ندوة الاسلام في مرآة الآخر: الصور والتمثلات
فئة: أنشطة سابقة
نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود (فرع تونس) يومي 29 و30 جانفي (يناير) بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس ندوة علمية بعنوان "الإسلام في مرآة الآخر: الصور والتمثلات" وقد شارك فيها ثلاثة عشر باحثًا عربيًّا حيث تطرق كل باحث واحد منهم إلى جانب من جوانب هذا الطرح.
في بداية الندوة كان التقديم على لسان كل من الدكتور بسام الجمل وعميدة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس حياة عمامو والدكتور نادر الحمامي الذين أطروا هذا الطرح واستوفوا حقه فقد قال بسام الجمل إنّ اختيار موضوع الندوة مردّه أنّه لم يلق الحظ الكافي من الكتابات فقد كانت معظمها عن الآخر ونظرة الإسلام له، وقد استشهد الجمل ببول ريكور حين تحدث عن "نقود الصورة" واستدل بالباحثين الغرب الذين نقدوا ذواتهم من خلال الآخر.
ثم قالت حياة عمامو (عميدة كلية العلوم الانسانية والاجتماعية) إنّ رسم استراتيجيات للعالم أصبح هاجسًا يربك وأشارت إلى أنّ موضوع الندوة بادرة في تحديد موقع الإسلام والمسلمين من وجهة نظر أكاديمية وهو موضوع لم يقع التطرق اليه فالإسلام على حد تعبيرها حضارة وتاريخ وثقافة وليس مجرد عقيدة.
لتضيف أنّ مثل هذه الندوة من الممكن أن تغير الكثير من الآراء فكل الدراسات بقيت رهينة المكتبات ثم عرّجت العميدة على أنّ الحضارات القديمة وقعت دراستها علميًّا لفهم تطورها ولإيجاد مكان لها في هذا العالم أمّا الاسلام فيُنظر إليه على أنّه بضاعة لا يمكن أن تطور شيئًا في هذا العصر.
أمّا الدكتور نادر الحمامي فقد تطرق أساسًا إلى طرافة الندوة المتمثلة في قلب الصورة فعوض الحديث عن الآخر ها نحن نتحدث عن نظرته للإسلام ليضيف تساؤلاً مفاده "ما الذي يحدد الصورة هل الآخر أم أنّنا نتحمل قسطًا من المسؤولية في تشكيل الصورة" ثم "ما الذي علينا أن نفعله حتى نغير من هذه الصورة"
ثم قال الحمامي إنّه يجب على "المسلمين أن يتحملوا المسؤولية دون كذب وينظروا الى أنفسهم دون تعالٍ أو حنين إلى الماضي فالواقع يقول إنّنا متأخرون حضاريًّا، الأمر الذي يجعلنا نشعر بعقدة نقص وهو ما يؤدي بالضرورة إلى نوع من السكيزوفرانيا"
بعد الفقرة التقديمية كان دور المحاضرين في الجلسة العلمية الأولى لنحت معالم موضوع الندوة، كل حسب وجهة نظره، والبداية كانت مع مداخلة الدكتور خزعل الماجدي من هولاندة تحت عنوان الإسلام في نظر الاستشراق الجديد.
ليقول فيها إنّه انتهى عهد الاستشراق في مؤتمر باريس سنة 1973 لتنقلب التسميات بين "الدراسات الإقليمية" ومستودع الأفكار أو "Think Tank " أو ما بعد الاستشراق" post-orientalisme " وقد ذكر الماجدي مجموعة من المستشرقين الجدد من بينهم برنارد لويس وفوكوياما وهنتنغتون وبرنارد هنري وبت ياور (بنت النيل) وغيرهم.
وقد استعرض الماجدي في محاضرته سير بعض من أفكار هؤلاء المستشرقين المحرضة عل كره المسلمين والإسلام لكنّه لم يغفل عن إظهار بعض الأسماء المعتدلة مثل جون كيبيل
لكن ومع ذلك فقد ساهم هؤلاء في صياغة مصطلحات مثل الربيع العربي والإرهاب وداعش وهي كلها تؤسس فكريًّا للكراهية.
أما ناجية الوريمي فكانت مداخلتها عن "صورة الإسلام في نظرية صدام الحضارات" حيث اتجهت الوريمي نحو تفكيك نظرية صامويل فيليبس هنتنغتون المتمثلة في صدام الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي حيث صرحت الوريمي أنّ الخطاب الذي تبناه هنتنغتون ليس خطابًا علميًّا إنّما هو إيديولوجيّ بامتياز وقد ارتكزت في تفكيكها على ثلاثة عناصر: مكونات صورة الإسلام، استراتيجيات الخطاب وتفكيك مرجعيات هذه الصورة.
من خلال هذه المحاور نجد أنّ الصورة التي صاغها هذا المفكر تحمل في طياتها التعصب الديني وتسعى إلى تكريس طابع دموي عن الإسلام واعتباره دينًا يتعارض مع الحداثة.
وقد عرضت الدكتورة ناجية الوريمي مجموعة من الشواهد في خطابه هذا بالإضافة إلى إشارتها إلى أنّ هناك تعاملاً خطيرًا مع المفاهيم التي يضم فيها هنتنغتون القوة في العلاقات الدولية والدين والهوية، ويوجه خطابه بما يخدم إدانته للدين الإسلامي فيطرح مثلاً في مسألة الهوية سؤال "من أنا" الذي تجاوزته الفلسفة وعلم الاجتماع حيث اعتبر بول ريكور أنّ مثل هذا السؤال يُعتبر عنصريًّا.
في نهاية الجلسة العلمية الأولى تحدث الباحث عيسى الجابلي في مداخلته التي حملت عنوان "الفكر الكاثوليكي المعاصر والمسلم المسكين البابا بندكت السادس عشر أنموذجًا" عن موقف البابا الذي أعلن عداءه للإسلام في محاضرة ألقاها في راتيسون.
في هذه المحاضرة بالذات، رأى البابا جوزيف راتسنغير أنّ الاسلام نقيض للحداثة وأنّه دين دموي بالأساس ويدعو إلى التعصب للذات معتمدًا على ما يروج في الإعلام الغربي. كما يرى أنّ أوروبا ستكون مسلمة في المستقبل لذا يجب مواجهة هذا الدين مع السعي إلى "كثلكة" العالم.
في جزء ثالث من مداخلته، تطرق الجابلي إلى أنّ مصطلح "المسلم المسكين" متأت من تقمص دور الضحية والبكاء والطرب لذلك البكاء، بالإضافة إلى أنّ صورة المسلم اليوم يطغى عليها الجانب العاطفي عوض اعتماد منهج التفكيك.
في الجلسة العلمية الثانية، تحدث جمال الدين بن عبد الجليل في محاضرته، التي عنونت بحركة ترجمة المصادر العربية في القرون الوسطى وتحولات صورة الإسلام، عن تداخل هذا الآخر وتعدده وعن عوامل حركة الترجمة من المصادر العربية في العصر الوسيط.
رسم جمال الدين بن عبد الجليل سلمًا للترجمة في العصر الوسيط بدأت من المصادر العربية مرورًا باللغة العبرية ثم اللاتينية وقد استنجد ابن عبد الجليل بالمستشرق الألماني النمساوي موريس ستنشنايد الذي كتب "الترجمات العبرية في العصر الوسيط" والألماني هين غريفت الذي كتب "الأعمال العربية إلى اللغة اللاتينية".
وقد أكد جمال الدين بن عبد الجليل أنّ بعض الكتب في أصولها العربية لم نجد لها أثرًا لولا ترجماتها إلى اللغة العبرية وأبرز مثال على ذلك كتب المفكر ابن رشد، فضلاً عن أنّ العديد من الترجمات اللاتينية اعتمدت كذلك على النسخة العبرية، ومن بين العناوين ذكر جمال الدين بن عبد الجليل "تهافت التهافت".
في سياق متصل مع المداخلة السابقة تحدثت الباحثة آمال التوكابري الفطناسي عن القدس المملوكية في القرن الخامس عشر في عيون الرحالة فيليكس فابري وقد أكدت التوكابري أنّ هذا الرحّالة حاج ومبشر سويسري مهتم بالآخر المسلم.
زار هذا الرحالة بيت المقدس ومصر ليكتب كتابًا يحمل عنوان "إيفاكاتوريوم الأخ فيليكس فابري" وهي مجموعة من الخوطر والتأملات، ومن محتوى هذا الكتاب يمكننا أن نستنتج تداخل المستوى الديني والاجتماعي والديني الثقافي في إعطاء صورة عن الآخر.
نأتي الآن إلى الجلسة العلمية الثالثة التي تطرق فيها الدكتور بدر الدين الهوشاني الذي قال في مجرى حديثه إنّ المؤرخين الغربيين يعتبرون المسلمين وثنيين، لذلك فإنّ محاربة المسلمين محاربة للظلام وقد كان للكنيسة والرهبان الدور الرئيسي في صياغة هذه الصورة المظلمة.
فقد كانت حربًا رمزية من خلال الانتقاص من قيمة الإسلام لإعادة صورة المسيح، وعملت الظاهرة الصليبية على تكثيف الصورة المشوهة للدين الإسلامي وتعميق الشعور بالكراهية.
من جهته تطرق فرج الحوار في مداخلته إلى نبي الإسلام في جدل الفرقاء المسيحيين حين عرض المنحى التاريخي في قاموس بيار بايل والذي ركز فيه المؤلف على مراحل من حياة النبي ولم يأت بايل بالجديد بل زاد في تعميق النظرة السلبية للنبي على اعتباره دجالاً وقاطع طريق.
وفي المقابل فقد دافع عن النبي ضد خصومه الكاثوليكيين في خصوص مسألة لجوء النبي محمد إلى العنف لنشر الدعوة لكن ذلك لا يعدو إلا ردة فعل ضد البروتستانتيين.
أما من وجهة نظر الدكتور فوزي البدوي الذي كان عنوان مداخلته "نبي الإسلام في مرآة اليهودية" فقد ركز كل اهتمامه على الجانب الجدالي في قضية النبوة التي كانت مشغلاً من القرن الأول إلى القرن 10.
يرى اليهود أنّه بما أنّ النبي محمد ليس له نسب داوودي فلا يمكنهم لذلك الاعتراف به، فضلاً عن أنّه ليست له معجزات حسية، وهم ينكرون معجزة القرآن وقد كان المسلمون مدركين لهذا الوضع فسعوا إلى إيجاد نوع من الجينيالوجيا لنسب إسماعيل هذا بالإضافة إلى أنّ إبراهيم كان مسلمًا حنيفًا.
يقول الإسلام بأنّ التوراة محرفة خاصة في قسمها الثاني الذي يؤكد على مسألة النسب الداوودي لكل الأنبياء ليشرح البدوي علاقة الإسلام بالمسيح وبعض النصوص التلمودية المتأخرة التي تعتبر كذلك أنّ يسوع شخص منشق ولقيط لذلك حاربه المذهب الأورتودوكسي.
انقسمت الندوة العلمية في يومها الثاني إلى جلستين علميتين، الأولى بدأها الدكتور علي صالح المولى حين تطرق إلى إشكاليّة "الصورة من التركيب إلى التفكيك: بحث في السياقات والوظائف" وفيها رأى أنّ هناك سياقًا تاريخيًّا جديدًا بدأ مع تحرر الشعوب من الاستعمار، وبعد ميلاد دول عدم الانحياز. مثلما ظهرت تسمية العالم الثالث لتعلن عن اختفاء تسمية الشرق، وهذا ما اعتبره المولى قراءة خارجية أما القراءة الداخلية فتتمثل في اعتبار المستشرق ذلك الذي يستشرف المستقبل أو المتنبئ بالسياسات القادمة ومؤتمر المستشرقين سنة 1973 كان من أجل إعادة النظر في وظائف هذا المؤتمر.
وبرز في أمريكا مصطلح الخبير الذي يعني "التفكير الوعاء Think Tank " " أو "المفكر الدبابة" أو ببساطة المستشرق، وتكمن وظيفة الخبير في تشكيل الواقع والاهتمام بالجانب البراغماتي خاصة.
من جهتها تطرقت الدكتورة فوزية ضيف الله إلى أحداث 11 سبتمبر وتفكيكية داريدا للرؤية السائدة للإسلام حيث قسمت موضوع حديثها إلى ثلاثة عناصر وهي: تفكيك الانطباع الأمريكي والانطباع عن الحدث وإمكانية فهم الحدث.
يعتبر داريدا أنّ تاريخ 11 سبتمبر لا يعدو أن يكون يومًا عاديًّا لكن الماكينة الأمريكية جعلت منه حدثًا فائق الوصف وخارج اللغة أو ما يعبر عنه بالمسكوت عنه.
وما تكرار التمسية والتركيز عليها إلى دليل على الاستئناس بها والتعويل عليها لوصف الحدث الجلل ومنه أصبح هناك ما يسمى الإرهاب وخلطها بالقضية الفلسطينية. وقد استغلت أمريكا هذا الحدث كي تزيد من بسط سيطرتها على العالم وهيمنتها الاستراتيجية.
بعيدًا كل البعد عن طرح داريدا تطرق الدكتور حافظ قويعة إلى "الجنسانية في القرآن من منظور استشراقي" حيث عرض في مداخلته مجموعة من المراجع الإعلامية المتخصصة التي فيها ذكر الجنس في القرآن، وعلاقة النبي محمد بالجنس (خديجة وعائشة) وهو ما وصفه قويعة "الحقد الدفين على الإسلام"
أما في الجلسة العلمية الخامسة، فقد رسم الدكتور منير التريكي "صورة المسلمين في مرآة الصحافة البريطانية المكتوبة الراقية وبعض التقارير الأوروبية الرسمية" باعتماد مجموعة من عناوين الصحف مثل "ذو قارديان" و"دايلي تليغراف" اللذين كان من أبرز سماتهما النزعة التعميمية والخطاب الإسلاموفوبي بامتياز.
ليكون مسك الختام مع الباحثة آمنة بوعياد اللومي التي تطرقت إلى الإسلاموفوبيا في خطابات الرئيس أوباما على الأنترنات لكن محاضرتها لم تعد أن تكون سوى رفع للشعارات التي أساءت للإسلام وقد ركزت هذه الباحثة على الجانب الوصفي عوض الغوص في الجانب العلمي والمعرفي لنقد خطابات أوباما.