محاضرة: ''قراءة في تاريخ الأديان'' لهشام جعيط
فئة: أنشطة سابقة
انتظمت بمقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، الجمعة 27 يناير الجاري، محاضرة تحت عنوان: ''قراءة في تاريخ الأديان'' للمفكّر الدكتور هشام جعيّط. وسبق المحاضرة تأطير عام قدّمه كل من الأستاذ نادر الحمّامي والأستاذ لطفي بن ميلاد، وأشارا إلى أهمية المسألة التي تتنزل في السياق العام لأبحاث المفكر هشام جعيط ودراساته الأكاديمية، واهتماماته بالتاريخ الإسلامي منذ مراحله الأولى، وثمّنا المسار العلمي والأكاديمي للضيف، كما اعتبرا لقاءه بالجمهور والمتابعين حدثا مهمّا من شأنه أن يساهم في إلقاء الضوء على مسيرة علمية وفكرية متميّزة.
افتتح المحاضر مداخلته بالقول، إن هذا العنوان يعني الاهتمام بتطور الأديان في العالم، وقال إنه قد سبق له الكتابة في فلسفة الأديان، والاهتمام بالأديان الصينية والهندية، واعتبر أن المسلمين لم يهتموا بالحضارات الكبرى وأن الاتّجاه قد اقتصر في العصر الحديث على الاهتمام بأوروبا والغرب عموما، من منطلق الصراع والتقليد. في حين اهتم الأوربيون بالأديان العالمية، وكان هناك مجهود أوروبي في الاهتمام بالحضارات السومرية والكاتبات الهيروغليفية وغيرها، إلى جانب اهتمامهم بتاريخ اليونان والرومان، والديانات الهندية والصينية والهندوسية والبوذية، واستخلص من ذلك أن المسلمين لا يعرفون الكثير عن الديانات العالمية، مما أثر في النواحي المعرفية والفكرية لديهم، لأنهم كانوا محكومين بدافع التركيز على الذات، وهو ما اعتبره مبالغا فيه.
وقال إنه اهتم بتاريخ الإسلام وأرّخ لبداياته وانتشاره في الجزيرة العربية، كما اهتم بشخصية النبي محمّد باعتبارها شخصية مؤسّسة لمسار حضاري وإمبراطوري، وأن القرآن كان مصدرا أساسيا في معظم كتاباته، وأن الوقت لم يسعفه لدراسة محتواه بشكل خاص، وقال إن الإمبراطورية الإسلامية تعَدّ من أكبر الإمبراطوريات في العالم، رغم انقساماتها على مر التاريخ بداية من الدولة الأموية فالعباسية وغيرها... وانتهاء بالدولة العثمانية، فقد كان الدين الإسلامي هو الركيزة الأساسية التي قامت عليها سياسيا وثقافيا، ما جعلها تلعب دورا كبيرا في التاريخ العالمي من الوجهة الإنسانية والثقافية والعلمية.
وقال إن اهتمامه بالإمبراطورية الإسلامية، كان ينطلق أساسا من كونه مؤرّخا يعتمد على الاطّلاع على المصادر، ويطرح التساؤلات عن حقيقة الأحداث والأفعال المنسوبة إلى الشخصيات الإسلامية الأولى، من ذلك التساؤل عن علاقة الإمبراطورية الإسلامية التي تكوّنت على يد أبي بكر وعمر بن الخطاب عن طريق الفتوحات الكبرى، بالنبي محمد، بمعنى هل كان هؤلاء متمّمين لمشروع أتى من الرسول بذاته؟ وقال بأنه لم يتسن له التعمّق في هذا السؤال في كتاباته، رغم أنه كان مطروحا في المصادر وكتب السّير، وأرجع ذلك إلى أن الرسول كان مهتما بأن يطرح الدين الجديد في بلاد العرب، أي خارج ''مركز الإسلام المحمّدي'' (الحجاز)، وقد كوّن لذلك جيشا مستقرّا له قيمة وقدرة منذ زمن تبوك، وكوّن روحا نضالية ودينية قوية، وكوّن ''مفهوم الجهاد الحقيقي في سبيل الله''، ولم يعتبر جعيّط أن الرسول كان له مشروع للقيام بفتوحات خارج بلاد العرب، لذلك ففكرة تكوين الإمبراطورية الإسلامية الكبرى بدأت تختمر أساسا في ذهن أبي بكر ومن بعده عمر، بدافع ما حصل من حروب الردّة. واعتبر أن فكرة الفتوحات لم تكن في سبيل السيطرة والهيمنة، وإنّما كانت بهدف ترسيخ الإسلام في روح العرب وتوحيدهم وجعلهم على استعداد دائم لاكتساح العالم لا لفرض دينهم على الغير، وإنما للمحافظة عليه، واستحضر في هذا السياق قول لايبنتز بأن فضل محمّد وأتباعه هو أنّهم نقلوا الديانة التوحيدية لشعوب متعدّدة لم تكن تعرف معنى الإله وكانت في ظلام مبين.
وخلص إلى اعتبار الديانات العالمية هي الإسلام والمسيحية والهندوسية والبوذية، وهي أربعة أديان كبرى ويمكن أن نضيف إليها الدين اليهودي لأنه كان أصل فكرة الإله الواحد ومنه ظهرت المسيحية، وقدّم رؤيته لدراسة ظهور هذه الأديان وتطوّرها باعتماد التقسيم الجغرافي، معتبرا أن الشرق الأوسط كان مهد الكثير من الأديان الصغرى، وأن القسم الكبير الذي عرف ظهور أديان هو بلاد الهند التي عدّها ''أم الأديان'' بصفة أوسع من الشرق الأوسط الذي عرف ظهور الديانات التوحيدية، رغم أنّها لم تعبأ بتكوين إمبراطوريات سياسية، بل وقع الاهتمام في مقابل ذلك بالتفكير في الدّين وما يتبعه من ميتافيزيقا، واعتبر أن الصين كانت مهد الأديان قبل ظهور الإمبراطورية، ولكن من زوايا أخرى فلسفية وأخلاقية وفكرية، وقدّم مثالا أفكار كونفوشيوس التي دامت إلى حدود الثورة الصينية الحديثة، وصارت نوعا من الدين الرسمي الذي اعتنقته الإمبراطورية الصينية، رغم أنّها لم تكن في الأصل دينا، وكذلك الطّاوية، وهي مجموعة مبادئ، تنقسم إلى فلسفة وعقيدة دينية، مشتقة من المعتقدات الصينية القديمة، وهي قريبة من القيم التي تأسست عليها الإمبراطورية اليابانية...
واختتم قراءته لتاريخ هذه الأديان والعلاقات التي جمعتها بمؤسسة الإمبراطورية، وانتقالها الجغرافي بين أطراف العالم، من خلال الأفكار التي تضمّنتها والقيم التي حثّت عليها في تصوّرها لوجود الإنسان في الكون، مبيّنا أن ما ذكره من لمحات في هذه المحاضرة لا يمكن أن يقدّم رؤية استباقية لما ستؤول إليه الأفكار الدينية، أو ما سيكون عليه العالم مستقبلا، من حيث تمثّل الدين والقوى الجديدة التي طرحت تغيّرات كبرى على واقع الإنسان، واعتبر مع ذلك أن ''للأديان قوّة كبيرة ومتجددة للتّمركز والبقاء'' لأنها تستند في جميع الظروف إلى ضعف النفسيّة الإنسانية، وتجيب على أسئلة الإنسان المتجدّدة، وتهوّن من خوفه وضعفه في هذا العالم وتملأ فراغه الروحي.