محاضرة: جدل الغيب والشهادة، قراءة في سورة الكهف
فئة: أنشطة سابقة
نظم المنتدى الفكري لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث بالاشتراك مع رابطة تونس للثقافة والتعدد لقاء فكرياً ألقى خلاله الأستاذ محمد الشتيوي محاضرة بعنوان "جدل الغيب والشهادة، قراءة في سورة الكهف" تناول فيها بالدرس المعالجة الإيمانية والتاريخية والرمزية للقصص الثلاث الواردة في سورة الكهف.
وقال الأستاذ احميدة النيفر في كلمته الترحيبية، خلال اللقاء، الذي انتظم الأحد 12 يوليو (تموز) 2015 بالمقر المشترك للمؤسسة والرابطة، إن مسألة تجديد الفكر الديني تعدّ من اهتمامات الرابطة وقد تم تخصيص أكثر من لقاء لتناولها بالدرس. وعدّ مسألة تدبر القرآن وفهمه "مسألة محورية" لا يمكن أن تترك بصورة عشوائية.
وأضاف الأستاذ النيفر إن التدبر هو ما وراء الظواهر، أي كيف نقرأ ما وراء الفهم الأولي الظاهر، لأن القرآن خطاب مفتاحه التدبر بعقل علمي لديه ما يكفي من المعرفة وآليات الفهم، حسب رأيه. وأشار إلى أن القضية قد طرحت منذ الثمانينات من خلال فكر فضل الرحمان الذي يقول: "لا تغيير اجتماعي في العالم الإسلامي بعيداً عن أسلوب تفسير القرآن". وهو الرأي نفسه عند طه عبد الرحمان الذي يقول: "لا دخول للمسلمين إلى الحداثة إلا بحصول قراءة جديدة للقرآن الكريم" كتاب روح الحداثة.
وأشار الأستاذ محمد الطاهر ماجول إلى جملة الإشكاليات التي سيتطرق إليها المحاضر: ما الفوائد التي يمكن أن نستخلصها من سورة الكهف؟ ما راهنية أن نعيد قراءتنا لهذه السورة اليوم؟ ما الجدوى من إعادة قراءتنا لتراثنا الديني عموماً والقرآن تخصيصاً؟ وإذا سلمنا بضرورة إعادة قراءة القرآن فبأي منهج سنعيد قراءتنا للنص القرآني؟
ورأى الأستاذ محمد الشتيوي أن التدبر مطلب قرآني أصله في القرآن (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، الذي بغيابه يحصل اختلاف وتناقض. والتدبر مرتبط بالإنسان الذي يقوم بذلك بما عنده من وسائل، فإذا "كان النص على مثال منزله فإن فهم النص يكون على مثال قارئه" على حد تعبيره. فكل تدبراتنا وقراءاتنا إنما هي تعبر عن فهمنا للنص في واقع معين.
وحدد الأستاذ الشتيوي جملة من القواعد التي يعتمدها في فهم النص القرآني وهي: "الاتصال الوثيق" التي تقتضي منطلقاً إيمانياً؛ و"الفهم العميق"؛ و"التطبيق الدقيق" كما يسميها. وأشار إلى أن سورة الكهف يمكن أن تقرأ من مداخل متعددة. وأن القراءة المعاصرة لا تخطّئ المفسرين السابقين بالضرورة "لأنهم يقرؤون بناء على ثقافته وقراءته صحيحة في واقع معين. إنما مهمتنا هو تنزيل النص في واقعنا الخاص".
وقال إن التدبر، في نظره، يبدأ من تدبر الكلمات. يقول: "ومنطلقي في الفهم والتدبر يعتمد على أصول الفقه، الذي يهتم بالدلالات، والذين أسسوا علم التفسير هم علماء أصول الفقه" مستدلاً على ذلك بأول باب في كتاب "الرسالة" عند الشافعي: كيف البيان؟" على حد تعبيره.
أما بالنسبة إلى قراءته لسورة الكهف، فقد أشار إلى أن السورة تبدأ بـ"أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" واعتبر أن السورة هي تجليات مختلفة لآيات الله في تاريخ الكون والطبيعة والزمان. فالله، حسب تعبيره، "يريد أن ينبه وعينا إلى أن الآيات العجيبة هي الآيات السُّنَنِية لا الآيات الخارقة". وأكد أن الآيات السننية أهم لأن القرآن دعا إلى تدبرها أكثر من الخارقة، ثم إنها قابلة للتوظيف، "لأننا ننجز الفعل في التاريخ بالسنن، التي تنتمي إلى عالم الشهادة وتدل على وجود الله، لا بالخوارق، التي تنتمي إلى عالم الغيب وهي دليل على صدق النبي.
ثم تناول بالتحليلي القصص الثلاثة الواردة في سورة الكهف وهي: "أصحاب الكهف" التي تبين تدخل الله الخارق في الزمان والمكان (خرق القوانين الزمنية والمكانية)، إذ خلق الله حركة داخلية للكهف ومن فيه مخالفة لمنطق الأشياء العادية؛ وقصة ذي القرنين التي تبين ضرورة التغيير وبناء الحضارة بالسنن، ولا يجوز أن ندخل فيها قراءة خارقة؛ والقصة تجلت بين موسى ( الذي يمثل علماً خُبرياً قائماً على التجربة) والعبد الصالح (وهو صاحب علم غيبي لدنيّ يقيني) انتهت بالفراق، التي تعكس جدل الغيب والشهادة. إذ تفوق العبد الصالح على موسى بالمعلومات التي تمثل سلطة في حد ذاتها. وعدد أنواع الغيب التي توجد في القصة: غيب مكاني (قصة السفينة) وغيب زماني (الغلام) وغيب الحاضر والمستقبل والحكمة (قصة الجدار).
أما التجربة الناجحة، في نظر الأستاذ الشتيوي، فتمثله القصة الأخيرة (ذي القرنين) التي تتضمن ضرورة الاقتداء بذي القرنين، وهي قصة موجهة للأمة تم تأخير ذكرها قصداً. هي قصة دولة صارت الأُولى بالأسباب تروي قصة ملك ممكّن في الأرض بالعلم والمعرفة والصناعة. يقول: "ونفهم من ذلك أن تغيير العالم لا يكون بالخوارق، أو بالتتلمذ على المشايخ، وإنما بفعل قائم على العلم والإيمان مجتمعين".
واختتم اللقاء بفقرة خصصت للنقاش أثيرت خلالها مجموعة من النقاط منها فصل القصص الثلاث، وعدم إيلاء القراءة الباطنية حقها في التحليل. وقال الأستاذ الشتيوي في رده إنه ركز على قصة ذي القرنين لأنها الأكثر ارتباطاً بواقعنا الحاضر، وإنه لم يعتمد كثيراً على التفاسير السابقة لأنها تحتاج إلى مراجعة لأن فيها من يتخذ الإسرائيليات مرجعاً في تفسير سورة الكهف ليسد ما ورد فيها من فراغ.