ندوة : عقلنة الدين ونظرية التأويل الكلاسيكية للدكتور أشرف منصور
فئة: أنشطة سابقة
شهد مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود مساء الثلاثاء الموافق 15 مارس 2016 بمقر الأبحاث بجاردن سيتي، فاعليات ندوة علمية بعنوان عقلنة الدين ونظرية التأويل الكلاسيكية للدكتور أشرف منصور أستاذ الفلسفة بكلية الآداب / جامعة الإسكندرية. وأدار تفاصيل اللقاء الباحث بالمركز عبد الله أحمد.
في البداية، رحب مدير الجلسة بالضيف، وبجمهور الباحثين، قبل أن يلقي مقدمة قام فيها بتأصيل المدخل النظري للموضوع، متتبعا المنتج المعرفي لنظرية التأويل الكلاسيكية، وأهم المنطلقات الفلسفية التي أسهم بها الفارابي والكندي وموسى بن ميمون وغيرهم.
ثم تحدث الدكتور أشرف منصور، حيث قال إن الصعود الحالي للأصوليات الدينية والمستمر منذ أوائل القرن العشرين، وما صاحبه من تنامي ظاهرة الإسلام السياسي، أدى إلى اختفاء صوت العقل واضمحلال التفكير العقلاني في الدين؛ ذلك لأن الفكر الإسلامي طوال تاريخه لم يكن يخلو من عقلانية فلسفية مثَّلها فلاسفة الإسلام الكبار، خاصة الفارابي وابن سينا وابن رشد. لكن وجدنا أمامنا مفارقة غريبة في العصر الحديث، وهي أن تراث فلاسفة الإسلام من مقاربات عقلانية للظاهرة الدينية سرعان ما انتهى وحل محله الانغلاق الفكري المميز للأصوليات المعاصرة، حيث كانت الفلسفة الإسلامية أكثر عقلانية من كثير من الفهم الأصولي الشائع للدين وللنص الديني.
ثم مضى بعد ذلك مؤكدا أنه سوف يحاول أن يرسم صورة يتمنى أن تكون شاملة ومركزة للغاية عن الإسهام الذي قدمه فلاسفة الإسلام في عقلنة الدين.
بعدها طرح سؤالا إشكاليا هو: ما هي عقلنة الدين؟
وذهب في إجابته إلى القول إن عقلنة الدين أمر يعني التفسير العقلاني للدين ولظواهره الأساسية من نبوة ووحي ومعجزات ونص ديني وشريعة، والتفسير العقلاني للدين هو التفسير الطبيعي والمنطقي لهذه الظواهر. فبدلاً من أن تكون ظواهر الدين عصية على الفهم العقلي ومنتمية للإيمان وحده وللمجال العجائبي الخارق للطبيعة، تحاول الاتجاهات الفلسفية في عقلنة الدين استعياب هذه الظواهر بالعقل. والاستيعاب بالعقل هو العثور على أسباب عقلية للظاهرة الدينية.
ثم طرح الدكتور منصور سؤاله التالي: ما هي نظرية التأويل الكلاسيكية؟
وأكد في إجابته أن نظرية التأويل الكلاسيكية هي التوجه النظري الذي ظهر في تعامل عدد من الفلاسفة مع الدين من منطلق عقلنة الدين السابق ذكرها، وهؤلاء هم الفارابي وابن سينا وابن رشد، وتلميذهم موسى بن ميمون أهم وأشهر فلاسفة اليهود في العصور الوسطى، وأخيراً سبينوزا الذي تعد نظريته في التأويل ثمرة ذلك التوجه النظري في التعامل مع الدين.
وورأى أنه يمكن وضع نظرية واحدة في التأويل لكل هؤلاء، حيث إنهم اتفقوا على:
- العثور على مبرر اجتماعي وسياسي للدين كظاهرة، أي اكتشاف ضرورته للنظام الاجتماعي والاستقرار السياسي.
- الاتفاق على التأويل المجازي للنصوص الدينية التي تحمل في ظاهرها تناقضاً صريحاً مع العقل.
- نظرة سوسيولوجية للأديان وللفلسفة على أساس تقسيم اجتماعي للناس إلى عامة وخاصة، يكون فيها الدين مناسباً للعامة والفلسفة مناسبة للخاصة، دون تعارض بينهما، واكتشاف طبيعة الخطاب الديني المناسب للعامة والذي يتحدد بالخطابة والشعر، أي الخطابات المستخدمة للمجاز والتمثيلات والاستعارات بصورة أساسية، مراعاة لأفهام العامة، وتحديد البرهان كخطاب علمي عقلي منطقي للخاصة وحدهم.
- الاتفاق على عدم التصريح للعامة بالحقيقة، أي حقيقة ذلك الانقسام بين الخطابات، وبين مستويات الفهم، مراعاة لفهمها هي للنص الديني.
ولكن ما الذي يجعل هذه النظرية "كلاسيكية"؟
يرى المحاضر أن الذي يجعلها كلاسيكية هو عدة أشياء، منها أسبقيتها التاريخية على النظريات التأويلية الحديثة التي تستعين بالمناهج الهيرمينيوطيقية، واعتمادها على المنظومة الفلسفية الأرسطية. والفرق بين نظرية التأويل الكلاسيكية والتأويلات الحديثة، أن الأخيرة عاملت النص الديني من منطلق تعبيره عن معان عميقة، أنطولوجية ووجودية لم يكن معاصرو النص الديني ومستقبلوه الأوائل على وعي بها (ريكور). أما نظريات التأويل الكلاسيكية، فقد وضعت النص الديني في سياق مستقبليه من العامة، وكان لهذه النظريات صدى في المدرسة التاريخية في دراسة التصوص المقدسة ابتداء من القرن السابع عشر، وطوال الثامن عشر: ريتشارد سيمون، رايماروس، لسنج.
وأوضح كذلك أن فلاسفة الإسلام، ومعهم ابن ميمون، حرصوا على عدم التصريح بالتأويل للعامة، لما في ذلك من خطر على إيمان العامة الذي إذا اهتز أصاب الخلل البناء الاجتماعي كله. ومن هذه الأفكار:
- الإله ليس شخصاً، بل هو عقل خالص، وهو المبدأ الأول والعلة الأولى للوجود، وهو القانون الطبيعي الحاكم للكون.
- العالم ليس مخلوقاً من العدم، بل وجوده مساوق لوجود الإله.
- الإله ليس خارج العالم وليس داخل العالم، لأن مقولة المكان لا تنطبق عليه أصلاً؛ فهو بلا مكان مثلما أن المعادلات الرياضية والقوانين الطبيعية بلا مكان. لكن الإله محايث للعالم في الوقت نفسه، مما يعني وحدة الوجود.
- الوحي ظاهرة طبيعية، فهي إما فيض من العقل الأول على عقل النبي بتوسط العقل الفعال المسمى بجبريل في الأديان، أو اتصال بين النبي والعقل الفعال عند ابن رشد، أو موهبة في استخدام الخيال كما عند سبينوزا.
- الدين للعامة والفلسفة للخاصة، والشريعة كافية لسعادة العامة، وخطابها مناسب لأفهام العامة، أما الخاصة بخطابها هو البرهان، وشريعتهم هي الحكمة.
- الخلود ليس للنفوس الفردية، بل للنفس الكلية.
- لا تشترك الفلسفة مع الدين إلا في مبادئ ثلاثة: وجود الله، والنبوة والسعادة والشقاء الأخرويان. ولا يجب على المؤول الاقتراب من هذه المبادئ، وله مطلق الحرية في التعامل مع ما عداها من القضايا. ظهرت هذه الفكرة عند ابن رشد وسبينوزا، مما يشي بتأثر سبينوزا بطريق غير مباشر بابن رشد عن طريق الرشدية اليهودية.
وفي النهاية، خلص المحاضر إلى نتيجة مفادها أن عقلنة الدين هي عقلنته للفيلسوف، لا للعامة، لأن العامة لن تتفهم ولن تتقبل هذه العقلنة، ويجب أن يبقى الدين لديها في مجال الخطابة، ويدور في مجال ملكة المخيلة. وهذه هي نظرية التأويل الكلاسيكية كما ظهرت لدى الفلاسفة المذكورين. صحيح أنها محاولة لعقلنة الدين، إلا أنها كانت محكومة بالأدوات المعرفية والوضع الاجتماعي السائد في الأزمنة التي ظهرت فيها تلك الفلسفات.
بعدها دار حوار بين الضيف والجمهور، حيث شهد اللقاء تفاعلا من الحضور، سواء بالتعقيب أو بالاستفسار، وهو ما أثرى الفاعلية بشكل كبير.
والدكتور أشرف منصور الدكتور هو أستاذ الفلسفة بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية، له عدة مؤلفات وأبحاث معنية بالتأويل ونظرية المعرفة، أحدثها مؤلفه " نظرية المعرفة بين كانط وهوسرل، دراسة في الأصول الكانطية للفينومينولوجيا"، وكتاب "العقل والوحي: منهج التأويل بين ابن رشد وموسى بن ميمون وسبينوزا" 2014 وكتاب "سبينوزا ونقد العقل الخالص: دراسة لنظرية كانط في المعرفة والميتافيزيقا في ضوء فلسفة سبينوزا"2013 بالإضافة إلى العديد من الأبحاث والدراسات المنشورة في الدوريات والمجلات العلمية المحكمة .