ندوة: " الأساس السوسيولوجي لظاهرة العنف الديني" للدكتور أحمد زايد
فئة: أنشطة سابقة
نظم مركز "دال" للأبحاث والإنتاج الإعلامي بالقاهرة التابع لمؤسسة مؤمنون بلاحدود، يوم الثلاثاء الموافق 24نوفمبر 2015م ندوة بعنوان " الأساس السوسيولوجي لظاهرة العنف الديني"، حيث ألقى الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع والعميد السابق لكلية الآداب بجامعة القاهرة، محاضرته وسط حضور كبير، وأدارت ولاء عبد الهادي الباحثة بالمركز تفاصيل اللقاء.
في البداية، رحبت ولاء عبد الهادي بضيف المركز الكبير كأحد أبرز أساتذة علم الاجتماع السياسي في مصر، وأكدت أن اللقاء يهدف إلى محاولة الاقتراب مما يدور على الساحة في الوقت الراهن من أعمال عنف باتت تستهدف الأبرياء حول العالم، ولا تفرق بين الضحايا، وهو ما يستلزم بالضرورة معالجة الظاهرة ومحاولة الوقوف على أسبابها الحقيقية.
من جانبه، أكد الدكتور أحمد زايد على ضرورة تعريف العنف من الناحية المفاهيمية، كعملية يلحق فيها طرف الأذى بطرف آخر، والعنف في رأيه يتخذ أشكالا ثلاثة هي: المادي، والرمزي واللفظي، وهي تمارس كلها بشكل جمعي، مستعرضا كلا منها على حدة. ثم تطرق إلى دور الدولة مؤكدا أنه بسبب ما يمثله العنف من خطورة كبيرة على الفرد والمجتمع، أصبحت الدولة هي الكيان الوحيد الذي يملك استخدام العنف بشكل شرعي شريطة أن يكون في خدمة المجتمع، لتحقيق الطمأنينة للمواطنين، ولكن إذا أفرطت الدولة في استخدام العنف تصبح دولة تعيش فوق شعبها، وليس من أجل شعبها، ومن ثم تتحول إلى دولة فاشلة. وأضاف زايد أن هناك سؤالا يطرح نفسه مع تزايد موجات العنف الممتدة منذ عقود : هل العنف لصيق بدين معين ؟ ليؤكد أن هذا العنف – للأسف - يمارسه أفراد محسوبون على الإسلام، ويدّعون أن الإسلام يدفعهم لممارسة هذا العنف، ثم أكمل:" لو نظرنا إلى تاريخ الإسلام وتحديدا منذ دولة المدينة التي شهدت وثيقة للتعايش بين مختلف الطوائف في المجتمع، ورغم وعود هذه الوثيقة المتمثلة في القرآن لكن القرآن أيضا يحدثنا عن العديد من الطوائف التي لم تكن تلتزم بها، وهذه النصوص تدل على أن المجتمع كان مجتمعا بشريا، ولم يكن مجتمعا ملائكيا، فالإسلام جاء في مجتمع عنيف بالأساس، وعندما نتقدم في التاريخ للأمام ومع نشأة الإمبراطورية الإسلامية، أصبح الدين يستخدم سياسيا وزاد العنف بصورة كبيرة خصوصا مع حروب معاوية وعلي وعليه تم تفريغ الدين من محتواه" . وأوضح زايد أن العنف غير لصيق بالإسلام بقدر ما هو معبر عن ثقافة المجتمع الصحراوي، والعكس فقد جاء الإسلام ليغير هذه الطبيعة ويدعو القبائل للتعايش وتقبل الآخر، لكن المشكلة الكبيرة حدثت مع التوظيف السياسي للدين، وهنا اختلط الأمر على كثير من الناس، فأصبحنا نتعامل مع تاريخ الدولة الإسلامية، باعتباره تاريخ الإسلام وهذا غير صحيح، لأن السياسة في معظم العصور الإسلامية كانت تقدم صورة عكس التي جاء من أجلها الإسلام. وبين الضيف أن هذه النزعة العنيفة تم تأسيس مرجعية دينية لها على يد ابن تيمية، وأصبح هناك إفراط في إباحة العنف، ومع مرور الزمن تراجعت قيمة الإنسان لصالح العنف وسطوة السياسة، ومع الدخول في مرحلة الحداثة والصراعات الأممية، تمت إعادة إنتاج خطابات العنف التراثية، وخلق نمط من الكهنوت يقدم خطابا مضادا للحداثة، ومن داخل هذا الخطاب ولدت الحركات السلفية والجهادية التي تمارس الإرهاب وتنتقي من التاريخ أسوأ ما فيه، لتقدم نفسها للعالم في هذه الصورة المفجعة. وأشار زايد إلى أن الجماعات المتطرفة تستخدم كل أدوات الحداثة إلا العقل، لذلك تجدهم يرددون دائماً أنهم يسعون إلى إحياء دولة الخلافة، ولكن يبقى السؤال؛ أية خلافة يريدون إحياءها؟ هل خلافة معاوية وأبنائه أم خلافة العثمانيين، مؤكدًا أن الأزمة تتطلب أن ندرك أن كل عصور الخلافة لم تكن مثالية، بل كانت غارقة في العنف، والأزمة الأكبر أن دعاة عودة الخلافة لا يعرفون أية خلافة يريدون عودتها.
وفي ختام الندوة، اقترح الدكتور أحمد زايد عدة نقاط يراها طوق النجاة من شبح التطرف، وهى؛ أولاً: أن نعيد قراءة التاريخ ونعترف بما فيه من أزمات وكوراث وأن نكف عن التعامل مع التراث على أنه تراث ذهبي ومقدس. ثانيًا: علينا أيضا أن نحدد موقعنا من الحداثة، فنحن نتحدث بالعلم ونعيش بالخرافة، ثالثًا: علينا أن ندرك أن البيئة المتطرفة هي بيئة مجتمعية متكاملة، ولا تخص طائفة دينية بعينها، لذلك فعلينا تغيير البنية المجتمعية بصورة كاملة، فلا يوجد في أية دولة في العالم تفاوت طبقي شاسع كما هو موجود في مصر وإهدار القانون وتفشي الفساد على كافة المستويات، وبسبب كل هذه العوائق المجتمعية، ازداد حضور الخطاب المتطرف، وإذا أرادنا أن نواجه التطرف فعلينا بناء المجتمع من جديد، وتحقيق العدالة الاجتماعية وفتح أبواب المستقبل أمام الشباب.
بعد ذلك، دارت مناقشة بين الضيف وجمهور الحضور، حيث أجاب عن التساؤلات، وعقب على المداخلات.
والدكتور أحمد زايد أحد أبرز أساتذة علم الاجتماع في مصر، شغل عدة مناصب منها: عمـيد كلية الآداب – جامعة القاهرة (2004)، كما عمل مستشارا ثقافيا لجمهورية مصر العربية بالرياض (1998 – 2001)، ومديرا لمركز البحوث والدراسات الاجتماعية ـ بجامعة القاهرة ( ديسمبر 1994/ 1998 – 2003/2004)، ونائبا لرئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع، ومستشارا لوزير التعليم العلمي والبحث العلمي، وعضوا في اللجنة العليا لتطوير التعليم بوزارة التربية والتعليم (2004/2005)، وهو خبير في العديد من الدراسات التي تجريها اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومستشارا أكاديميا لبرنامج بحوث الشرق الأوسط، في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ورئيس تحرير مجلة إضافات التي تصدرها الجمعية العربية لعلم الاجتماع. وللضيف الكبير مؤلفات عديدة أثرت المكتبة العربية منها: صور من الخطاب الديني المعاصر، والمجتمع المدني ودراسات المرأة ، وتناقضات الحداثة في مصر، والبناء السياسي في الريف المصري والدولة بين نظريات التحديث والتبعية، والقيود الاجتماعية على الحرية الفكرية، والثابت والمتغير في سمات الشخصية المصرية، وغيرها من الدراسات الأكاديمية التي تعالج قضايا البنى الاجتماعية على شتى المستويات.