلام وبيئته الحضاريّة الأولى، وكأنّ ولادته كانت في مجال حضاري عقيم، لم يعرف مسألة العطاء وتقنيناتها الدينيّة والاجتماعيّة ودورها الاقتصادي في إعادة توزيع الثروة؛ فما أدرانا أنّ العرب قبل الإسلام لم يعرفوا شيئاً من إبداعهم يسمّى الصّدقة هو ما سيقوم الإسلام بتطويره؟ وما أدرانا، في صورة صحّة فرضيّة النّقل عن الكتابيّين، أنّ العرب لم يأخذوه عن نفس المصدر الذي أخذ عنه اليهود ومن ورائهم كُتّاب الأناجيل؟
سعى المحاضر من خلال محاضرته إلى بيان الأصل العروبي للصدقة اليهوديّة، وأنّها امتداد لتشريع بابلي يعتمد اقتطاع عشور المحاصيل لفائدة الدولة التي تُخصّص جزءاً منها للمعابد، إذ قامت اليهوديّة في ظلّ غياب دولة مركزيّة لليهود، بتحويل وجهة تلك العشور إلى الكهنة حصراً من أجل معاشهم مع تخصيص جزء منها للفقراء وجزء آخر محارق للربّ، بما يُدخلها بصفة تكاد تكون حصريّة في باب «الأضحية التطهيريّة». ثمّ نتابع تطوّر الصدقة اليهوديّة مع المسيحيّة الأولى الرّافضة لسلطة الكهنة وكيفيّة تحوّلها إلى «أضحية تعويضيّة» عينيّة أو نقديّة تُصرف مباشرة إلى الفقراء، قبل أن تنقلب الكنيسة عليها، وتُضحي أحد أهمّ موارد كهنتها على ما تعرفه اليهوديّة تقريباً.
وبما أنّه لا كهنوت ولا محارق في الإسلام، وهذا ما يُسقط فرضيّة الأخذ عن اليهوديّة والمسيحيّة، فإنّ السؤال المطروح يتعلّق بالمصدر الذي سيعتمده الإسلام في بناء تشريعه الخاصّ بالصدقة. وهنا نُقدّم فرضيّة أنّ ما جاء به الإسلام لم يكن نقلاً عن اليهوديّة أو المسيحيّة، بل كان تواصلاً مع تراث عروبيّ قديم معروف في كامل المنطقة العربيّة، وهو الأصل في «الصّدقة التّطهيريّة» التي عرفها العرب من خلال «مؤسّسة الميسِر» التي سيقوم الإسلام بضربها وهدمها، ومن ثمّة تعويضها بـٍ «مؤسّسة الصدقة/الزكاة» الجامعة بين مبدأي التطهير والتعويض، لكن بعد تخليصها من المحارق ومن الكهنة، وجعلها مرّة أخرى (حسب المبدأ البابلي) في خدمة «الدولة» الجامعة للقبائل بعد أن كانت في خدمة «اللقاحيّة» القَبَليّة التي تُمثّل أحد أهمّ العوائق في سبيل انبثاق الدولة.
وحاول المحاضر من خلال تحليل هذه الفرضيّة، بيان أنّ «الصّدقة الإسلاميّة» أمر فذّ غير مسبوق، إذ هي تُشكّل في ذات الوقت امتداداً لطقس الصدقة العروبي القديم في نسخته المحايثة لعصر النبيّ من خلال طقس «المَيْسِر الجاهليّ» من جهة، بقدر ما تُشكّل من جهة أخرى قطيعة معه ومع النسختين اليهوديّة والمسيحيّة للصدقة.