ندوة: مداخل التفكير في الإسلام اليومي؛ الإشكاليات، المناهج، النماذج
فئة: أنشطة سابقة
نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ندوة "مداخل التفكير في الإسلام اليومي: الإشكاليات، المناهج، النماذج" في تونس العاصمة يوم الأحد 02 مارس 2014 بحضور مجموعة من الدارسين والمهتمين في العلوم الاجتماعية. وقد كان رهان الندوة رصد وتحليل ممارسات الإسلام اليومية بحسبانه الأثر المادي المحايث القابل للملاحظة بعيدا عن أحكام القيمة، وعلى أساس متون إثنوغرافية متنوعة ومداخل نظرية تفهمية.
افتتحت الجلسة الأولى الصباحية تحت محور مقاربات نظرية حول الإسلام اليومي، بورقة للدكتور منير السعيداني، أستاذ علم الاجتماع بالمعهد العالي للعلوم الاجتماعية بتونس حول صنع المعيش ابتداع الثقافة: ملاحظات في بعض مظاهر المعيش اليومي الإسلامي. وتتبع المحاضر بعض مجريات الحياة اليومية في الأوساط الحضرية التونسية بمدنها وقراها، ولاحظ أن عددا من أنشطة الدعاة- الحركيين يتوزّع على نقاط معلومة من الفضاء الحضري من بينها ثلاث، يمكن اعتبارها علامية على وجودهم وأثرهم في محيط المسجد وفضاءات الانتصاب التجاري اليومي وساحات حارات السّكن. يرسم الدعاة الحركيون ذوو القناعات السّلفية في هذه الفضاءات ما يمكن اعتباره في آن معًا علامات حدودية لما يريدون تملّكه من الأفضية الحضرية من أجل إعادة تشكيلها من جهة، وسمات فارقة على وجود جماعاتي مخصوص الهوية راهنا موجودا ومستقبلا منشودا. تتآزر في ذلك ممارسات مظهرية وبيداغوجيا سلوكية وتصرّف ترويجي وتقنيات إقناعية واستراتيجيات ردعية. وفيما يزعم الدّعاة الحركيون أنهم بذلك يعيدون إنتاج ما كان من سيرة السلف يتولون في الحقيقة ابتكار حياة جديدة، إذ يصنعون معيشا يوميا غير مسبوق يبتدعون من خلاله ثقافة تتوجه رأسا نحو غايتها الاستراتيجية التي يسكنها الحلم وتقطن اليوتوبيا.
حاول الباحثيونس الوكيلي في ورقته" تأويل الإسلام اليومي في مشروع الأنثروبلوجي عبد الله حمّودي" مقاربة الإسلام اليومي- المعيش من وجهة نظر الأنثروبولوجي عبد الله حمودي ( 1945- ...)، وذلك من خلال قراءة في أعماله الأنثروبولوجية حول الطقس الديني، خاصة كتابيه " الضحية وأقنعتها: بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغارب " (1988) و" موسم في الحج"(2006). ومن منطلق فرضية " الرهان الثقافي " أو التحليل الثقافي" للطقوس الدينية، ركز الباحث على تناول حمودي لطقس الأضحية ولعبة بلماون، مؤكدا أنه ينبغي فهم تلك الطقوس كما تصيغ نفسها في تمفصلها مع عوامل أخرى دون إسقاط نماذج من خارجها منتقدا عددا من الأطروحات الكولونيالية، وعرج الباحث على محاولة إعادة صياغة الأنثروبولوجيا التي باتت انشغالا أساسيا لدى عبد الله حمودي في السنوات الأخيرة.
في نفس الجلسة، قدمت الباحثة وفاء ادريسي، الأستاذة المساعدة في المعهد العالي للعلوم الاجتماعية في تونس، ورقتها حول "المقاربة الجندرية منهجا من مناهج دراسة الإسلام اليومي: مساهمة الجواري والغلمان في الحياة الاجتماعيّة أنموذجا". وهذه الورقة انتقلت إلى فترات في التاريخ الإسلامي، لتناول إحدى مظاهر الإسلام اليومي، فاختارت منهج الجندر والعرق والطّبقة، وطبّقته على الحياة الاجتماعيّة للجواري والغلمان، باعتبار الإشكاليّات الّتي تطرحها خصوصيّات هذه الفئة تبطن مشاكل المرأة والمهمّشين والأقليّات العرقيّة والدّينيّة وغيرها من المشاكل الّتي تتناولها العلوم الاجتماعيّة والنّفسيّة اليوم بالدّرس. و خلصت الباحثة إلى أن دراسة الحياة اليوميّة لفئة العبيد اعتمادا على المقاربة المذكورة، تنتهي إلى أنّ الثّقافة قد ارتكزت على الثالوث المقدّس لتنظيم الحياة الاجتماعيّة اليوميّة في القرن الرّابع أساسا. وأنّ سلوك الأفراد والعلاقات الاجتماعيّة الّتي ربطت بينهم لم تكن وليدة طبيعة أو فطرة في الإنسان بقدر ما نظّمت وفق مصلحة المجتمع بمؤسّساته الاجتماعيّة والفكريّة والسياسيّة.
وبرئاسة الدكتور نادر حمامي، انطلقت الجلسة الثانية تحت عنوان الإسلام اليومي بين المجتمع والدولة بدراسة للدكتور فيصل شلوف عن '' دولنة' الإسلام اليومي: مظاهره وآلياته من خلال دراسة للخطاب السّياسي الحديث في تونس". استنادا على الفهم الذي يقدّمه الخطاب السياسي للدّين الذي يميز مبدئيا بين الدّين باعتباره جوهرا، والدّين باعتباره ممارسة. لذلك هاجم الخطاب السياسي الدّين الذي يقدّمه التّقليديّون، انطلاقا من قناعته الرّاسخة بأنّه لا يمثّل سوى شكلا من أشكال الممارسة للإسلام، ورأى ضرورة تجاوز المذاهب الفقهية والمدارس، لأنّها تعبّر عن جهد إنساني مرتبط بزمان ومكان لا يمتّان بأية صلة لواقع الدّولة السياسي، إضافة إلى أنّهما يحتملان الصّواب في فهم المقاصد الحقيقيّة للنّص الدّيني، كما يحتملان الخطأ؛ فلا بد من إقامة علاقة مباشرة مع النّص لاكتشاف معان أخرى غير تلك التي تشبّث بها ''التّقليديّون''، وقد سبّب ذلك جدليّة خاصّة عاشها السّياسي في علاقته بالنص الديني بين النّفور تارة والاقتراب طورا دون أن يحسم ذلك حسما نهائيّا، وهو ما انعكس على طبيعة تعامله مع الإسلام اليومي، فكان ينبني أساسا على منطق الاستحواذ. وانصبت مداخلة الدكتور فيصل على بحث أطوار عمليّة توظيف الإسلام اليومي من خلال أمثلة مباشرة من الخطاب السّياسي الذي صاحب نشأة الدولة الوطنية في تونس.
و بالتركيز على الإسلام اليومي المتمثل في التصوف، قدم الدكتور عماد صولة في ورقته عن "الشّعبيّ والرّسميّ في الإسلام اليوميّ الصّوفيّ" محاولة في تفهم طبيعة الإسلام اليوميّ في صيغته الصّوفيّة منظورا إليها في بعدها الدياكرونيّ، أي ليس بوصفها نموذجا متكلّسا يقع خارج التاريخ، وإنّما من حيث هي سيرورة من التفاعل والتغيّر وإعادة البناء. واعتمد في ذلك على تفكيك العلاقة بين الشّعبي والرسميّ، وذلك بتحليل ثنائيات ثلاث عادةما تتمفصل حولها:المؤسّس واللّامؤسّس في الممارسة الصّوفيّة معرجا على العلميّ والخيالي أو الأسطوريّ ثم الشفاهيّ والمكتوب.
خلال الجلسة الأخيرة ، والتي تمحورت حول نماذج من الإسلام اليومي، قدم الباحث عادل بلكحلة ورقته عن "الإسلام البحّاري في الساحل التونسي: إسلام آخر بين الهامِشيّة والتأكيد"، مسلطا الضوء على فئة نادرا ما تم الاهتمام العلمي بها، وحاول رصد نمط تدينها، ذلك أن اللاوعي العربي المهيمن يرتاح إلى البحر، بسبب نكوصه إلى البداية الصحراوية/القبلية، وإمعانها في البرية. فلم تكن السماكة ومنتوجاتها أمورا معتبرة، في ثقافة العرب المسلمين واقتصادهم في العصور الوسطى. فكانت السماكة مهنة أعجمية، يعيش أهلها دونية: عرقية، وطبقية، ومعيشية، ووسائلية. وهذا مما جعلهم يتخذون فاعليات تصعيدية، وتعويضية، واحتجاجية متعددة. لم يكن لمؤسسي الإسلام القيرواني احتكاك بالبحر صيدا، أو لهوا، أو سباحة؛ ولم يكن اتجاههم إلى الاستهلاك السمكي مهما، رغم أنهم كانوا يراقبون البحر. وقد مارس فقهه تهميشا عنيفا ضد السماكين وغيرهم من الفئات الدنيا: فقد اعتنى بالمالكين الفلاحيين والتجار والمتنفذين طقوسا، وكسبا دنيويا، وقدم وجوه الشرعية للسلطة العربية(فالسلطة التركية)، وتحالف مع مالكي السفن التجارية ضد السماكين الذين عملوا نواتية معهم، لكي يكونّوا فائض قيمة شرعي على حسابهم؛ ولم يتناول السماكين في شيء: طقوسا وكسبا دنيويا. فأسلمتهم، كما يقول الباحث، لم تكن إدماجا في أمة الإسلام، بل كانت إخضاعا ثقافيا يدخل ضمن سيرورة هيمنة للمتنفذين الجدد.
وتناول الباحث المصري يامن نوح في ورقته ، الموسومة ب: "مقاربة إثنوغرافية للإسلام اليومي: (النقاب) في مصر أنموذجا، تحليل السياقات الاجتماعية المختلفة التي يتم في إطارها استخدام التمظهرات الدينية في الحياة اليومية للناس، حيث يتم توظيف ما هو "ديني" فيما هو "غير ديني" بالأساس. وبعد أن أطر الباحث بحثه نظريا ومفهوميا، قدم على الأقل سبع وظائف غير دينية لارتداء النقاب، منها: الحماية الجسدية من التحرش، والخجل الاجتماعي، وإدارة العلاقات، والترقي الاجتماعي، والإثارة و الشرف.
أما الباحث الجزائري الدكتور محمد حيرش بغداد، فعالج قضية "الكتابات الشّاهدية في الجزائر (مقبرة عين البيضاء بوهران أنموذجا)" وهي من الاهتمامات النادرة في البحث السوسيولوجي والأنثروبولوجي، واعتمادا على الملاحظة الميدانية التي مست عديد الفضاءات المحلية القريبة (وهران المدينة وما يجاورها من قرى وبلديات) والوطنية (بجاية، تيزي وزو، عين تموشنت، تلمسان، سيدي بلعباس، أدرار، تندوف، بني عباس...) والعربية (مقبرة سحاب بعمان، مقبرة الرّياض بنواكشوط، مقبرة كركا أحمد باسطنبول) وكذا الفضاءات الإسلامية الموجودة على أراض أجنبية (مقبرة بوبيني، باريس).
هذا الكم من الملاحظات منحنا فرصة المقارنة. ولم تفتنا أيضا ملاحظة عدد من المقابر المسيحية الموجودة في الجزائر أو في دول أجنبية (ليبزغ-ألمانيا) استطاع الباحث التأكيد على استمرارية الصّيغ الكتابية القديمة (مقارنة بين الماضي والحاضر). وإبراز دور الحرفيين في توجيه الفاعلين الاجتماعين (). ورصد ظروف وسياقات الوفاة (شهادات). والمقارنة بين الصّيغ الجنائزية الموجودة في الجرائد اليومية، وبين الصيغ الجنائزية الموجودة على شواهد القبور (منطق الالتفاف).
ويجدر التنويه في الأخير إلى النقاش الساخن الذي تخلل كل الجلسات من قبل الحضور النوعي عبر إثارة أسئلة دقيقة ومتفاعلة إزاء الأوراق البحثية، وتتحلى بيقظة نقدية.